الحروب المحليّة وفرص السلام اللامركزي في سورية

عمد نظام الأسد طيلة عقود إلى حشد الدعم له وسحق المعارضة في المجتمع السوري، من خلال تعبئة شبكات الوسطاء المحليين. ومنذ العام 2011، لعبت علاقات متباينة بين السلطات المركزية في دمشق، وهؤلاء الوسطاء المحليين، ومختلف المناطق المحلية في سورية، دوراً رئيساً في اندلاع الاحتجاجات ومن ثَمَ الانزلاق إلى حمأة النزاع المسلّح. وعلى رغم أن حرب السنوات الست حوّلت الهياكل الإدارية للدولة إلى أشلاء مُبعثرة، إلا أن الرئيس بشار الأسد وجد نفسه مدفوعاً إلى الحفاظ على شبكاته من الوسطاء المحليين، كما عمل على إحيائها أو تجديدها في محاولة منه للحفاظ على سيطرته على مناطقه، أو استعادة الأراضي التي خسرها. بيد أن الصراع غيّر السياسات المحلية في سورية بعمق وبطريقة لاتفسح المجال أمام أي إصلاح أو ترميم. وبالتالي، باتت العودة إلى الوضع الذي ساد قبل 2011 أمراً مستحيلا.

لذا، سيكون ثمة حاجة في أي تسوية متفاوضٍ عليها وقابلة للحياة، أن تدمج هذه التغييرات في صفقة جديدة تستند إلى تقاسم السلطة عبر صيغة لامركزية يُفترض أن تُشكِّل أساس استعادة سورية لعافيتها الاقتصادية ولإعادة البناء في حقبة مابعد الصراع.

المحليّات السورية في خضم النزاع

لطالما اعتمد النظام السوري على شبكات الوكلاء والوسطاء المحليين لانفاذ سلطته، وهو يسعى راهناً إلى إعادة توكيد سطوته على كل منطقة مُعارضة، إما بإغراء النخب المحلية بالعودة إلى حضن شبكاته، أو بسحق المناطق التي ترفض ذلك بالقوة العسكرية.
لم تكن الانتفاضة السورية والتمرد المسلّح الذي تلاها موحدتان قط في إطار حركة وطنية واحدة. إذ تحددت المعارضة منذ البداية بالهويات المحلية وانقسمت على أساسها. وقد عملت وحشية الحرب والطبيعة الفوضوية للمساعدات الخارجية على تجذير هذه الانقسامات المحلية، ماقوّض الجهود لخلق قيادة موحّدة.
فيما سعت معظم المجموعات المعارضة للأسد إلى الحلول مكان الهياكل الإدارية للنظام في المناطق التي سيطرت عليها، ركّزت القوات الكردية في سورية بدلاً من ذلك على رؤية لتقاسم السلطة على أساس أقل مركزية وأكثر استناداً إلى المعطيات الجغرافية، وسيطرت على مناطقها من دون محاولة الحلول مكان السلطات المركزية.

صفقة جديدة: اللامركزية

غيّرت سنوات الحرب الست الهياكل الإدارية للدولة السورية في المحافظات والمناطق، بشكل لم تعد فيه هذه الهياكل قابلة للإصلاح، وجعلت البلاد متمحورة أكثر حول المحلوّية أكثر من أي وقت مضى. وهذا غالباً ما مكَّن النخب المحليّة الجديدة ووفّر لها مساحات جديدة لممارسة صنع القرار وإنفاذ السياسة العامة.
كي يكون هناك إطار لامركزي فعّال في أي اتفاقية سلام، يتعيّن دمج كلٍ من مساحات صنع القرار وإنفاذ السياسات في المناطق التي تقع تحت إشراف الوسطاء الجدد في هذه الصفقة، وإضفاء الطابع الرسمي عليها (المساحات).
قد تساعد المجتمعات المحلية التي لها نفوذ على السياسات المحلية في تقليص حجم الفساد المُنبثق من دمشق. وهذا أمر ضروري لتجنُّب إحتمال أن تؤدي أموال إعادة الإعمار إلى تمكين الكوادر والنخب النهّابة المرتبطة بالنظام، والتي تُشبه تلك التي انتفض ضدها الناس في العام 2011.

مقدّمة

منذ أن استولى حزب البعث على السلطة في العام 1963، نشطت الحكومة المركزية السورية لاختراق المجتمع السوري، وحشد الدعم لها، وسحق المعارضة. وهي دشنّت توجّهها هذا بمحاولات تنظيم النخب المحلية تحت مظلة المنظمات البعثية، ثم اعتمدت لاحقاً على الهياكل الإدارية للدولة السورية لزرع ونشر شبكات المحسوبية وفرض سلطتها في طول البلاد وعرضها. مثل هذه الاستراتيجية، التي أُرسيت دعائمها وطُبِّقت في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، بدأت تتقوّض في عهد نجله بشار الأسد، بعد أن أسفرت الإصلاحات الاقتصادية عن ارتقاء طبقة نهّابة جديدة تابعة للنظام سُلّم السلطة، ما أسفر عن نسف العقد الاجتماعي القائم آنذاك.
كشفت انتفاضة 2011 عن مدى عمق السخط من إدارة دمشق للشؤون المحلية في البلاد، حين تحرّك المحتجون ضد الشبكات المحلية المرتبطة بالنظام. وبعدها مباشرة، لم تلبث أن أصبحت النخب المحلية التي عملت تقليدياً كوسيط للنظام (على غرار العائلات البارزة، والقادة الدينيين والقَبَلِيين، والتجار الأغنياء وآخرين) عاجزة عن توجيه السكان أو احتواء المعارضة.

حين تطوّرت الانتفاضة إلى نزاع مسلّح، سارع نظام الأسد إلى توسيع شبكات الوساطة المحلية، في محاولة للحفاظ على سلطته. وفي هذه الأثناء، برزت طبقة جديدة من وسطاء السلطات المحلية في العديد من المناطق عمدت إلى الانضمام إلى المعارضة، وخدمت في التوسّط بين مناطقها وبين المانحين الخارجيين الذين نشطوا لدعم المعارضة السورية. بيد أن الأخيرة كانت قد أشعلت فتيل الانتفاضة من دون أي قيادة مركزية، ما أدى إلى إفراز سلطة مُشتّتة ومحلّوية في المناطق التي خضعت إلى سيطرة مناوئي النظام. كما أدّت وحشية الحرب وعدم اتّساق الدعم الخارجي، إلى تقويض الجهود لتوحيد آلية السيطرة والقيادة في الانتفاضة.

بعد ست سنوات، يتحرّك النظام الآن باندفاع شديد لإعادة بسط سلطة دمشق السياسية على المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، من خلال مركزة تدفق الموارد على هذه المحليات انطلاقاً من العاصمة. كما يحاول النظام، بدعم روسي، إما استلحاق الوسطاء المحليين الحاليين أو خلق وسطاء جدد، واستيعاب كل هذه الوساطات في دائرة شبكاته، أو، في حال فشله في ذلك، سحق هذه المناطق المحلية عبر القوة العسكرية، كما حدث مع عمليات الحصار البربرية وماتلاها في أواخر العام 2016 من إعادة السيطرة على شرق مدينة حلب التي كانت تحت سيطرة المعارضة.

تشي هنا نظرة استشرافية إلى المستقبل القريب، أن أهم ديناميكيات القوة في سورية ستتمحور حول المعطيات الموجودة الآن بين السلطات المركزية في دمشق وبين مختلف مناطق البلاد، كما يتجلّى بوضوح في طبيعة الشبكات المحلية المكوّنة من أعضاء عائلات محترمة، ورجال أعمال أغنياء، وشخصيات دينية بارزة، وعناصر نافذة أخرى. والحال أن البحث عن تسوية للنزاع والوصول إلى سلام يُعتد به، يتطلبان التشديد مجدداً على هذه الشبكات المحلية، وهو أمر سيكون حاسماً لضمان نجاح أي ترتيبات سياسية مستقبلية، وأي خطط اقتصادية لإعادة البناء.

الأرجح أن تبقى سورية دولة مركزية، لكن مفاوضات السلام يجب أن تُركّز على ترتيب أسس السلطة الفيدرالية للحكومة المركزية السورية، التي تتحدد خطوطها الرئيسة في تمتُّع مختلف المناطق المحلية بسلطة صنع القرار المحلي.

دمشق والمناطق المحلية قبل 2011

منذ ظهور حزب البعث في سورية، انشغلت قيادته في كيفية اختراق المناطق المحلية في البلاد وربطها بالسلطة المركزية.1 المحلّة في سورية يمكن أن تُشير إلى منطقة مدينية أو قرية ريفية بعينها، بيد أنها تنطوي أيضاً على أهمية اجتماعية- سياسية أعمق بكثير من المفهوم الغربي لتعبير الحي أو الأحياء. إذ أن حدود هذه المناطق يَعيها بوضوح أولئك الذين يقطنون بين جنباتها، حيث يرتبطون بحس مشترك يتمحور حول هوية مُتجذّرة في مشاعر الحماية والرعاية، وأيضاً حيث تكون العائلات قادرة في الغالب على تقصّي مراحل تاريخها والعلاقات بينها منذ مئات السنوات.

حين استولى حزب البعث على السلطة في العام 1963، كان يدرك بدقة أن وجوده القوي في دمشق، يتناقض مع هامشية حضوره في أطراف البلاد. في ذلك الوقت، كانت طبقة من الأعيان التقليديين وملاك الأراضي يسيطرون على السياسات المحلية. وخلال الموجة الثانية من الإصلاحات العثمانية (التنظيمات) في نهاية القرن التاسع عشر، جرى استحداث مناصب إدارية للإشراف على المجتمعات المحلية في سورية. ومثل هذه المناصب بقيت واستمرت عبر العائلات خلال حقبة الانتداب الفرنسي من 1923 إلى 1946. وبالتالي، كانت إحدى أولويات حزب البعث الرئيسة هي استبدال هذه الطبقة من الأعيان المحليين بقيادة محلية جديدة موالية للنظام، بما قد يعزز السلطة السياسية في ثنايا مختلف المناطق ويحوّلها إلى هيكلية سلطة مركزية تعمل من دمشق.

خلال الستينيات، اتخذت المحاولات البعثية لاختراق المناطق المحلية مختلف الأشكال. فهي أوجدت منظمات جديدة في المناطق، كاتحادات الفلاحين، وعيّنت على رأسها كوادر شابة مثقّفة موالية للحزب وقادرة على تحدّي سلطة النخب المحلية التقليدية.3 لكن البُنى العائلية التي سيطرت على هذه المجتمعات المحلية طيلة قرن تقريباً بقيت متماسكة.

تنامت النخب المحلية الجديدة التي رعاها حزب البعث لتصبح هياكل سلطة موازية ومنافِسّة داخل المجتمعات المحلية، وإن هي خدمت النظام بوصفها همزة وصل قادرة على تنظيم وإدارة السيطرة. على سبيل المثال، حين زار المؤرخ حنا بطاطو قرية إبين سمعان في غرب حلب في العام 1985، لاحظ أن العائلات نفسها المالكة للأراضي في حقبة ماقبل حزب البعث، حافظت على نفوذها الاجتماعي وواصلت تحصيل نسبة من غلّة الفلاحين المحليين، وهذا على الرغم من الهيمنة السياسية للنظام.

عمل الرئيس حافظ الأسد، الذي حَكَمَ سورية بين 1970 و2000، على إدارة لعبة العداوة بين القادة المحليين القدماء والجدد، من خلال استيعاب كلا المجموعتين في الأطر الإدارية للدولة. ولهذا الغرض، باتت مختلف الأفرع والتعيينات (مثل المحافظين ورؤساء المجالس المحلية وقادة النواحي وغيرهم) أقنية بالغة الأهمية يستطيع من خلالها النظام استلحاق واحتواء النخب المحلية، عبر منحهم مناصب في الإدارات المحلية، لكن من دون إسناد أي صلاحيات يُعتد بها لهم في مجال صنع القرار.

وبذلك، أضحى الإداريون المحليون مفيدين للنظام كوسيلة لاحتواء المعارضة السياسية. وسبق للخبير الإقليمي فابريس بالانش Fabrice Balanche أن سلّط الأضواء على العلاقة بين انتشار هيئات الإدارة المحلية وبين الاضطرابات الاجتماعية. ففي العام 1983، أي بعد سنة واحدة من تمرّد جماعة الإخوان المسلمين، أصدرت دمشق قانون الإدارة المحلية6 الذي أوجد نظاماً لترتيب أوضاع الإدارات المحلية، ماضاعف عملياً سطوة النظام على المناطق، لأنه جعل الهيئات الإدارية المحلية (على غرار مجالس المحافظة والمجالس المحلية) هي المسؤولة عن تنظيم أعضاء النخب المحلية كموظفين أو وسطاء يعملون بين دمشق وبين المناطق المحلية.

في موازاة هذا التطور في الإدارة المحلية، عمد الرئيس حافظ الاسد إلى توسيع حزب البعث على نحو كبير، وحشد فئات اجتماعية مختلفة تحت مظلته، ماساعد على استيعاب النخب المحلية ووسطاء السلطة في أجهزة النظام. لكن، بقيت فوارق مهمة بين تلك النخب التي تمثّلت بوكلاء وممثلي النظام المباشرين (الذين كانوا في العديد من الحالات عناصر في أجهزة المخابرات)، وبين أولئك الذين كانوا مجرد وسطاء بين النظام وبين المجتمع المحلي ولم يكونوا بالضرورة معادين للنظام لكنهم لم يكونوا أيضاً جزءاً منه مباشرة.

بقيت سلطة صنع القرار في المجالات السياسية والأمنية والقضائية والموازنة مُمركزة في دمشق، لكن السلطات المركزية وزّعت مسؤولية تنفيذ القرارات على المناطق المحلية من خلال شبكات النظام، والوسطاء المحليين، والأجهزة الأمنية، التي عملت بشكل موازٍ للإدارة الرسمية المحلية.
الوساطات المحلية وشبكات النظام

كان الوسطاء المحليون قبل اندلاع الانتفاضة السورية في العام 2011 أعضاء بارزين على وجه خاص في محلاّتهم، سواء جاؤوا من عائلات قوية، وقبائل، وشخصيات دينية، أو رجال أعمال. وقد عمل هؤلاء، على الرغم من أنهم افتقدوا إلى سلطة صنع القرار بشكل مستقل حيال شوؤن محلتهم، كوسطاء غير رسميين، بوصفهم نقاط اتصال ومداخل للمحليات إلى عملية صنع القرار المُمركزة في النظام، وإلى هيكلية السلطة، وكذلك كأداة يستطيع عبرها قادة النظام في دمشق أن يمارسوا السلطة في هذه المحلاّت. كان يمكن توظيف هؤلاء الوسطاء إما من القطاعين العام أو الخاص، والعامل الحاسم هنا هو أنهم كانوا أعضاء مُحترمين في مجتمعهم المحلي ويتمتعون بقدر من الأهمية في مناطقهم.

استقى الممثلون الرسميون للنظام، أو أعضاء شبكات النظام، شرعيتهم من النظام في دمشق، الذي منحهم صلاحيات صنع القرار داخل مناطقهم المحلية. وهؤلاء أيضاً يمكن أن يأتوا من محلّة يعملون أو يقطنون فيها. لكن، في حين أن الوسطاء يسعون عموماً إلى ترقية مصالح محلتهم وتحسين رنين سمعتهم بين ناسها، عمل ممثلو النظام كزبائن للنظام في مناطقهم، وغالباً ما منحوا الأولوية لمنافعهم الخاصة وليس لسمعتهم. وهكذا، وفي هذا الكوكتيل من الأقنية الرسمية وغير الرسمية، حافظ النظام في دمشق على سيطرته على السكان.

