قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتأجيل إنعقاد مجلس النواب مدة شهر واحد ضمن العقد التشريعي العادي، والذي ينتهي في 31 ايار/مايو القادم؛ اثار مجموعة من التداعيات النوعية في مسار الحركة السياسية المُعقَّدة في لبنان. وهي المرة الاولى يُقدِم فيها رئيس على مثل هذا التدبير منذ تأسيس الجمهورية، وفي زمنٍ يُحسبُ على انه من الحقبات الصعبة التي مرَّت على لبنان، نظراً للإنسداد الكبير الذي يواجه إنسياب الحركة السياسية والدستورية اللبنانية.

قرار الرئيس دستوري مئة بالمئة، ولا تشوبه شائبة من حيث الشكل (خصوصاً ان رئيس الحكومة لم يعترض عليه) وهو مبني على حق كفلته المادة 59، لكن توقيته مُكلِف، ومُخيف، وقد يكون له بعض الآثار غير المتوقعة إذا ما أعقبته تسوية، خصوصاً ان الكثيرين يعتبرون: انه جاء لتسديد ضربة في مرمى فريق سياسي لصالح فريق سياسي آخر، ولم يتخِذ الرئيس  القرار بسبب تحديات داهمة تعني الشعب اللبناني برمته، مما قد يؤسِس في المستقبل الى إعادة توزُّع جديد للقوى السياسية، وقد يُحسب فيها رئيس الجمهورية الى جانب إصطفاف محوري ضد إصطفاف آخر، وبالتالي يفقد الرئيس معها موقع ” بي الكل ” كما أطلق عليه أنصاره بُعيد إنتخابه في نهاية تشرين الثاني/نوفبر 2016.

وخطوة رئيس الجمهورية جنَّبت البلاد مشهد إنقسامي قاسٍ كاد يتبلور من جراء خطوة مجلس النواب بالتمديد لنفسهِ مدة سنة، ولكن التمديد الذي كان مطروحاً على جدول اعمال الجلسة التشريعية نهار الخميس؛ كان مُبرراً كونه اهون الشرور، تلافياً لسقوط الجمهورية برُمتها إذا ما حصل الفراغ في البرلمان. والبرلمان في لبنان هو أم السلطات، كما هو مُبيَّن في الدستور، ولا يمكن للنظام ان يستمر من دونه. ولأن مؤيدي التمديد؛ هم معارضي التمديد ذاته بالأساس، ولكن الضرورات تُبيح المحضورات، ذلك ان مهل اصدار قانون التمديد في ايامها الأخيرة، لأن القانون يحتاج الى اكثر من شهر لإعادة التأكيد عليه إذا ما رده رئيس الجمهورية وفقاً للمادة 57 من الدستور، او إذا ما طُعِنَ فيه امام المجلس الدستوري.

قرار رئيس الجمهورية دستوري، ولكن عدم التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على اساس القانون القائم؛ مُخالف للدستور وفقاً لمطالعة المجلس الدستوري في القرار رقم (7) تاريخ 28/11/2014. الذي اعتبر فيه ” ان عدم الاتفاق على قانون جديد للإنتخابات، لا يبرر عدم إجراء الانتخابات على اساس القانون النافذ ” اما التعهدات التي جاءت في خطاب القسم وفي البيان الوزاري للحكومة الجديد؛ فهي لا ترتقي الى مرتبة قوة أحكام الدستور، وبالتالي فهي ليست مُلزِمة من الناحية القانونية، بل لها تأثيرات سياسية وادبية فقط.

المُخيف في قرار رئيس الجمهورية بتعليق إنعقاد المجلس لمدة شهر؛ انه قد يُسبِب بأزمة وطنية كبرى، إذا لم يحصل اتفاق على قانون جديد للإنتخابات ضمن مدة الشهر، لأن صلاحية المجلس الحالي تنتهي حُكماً في 20 حزيران/يونيو القادم ومِهل الرد، او الطعن وإعادة التأكيد، تحتاج الى اكثر من المدة المتبقية له، كما ان المجلس يحتاج الى فتح دورة إستثنائية بعد 31/5/2017، وهذا مُتعذِّر بطبيعة الحال. علماً ان الخلافات حول مندرجات القانون الجديد قائمة منذ اكثر من خمس سنوات، والمؤشرات التي ظهرت في كواليس اللجان المُتعدِدة التي كانت تبحث في الإقتراحات؛ قاتمة، لأن التزاوج بين النظام الطائفي والنظام النسبي في الانتخابات وراءه صعوبات كبيرة، وصيانة العيش المُشترك تتناقض مع التأهيل على اساس المذهب، كماان الحفاظ على المُناصفة في عدد اعضاء مجلس النواب؛ يحتاج الى بعض المرونة، نظراً للتغييرات الديمغرافية التي حصلت في البلاد خلال السنوات الماضية، بينما سِمة التشدُّد هي الغالبة عند اغلبية الفرقاء.

كلفة قرار الرئيس باهضة جداً، ولو انها دستورية. لأن تعطيل مجلس النواب شهراً في هذا الوقت بالذات؛ يعني تعطيل إقرار الموازنة التي لم تصدر منذ 12 عام، وضمناً تعطيل سلسلة الرتب والرواتب التي ينتظرها الموظفون والأساتذة منذ سنواتٍ عديدة، كما ان هناك العديد من مشاريع القوانيين ستبقى في الأدراج الى اوقاتٍ غير محسوبة، والأخطر من كل ذلك؛ ان الإنتظام العام في الدولة برمتها مُهددٌ إذا لم يحصل الإنتفاق.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي