إسمنت الأرز… إسمنت الانتحار

محمود الاحمدية

“إهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالين” (الفاتحة 6، 7)       

في هذه الأيام السوداء بامتياز، حيث ضاعت المقاييس، وتهتز يومياً صورة الدولة، والفساد تعمَّمَ، فأَصبح الآدمي هو الشواذ والمثير للشفقة والعطف، أما أبو حواجب مقفولة وزنود مفتولة وعقل خاوي وجيوب عامرة فهو السيّد الحامي القوي الجبار… والفساد ضرب كلّ الملفات، واشدّد على كلمة كلّ الملفات إلى حد العهر حيث يتباهى الفاسدون بما اقترفت أياديهم وعقولهم وضمائرهم لسبب بسيط – بسيط جداً غياب المراقبة والمحاسبة…

يوم أمس كنت أحرك إشارة الراديو وكنت أنتقل من إذاعة إلى أخرى، ولشدّة دهشتي أن “إسمنت الأرز” خرق أكثرية الإذاعات وعلى مختلف مشاربها السياسية والمذهبية والدينية والتي تدّعي العلمانية، لا رقيب… لا حسيب… المهم إغراق الناس بالفلوس الحرام وكمّ الأفواه التي كانت شريفة والضمائر التي كانت حيّة، اكتشفت أن هناك خطةً ممنهجة وبطريقة علمية شيطانية براقة وحرفيّة… عندما تستمع إلى الدعاية التي يتبرأ منها الأرز، وإذا لم تملك ثقافة بيئية متعمقة ولا تخدعها الشعارات والموسيقى المرافقة فتتخيل مساحات خضراء وآلاف فرص العمل ومنظر ينافس جبال سويسرا ووديان إيطاليا وزهور بلاد اسكنديناڤيا… إنها دعوة صريحة إلى وليمة مسمومة… إنها خدعة تقارب الموضوع فتحول الغراب إلى حسّون يغرد وتجعل القرد إنساناً وتحول موسيقيي آخر زمان إلى “موزارت” أو بيتهوڤن” عصرهم… حسبي الله نعم الوكيل…

المؤلم والمفجع وأقولها صريحة قاطعة كحد السيف واضحة كالنهار نقية كثلج صنين أنتم تشاركون في التجرأ على ارتكاب هذه الجريمة الموصوفة…

في كتاب (لاروس) الفرنسي عندما تريد أن تتعرف على جبال ضهر البيدر، تتفاجأ عندما تقرأ أنها من أهم المواقع في الشرق المؤهلة لرياضة التزلج… نعم الفرنسيون الذين احتلوا بلادنا لم يتجرأوا على اقتحام جبال لبنان وتدميرها بالكسارات والمرامل أولاً ثم محاولة إقامة مصنع إسمنت هذه مقالتي الرابعة عن الموضوع، مصنع الموت في جبال عين دارة وعن مصائبه بالبعد العلمي ولي الشرف أن أقول بأن النقاط الخمسة عشر لمصائبه أصبحت بين يدي نيافة البطريرك المكرّم بناء لطلب كريم يقوي الثقة بالبيئيين، طلب من القطاع الأهلي في عين دارة… باختصار شديد وحتى تبقى عبارتي ساكنة في وجدان القارئ الكريم وحتى يظهر مدى الرعب والتلويث والمصائب التي يحملها هذا المصنع وعلى مستوى الجبل والبقاع ومن ثمَّ الوطن كله ولا أقول الكلام جزافاً ومستعدون لمناظرة مرئية إذاعية مقروءة حتى يتلمس شعبنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود… هذا المصنع يقع على مساحة مليون متر مربع وينتج سنوياً ثلاثة ملايين طن وحاجة الوطن خمسة ملايين وهناك فائض في المصانع الموجودة…

إنه مشروع موت حقيقي للمثلث الذهبي للبيئة: الهواء والماء والتراب… هو مشروع خنق حقيقي للناس وللطبيعة… هو مشروع انتحار جماعي…

 رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين

 

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة