رسالة الى فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون (2) / بقلم د. مروان ابي قائدبيه

أتقدّم من فخامتكم بأحر التهاني بمناسبة عيد الفصح المجيد، أعاده الله عليكم وعلى اللبنانيين بالصحة واليمن والبركة، موحَّدين في مؤسسات دستورية فاعلة بعيداً عن التشرذم والفراغ.
اما بعد،
وعطفاً على رسالتي الأولى التي تركزت حرْفياً على “الصراع السياسي المحتدم حول قانون الانتخابات الذي اصبح يثير الشك ويدعو الى القلق، وهو قد تعدّى شعارات “تصحيح التمثيل” الى زرع بذور تصدّع الكيان والميثاقية لصالح كيان جديد لن يلامس حتماً مفهوم الوطن”.
 
أن التطورات التي حصلت ليلة ١٣ نيسان ٢٠١٧ -ذكرى بداية حرب ١٩٧٥-   هي التي دفعتني الى كتابة رسالتي الثانية هذه آملاً ان تلقى لديكم آذاناً صاغية رغم انشغالاتكم الكثيرة في هذا الظرف الصعب. 
لا بد لي بداية ان أعرب لكم عن تقديري العميق لموقفكم الوطني المسؤول حين استعملتم حقكم الدستوري في كبح جماح التمديد ولجم غلاة التنديد، هذا الموقف الذي كانت له أصداء إيجابية لدى جميع المواطنين وكُنت الحكيم الذي أعطى فرصة جديدة، ولو محدودة زمنباً، لإنتاج الحلول.
ان استعمالكم هذا الحق الدستوري يُثبت عكس ما كان يُشاع حول محدودية صلاحيات رئيس الجمهورية في دستور الطائف ويؤكد ان البحث  من قِبل الحقوقيين في مواد الدستور يُنتج حلولاً اكثر عقلانية مما قد ينتجه السياسيون في هذا المجال، والفرق كبير جداً بين رسالتكم من القصر الجمهوري، وبين ما بلغكم وبلغنا من تحضيرات خطيرة كانت تجري في الشارع، حيث قال على أثرها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عندما شكركم على موقفكم: “ان العناية الالهية حمت لبنان”.
لقد تمنيت على فخامتكم في نهاية رسالتي الأولى الّا “تدعهم يُسقطوا غصن الزيتون الذي حمله يوماً الى المختارة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير” واليوم أراني ملزماً من باب الحرص على هذه المصالحة التاريخية ان ألفت نظركم الى ما قاله البطريرك الراعي من “أن الانتخاب على أساس  الـ60 أفضل من التمديد لمجلس غير شرعي لحين إيجاد قانون جديد”، واولويتنا اليوم ما يتفق عليه اللبنانيون اولاً وليس فقط القادة المسيحيين.”.
أنه موقف عقلاني من شخصية مسؤولة مدركة للمخاطر التي تتهدد لبنان والمنطقة، تحترمونها ونحترمها ويكنُّ لها اللبنانيون كل احترام وتقدير.
نعم، ان الانتخابات النيابية قادمة، “والكل يبحث عن دور ما له في القانون” وأذا كان الخيار بين مشاريع بعض السياسيين ونهمهم المتزايد في تعزيز تمثيلهم السياسي واحتكار السلطة وأقصاء الآخر وبين الحفاظ على الوحدة الوطنية والعملة الوطنية واستتباب النظام، فأنكم حتماً ستنحازون الى جانب لقمة عيش المواطن في وجه شهوة السلطة، خاصة وان أكثر من ثلث اللبنانيين اصبح تحت خط الفقر.
نعم، ان الانتخابات النيابية هي في اساس ولادة سلطة متجددة تضخ دماً جديداً في الحياة السياسية وهي ضرورية حتى لو كانت ولادة قيصرية، انما تصبح مرهقة ومؤلمة اذا تحوّلت الى ولادة قسرية؛ وتاريخ لبنان حافل بأحداث مشابهة استطاع اللبنانيون تجاوزوها في الماضي في ظروف داخلية وإقليمية مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم، حيث ان المنطقة بأكملها على فوهة بركان والصراع الطائفي والمذهبي لم يكن يوماً بمثل هذه الضراوة وتدخلات القوى الدولية الكبرى تذكرنا بالحرب العالمية الثانية وبمشاريع اعادة رسم الحدود وتشكيل الكيانات وتهجير الاقليات ناهيك عن أطماع العدو الاسرائيلي في لبنان.
اما الوضع الداخلي من فساد وصفقات وسرقة للاموال العامة في الكهرباء والماء والسدود والنفايات والجمارك والخلوي، ناهيك عن الدين العام وعجز الخزينة عن تلبية حقوق مالية مزمنة لفئات واسعة من الشعب اللبناني، كل هذه الامور مجتمعة، من داخلية وأقليمية  تطرح على كل من يتعاطى الشأن العام سؤالا محورياً وهو: هل يمكن الاستمرار في خطوة، على أهميتها، اذا كانت ستؤدي الى مأزق بالغ الكلفة لا مصلحة فيه للرابح نفسه، هذا اذا كان هنالك من رابحٍ؟
فخامة الرئيس،

ليس صحيحاً أن محاربة الفساد ومكافحة الهدر تستلزم كتلة نيابية كبيرة  كما يُصوّرها البعض، بل هي  تحتاج الى رفع الروح المعنوية للقضاة في تطبيق القوانين والبحث في مواد الدستور عن آلية تقويم الأعوجاج، كما ان حماية أجهزة الرقابة من تدخلات السياسيين سيشكّل رادعاً قوياً أمام الرشوة والصفقات المشبوهة، وهذا كله  في متناول فخامتكم من دون أدنى شك فحبذا لو تختصرون الطريق الى الاصلاح والتغيير.

ان الميثاق هو “عهد ووثاق “حسب الراحل سامي مكارم، انه  سياسة تعاقدية تفاوضية تفرض تنازلات متبادلة، حيث يستحيل الانتصار، من هنا كان قول البطريرك الراعي: أولوينتا اليوم ما يتفق عليه اللبنانيون أولاً وليس فقط القادة المسيحيين.
لقد توخيت وضوح الرؤية والدقة في التعبير لتصلكم رسالتي صادقة لا لُبسَ فيها. وقانا الله وإياكم فخامة الرئيس شرَّ اللُبس والملتبسين.
(*) عضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز