مَن يُعطِّل الحوار حول قانون الإنتخاب في لبنان؟

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

لا يمكن القفز بسهولة فوق التحذيرات التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي قال فيها: اذا وقع الفراغ في البرلمان تسقط الشرعية عن باقي المؤسسات الدستورية، كون هذه المؤسسات إما منتخبة من البرلمان، او انها تستمد شرعيتها من ثقة هذا البرلمان. وكلام بري لا يأتي من فراغ، بل انه نابعٌ من مُعطيات جدية لديه، ومُعظم اللبنانيين يعرفون اغلبية هذه المُعطيات.

ولا يمكن إخفاء الورطة الدستورية الذي يعيشها لبنان من خلال تغطية “السموات بالقبوات” كما يقول المثل الشعبي. فمناقشة الموازنة في مجلس النواب – ومن ضمنها سلسلة الرتب والرواتب – على اهميتها، وإتخاذ بعض القرارات في مجلس الوزراء؛ لا تمحو خطورة تعطُّل الحوار الجدي حول قانون الإنتخاب، حيث طارت المهل الدستورية، والنظام العام في لبنان مُهددٌ برمته، لأن الإنسياب الطبيعي للخطوات الإجرائية بإتجاه الدعوة لإجراء انتخابات نيابية؛ لم تعُد مُمكنة من دون تشريع إستثنائي، يُعدل المهل، او يُمدِد لمجلس النواب الحالي، ريثما يتم إنتخاب بديل عن نوابه الحالييين.

مقومات الحوار شبه مُعطلة بين الأفرقاء الاساسيين في اللعبة السياسية اللبنانية. والتواصل قائم ولكنه غير جدي بين هذه الاطراف في آنٍ واحد. اما المجاملات السياسية التي فرضتها مندرجات التسوية التي اوصلت العماد عون الى رئاسة الجمهورية والشيخ سعد الحريري الى رئاسة الحكومة؛ فهي ايضاً لم تكُن على مستوى عالٍ من الجدية، بل إقتصرت على تمريرات خدماتية توزَّعت بين الاطراف الاساسيين، واستفاد منها التيار الوطني الحر اكثر من غيره، إكراماً لرئيس الجمهورية، لا سيما في ملفات النفط والغاز والتعيينات والكهرباء وغيرها.

تقول مصادر في حركة امل لإحدى الصحف اللبنانية: ان الإقتراحات التي تصِل الينا فيما يتعلَّق بقانون الإنتخاب؛ هي لتخييرنا بين السيء والسيء، في إشارة واضحة الى المشاريع الخمسة التي قدمها رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل.

يختصر باسيل حركية الإقتراحات فيما يتعلَّق بقانون جديد للإنتخابات النيابية، على خلفية انه المرجع المسيحي الوحيد الذي يفاوض الآخرين حول هذه المسألة – ولا يكفي تنسيقه من وقتٍ لآخر مع القوات اللبنانية لإخفاء هذه الفرضية، لأن القوات تُبدي انفتاحاً اكثر على الحوار، رُغم خلافاتها السياسية مع عدة اطراف على قضايا جوهرية، خصوصاً مع حزب الله.

وباسيل لا يستخدم المرونة الكافية، ولا يتعاطى بلياقة دبلوماسية مع الاطراف الآخرين، ولا يخفي بعض جوانب الإستقواء عندما يُصرِّح علناً: انه ينتظر موقف حزب الله من إقتراحه الأخير، من دون الإشارة الى الاطراف الآخرين. وبذلك يستفزّ – عن قصد او عن غير قصد – باقي اطراف الإجتماع السياسي اللبناني، ومن هؤلاء العديد من الاصدقاء الذين لا تُغضبهم إشارته الى حزب الله، او انهم يبالغون في سياسة المسايرة السياسية لتقطيع المرحلة من دون مُشكلات كبيرة.

ترى اوساط واسعة الإطلاع، وليست على خصام مع التيار الوطني الحر: ان الطريقة التي يعتمدها الوزير باسيل في تعامله مع اغلبية الاوساط السياسية في لبنان؛ لا تخدم مسيرة العهد، وهي لا تتلاءم مع الخصوصية اللبنانية التي تقوم على التسوية. وترى هذه الاوساط: ان النفوذ الواسع الذي يتمتع به باسيل اليوم، جاء من خلال هذه التسوية، وبالتالي فهو لم ينتصر بواسطة الانتخابات لكي يفرض شروطه على الآخرين، فمجلس النواب الذي كان مُتهماً من باسيل بعدم المشروعية من جراء التمديد؛ هو ذاته الذي إنتخب العماد عون رئيساً للجمهورية.

وتتابع الاوساط ذاتها: ان الوقت الذي أُعطي ( من دون اي حساب )لإنطلاقة العهد من قبل جميع الاطراف؛ لا يمكن ان يكون مفتوحاً، والجزء الكبير من المسؤولية عن تعطيل الحوار الجدي، يتحمله الذين مارسوا الإستقواء بالعهد الجديد على الآخرين، مما أنتج إحتقاناً لا يُبشِرُ بخير مستقبلي. فبعض الذين يدورون في فلك العهد يمارسون أقصى صنوف التشويش الاعلامي والتجريح والاستفزاز عبر وسائلهم الرسمية، ويريدون لعب دور ” ام الصبي ”  في آنٍ واحد.

الحوار الجدي هو السبيل الوحيد للوصول الى تسوية – او سلة – تُخرِج لبنان من المأزق، وتُطلِق عجلة البلد المُكبلة، خصوصاً ان الإنكماش الإقتصادي بدأ يُطِلُ على الاسواق من جديد.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل