شبطيني لـ “الأنباء”: أقول للرئيس عون برافو .. ولكن!

مع ارتفاع موجة المطالبة بإقرار الكوتا النسائية في البرلمان، يرتفع حجم التساؤلات عن حاجة هذا البلد لإقحام نسائه في لعبة الداما السياسية، التي يبدو أن الرجال فيه عجزوا عن فكّ شيفراتها ودوزنة حجارتها! فماذا يمكن للمرأة أن تغيّر في المعادلات السياسية شبه الثابتة بفعل موضة التمديد والتجديد؟ وأي مؤهلات تميّزها حتّى يتسنّى للبنانيين الإيمان بقدرة المرأة على قلب مقاييس المنطق السياسي لمصلحة هذا البلد…؟
أسئلة كثيرة حملناها إلى وزيرة المهجّرين السابقة، وهي الأم التي تعالت على وجع فقدان ولدها لتكمل مهامها الوزارية بجدارة، القاضية أليس شبطيني.
أمّا الإجابات فأتت على قدر جرأة معاليها وعزمها على قول الحق، وإن اقتضى منها ذلك اعترافاً بأنها شهدت خلال تواجدها في الحكومة على “انتهاك القوانين والحقوق باسم التفكير الطائفي ومحاربة الطوائف لبعضها البعض”، فضلاً عن نصائحها البنّاءة والمهمّة لكل امرأة تفكّر بولوج الشأن العام!
– بدايةً، كيف استعادت معالي الوزيرة حياتها العادية؟
لم تتغيّر حياتي بعد خروجي من الوزارة، خصوصاً أن لقب وزيرة سيبقى يلاحقني طوال عمري. وبالنسبة لي، فإن اللقب لم يغيّر حياتي على الإطلاق، وكما كنت ما زلت، أستقبل الناس كل الناس في بيتي، أستمع لحاجات بعضهم، أتبادل الآراء مع بعضهم، أصغي لهموم القريبين منهم والبعيدين، ولا أميّز بين شخص وآخر إلا بمقدار احترامه لنفسه كإنسان.
– ماذا أنجزت أليس شبطيني في وزارة المهجّرين؟
الكل يعلم الظروف التي مررنا بها في تلك الحكومة. لقد تم تعييننا لوزارة مؤقتة من ثلاثة أشهر لكنها استمرّت لعامين وعشرة أشهر، بلا رئيس جمهورية، وبلا أموال. وبالنسبة لي، اعتبرت توزيري عبئاً ومسؤولية كبيرة على عاتقي وقد أنجزت بمقدار الإمكانيات التي توفّرت لي. ولذلك اليوم، وبعد تقاعدي من القضاء أيضاً، وبعد مسيرة 48 عاماً من العطاء في الشأن العام، أشعر أنني بحاجة للراحة. لكن يُطلب مني الترشّح للإنتخابات النيابية كواجب وطني، وهذا الامر يضعني عند مسؤولياتي ويلزمني بإعادة النظر بأولوياتي للمرحلة المقبلة.
– في حال أقرّت الكوتا النسائية ستترشّحين لمقعد نيابي إذاً؟
ثمة الكثير من النساء الطامحات لولوج العمل السياسي من باب النيابة، لكن الأمر يبقى مرهوناً بقانون الإنتخاب. ما أجزم به هو أن البرلمان بحاجة لنساء، تماماً كما ان مجلس الوزراء بحاجة للمزيد من النساء، خصوصاً ان تفكير المرأة يختلف عن تفكير الرجل في الشأن العام.

شاهدة على انتهاك الحقوق والقوانين

– أين كنت تلاحظين الفرق على طاولة مجلس الوزراء بين تفكيركِ كامرأة وتفكير الوزراء الرجال؟
أولاً، المرأة دقيقة أكثر، وتشغّل عقلها وقلبها معاً، أما الرجل فلا. ثانياً، لقد وجدت نفسي في الحكومة بين مجموعة من الرجال الذين يفكرون ويعملون بنمط “أمرَك سيدنا”، بحيث يعملون لتأمين مصالح حزب معيّن، وينفّذون أوامر معيّنة، ما كان يضطرهم للإتصال بأسيادهم من داخل مجلس الوزراء في الكثير من الأحيان. أذكر مثلاً الكثير من التعيينات التي تمّت على أساس انتماء الأشخاص المرشحين لا على أساس الكفاءة، وقد خضت معارك داخل مجلس الوزراء لمحاربة هذا النمط، وكل الوزراء يشهدون على ذلك. لقد شهدت الكثير من المغالطات داخل الحكومة، وشهدت انتهاك القوانين والحقوق باسم التفكير الطائفي ومحاربة الطوائف لبعضها البعض.
– هل كان لديك هذا الحس المختلف وهذه الجرأة لأنك إمرأة؟ أم لأنك قاضية؟ أم لأنك غير منتمية لحزب معين؟
بالطبع لأنني غير محزّبة. فأنا قاضية مستقلة، مؤتمنة على الحق والقانون، ولا أقبل بأن أتلقى الأوامر من أحد. كذلك جرأتي لها دور، ودعم محيطي العائلي والاجتماعي لي. فلولا جرأتي في مجلس الوزراء لما كان تم التوافق على “الثلاثية الذهبية” في البيان الوزاري، ليس لأنني مع حزب الله كحزب سياسي بل لأنني كمسيحية مع مقاومة إسرائيل التي تنتهك حرماتنا المقدّسة، ولأن حزب الله حزب لبناني موجود ولا يمكن إلغاءه من المعادلة السياسية بشخطة قلم!
– سمعناك تقولين قبل بداية التسجيل أنك مع دخول المرأة المعترك السياسي عن طريق انتسابها للاحزاب.

 نعم طبعاً، فاليوم يبدو مستحيلاً على المرأة أن تنجح بولوج عالم السياسي إلا عن طريق الأحزاب، إما انتماءاً أم تحالفاً. فالواقع يفرض أن هذه الاحزاب هي المسيطرة على الحياة السياسية. أما إذا تم إقرار قانون انتخاب يتيح وصول المستقلين، فأعتقد أن حظوظ المرأة المستقلة تكبر عندها، ويبقى عليها التحالف مع هذا الحزب أو ذاك حسب توافق سياسة الحزب وبرنامجه مع تطلّعاتها.

مجتمعنا ذكوري

– هل تعتقدين أن الطبقة السياسية تتخوف من جرأة المرأة اللبنانية ولذلك ربما تتريّث في إقرار الكوتا؟
 طبعاً. فالرجل يخاف من تحرّر المرأة. فالمرأة المتحرّرة لا يمكن أن تكون خاضعة لأوامر الرجل، ولذلك نلاحظ ارتفاع نسبة الطلاق تزامناً مع تحرر المرأة.
– هنا، هل تعتقدين أن استمرار تراجع دور المرأة في مواقع القرار سببه هذه العقلية الذكورية، أم النقص القانوني، أم عدم كفاءة المرأة؟
النقص القانوني غير موجود، وهو محصور في مواد قليلة جداً يتم العمل على تعديلها. العقلية الذكورية لها دور أساسي طبعاً، فحتّى لو دخلت المرأة إلى الأحزاب وإلى مواقع السلطة في الدولة، لكن القرار يبقى بيد الرجل رئيس الحزب ورئيس الحكومة ورئيس الدولة، وهؤلاء كلهم رجال. نحن نتيجة تراكمات ورواسب تاريخية جعلت المجتمع ذكوري وكرّست دور الرجل في مواقع القرار.

مقوّمات الثقة بلبنان!

– كيف تنظرين إلى واقع لبنان السياسي اليوم؟
لقد لفتني خطاب رئيس الجمهورية في القمة العربية، حيث طرح دوراً حوارياً للبنان على مستوى العالم العربي. ويهمّني لفت النظر إلى الرسالة، التي أراد الرؤساء الخمسة من خلالها تذكير قادة العالم العربي بمضمونها، الذي يشكّل دعماً سياسياً كبيراً للرئيس ميشال عون في نضاله لاستعادة ثقة الدول العربية بلبنان.
فأنا أهنّئ رئيس الجمهورية الذي طرح لبنان كبلد حوار بين الدول العربية، والذي نقل لبنان بكلمته من موقع التحييد إلى موقع الدور والرسالة، وبرافو. لكن الدول العربية تثق بالدولة اللبنانية نظراً لهذه المقررات التي تضمنتها رسالة الرؤساء الخمسة، والتي تمثّل سنداً قانونياً يعزّز ثقة الدولا لعربية بلبنان. وبلا هذه المقررات التي ذكّرت بها الرسالة لا يمكن للدول العربية أن تثق بلبنان وبقدرته على لعب دوره كأرض حوار، وإلا فكيف ستثق الدول العربية بلبنان كأرض حوار إذا كان تعبير الرؤساء عن رأيهم وموقفهم جعلهم موضع انتقاد بأبشع الأساليب؟!
في النهاية، أنا أتمنى الوصول الى الهدف المنشود بجعل لبنان أرض حوار للدول العربية، لكن لكي تثق الدول العربية بلبنان، يجب أن يجعل رئيس الجمهورية من كل اللبنانيين سنداً له بمواقفهم الوطنية المكمّلة لموقفه.
– ختاماً، نحيي جرأتك، ونشير الى الجرأة الكبيرة لدى نساء لبنان في عرض مطالبهن مؤخراً. فما هي كلمتك الأخيرة للمرأة اللبنانية؟
 أتمنّى أن لا تصل جرأة المرأة إلى حد الفجور، وألا تتعدّى إطار القوة المقنعة بالحق.

(*) غنوة غازي – “الأنباء”