الى سمير فرنجية

وائل ابو فاعور (النهار)

تعرفت الى سمير فرنجية  في زمن  مضطرب، يوم اصطحبني  وليد جنبلاط الى عشاء مع صديق لم يسمّه.  يومها  كانت معموديتي الاولى معه حين اكتشفت رجلاً مختلفاً بل عالماً مختلفاً، في الافكار،  في المنطلقات وفي اللغة، وسألت نفسي: من أين لهذا الرجل كل هذه السطوة؟ لأكتشف لاحقاً انها سلطة الفكرة.

كانت معضلاتي مع سمير فرنجية كثيرة، معضلتي الاولى انه يتكلم بصوت خفيض عصي على السمع وكنت اتهمه بأنه يهوى تعذيب سامعه بالصوت والفكرة.

معضلتي الثانية مع البك الأحمر انه كثير التفاؤل، وكنت دوماً اسأل نفسي: هل هذا تفاؤل ام حلم؟ لأكتشف لاحقاً انها الشجاعة، شجاعة التفاؤل وشجاعة الامل.

معضلتي الثالثة انه مترفع، وصعب عليك في عالم السياسة ان تجادل مترفعاً.

كنا كثراً، احزاباً وتيارات، حزبيين ومثقفين، مخضرمين وجدداً، ملتصقين بأحزابهم وهاربين منها، وكان سمير واحداً لكن حضوره كان أقوى من الجميع.

كنا متنابذين ومتناقضين ووحده سمير استطاع ان يوحد بين افكارنا ولغاتنا وابجدياتنا وطلاسمنا.

في الحقيقة هو لم يوحدها لكنه فرض لغته علينا: المصالحة التاريخية، انتفاضة الاستقلال، تنقية الذاكرة، العبور الى الدولة، الاستقلال الثاني، مصالحة المقاومة  والاستقلال،  مصالحة  الفكرة اللبنانية مع العروبة، كلها مفاهيم وتعابير صنعها سمير فرنجية وصارت مرجعيات للغتنا السياسية على امتداد سنوات.

عدنا الى أحزابنا  وعصبياتنا  وبقي سمير وحيداً  أميناً لقناعاته وسطوته وصوته الخفيض ومبادارته الدائمة، لا لكي يقنعنا بل ليبقى كما هو.

سمير فرنجية عاش حراً شجاعاً ومضى حراً شجاعاً.

عاش شريفاً ومضى شريفاً.

هزمت المرض مرتين يا بك، لكنك ترفعت في الثالثة فأنت تستحق هذه الميتة الشجاعة.

كلي ثقة انك ستكمل حوارك مع نصير الأسعد وحكمت العيد، لكن إرحمهما من صوتك الخفيض يا بك.

 

(*) نائب ووزير سابق