من المهم هنا الإشارة إلى أنه على الرغم من أن أعضاء الطائفة العلوية هيمنوا على نظام الأسد، إلا أن مقاربة هذا الأخير تركّزت على الديناميكيات الاجتماعية- السياسية لكل محلّة، لا على الانتماء الطائفي لسكانها. وهذا ماكشفت عنه بجلاء الاشتباكات بين مواطنين أعضاء في الطائفتين العلوية والاسماعيلية في بلدة القدموس الساحلية في صيف 2005. فقد تدخّل الأعيان الإسماعيليون- من معلّمين ومهنيين مثقفين ورؤساء العائلات الكبيرة- لحل النزاع، واقترح بعضهم الاتصال بالرئيس الروحي للاسماعيليين الذي يعيش خارج سورية، الأغا خان. لكن رأي الذين فضّلوا التواصل مع جيرانهم العلويين لإيجاد تسوية على المستوى المحلي، هو الذي ساد في خاتمة المطاف. النظام، من جهته، أراد حل النزاع، لكنه أصرّ أيضاً على أن تُعقد الاجتماعات بين الطائفتين بإشراف الدولة. وهو عمد إلى نزع فتيل العامل الطائفي من خلال نشر جنود الفرقة الرابعة في الجيش الذين كانوا في معظمهم من السنّة من شرق سورية.8 في هذه الحادثة بالتحديد، حين رفض بعض الموفدين الاسماعيليين الاجتماع في مكاتب الحكومة، حصل أولئك الذين وافقوا على ذلك على وضعية جديدة كوسطاء محليين للنظام.

حين تسنّم بشار الأسد السلطة في العام 2000، لم تتغيّر على نحو جذري أساليب النظام لإدارة السياسة المحلية. بيد أن برنامج بشار الخاص باصلاحات التحرير الاقتصادي أثّرت تأثيراً عميقاً على قدرة النظام على إدارة السكان. ففي غضون السنوات الأربع الأولى من حكمه، باشر بشار الأسد تطبيق سلسلة من الإصلاحات التي تستهدف ظاهرياً فتح الاقتصاد السوري. وهكذا، جرى تأسيس عشرات المؤسسات التي نشطت في الحقول العقارية والتكنولوجية وغيرها. تمركزت هذه الشركات إلى حد كبير في دمشق ومدن أخرى، وهي بدل أن تُعزّز النشاطات الاقتصادية العامة في كل سورية، بدأ أغنياء البلاد يدورون في فلك مصالحم الخاصة. علاوةً على ذلك، أضافت الشبكات المحلية المُرتبطة بالنظام أقساماً متنامية إلى مجتمع رجال الأعمال، هذا في حين أن شبكات النظام في عهد حافظ الأسد كانت تنخرط أساساً في العمل السياسي وتحاول إيجاد قدر من التعاون مع المناطق المحلية. أما في عهد بشار الأسد، فقد أضحت السلالات الجديدة من ممثلي النظام أكثر تمحوراً حول حصد الأرباح والمنافع، وعامل معظمهم المناطق المحلية وكأنها مشاريع اقتصادية يجب استغلالها، ما أسفر عملياً عن ولادة نخبة نهّابة جديدة.

وكما لاحظ بالتفصيل عالم الاجتماع السوري محمد جمال باروت، بدأت الشبكة الجديدة من رجال الأعمال في سورية بشراء الإراضي بوتائر متسارعة وبأسعار مُخفّضة على نحو مصطنع.9 على سبيل المثال، وجد باروت في مناطق داريا والمعضمية حول دمشق أن 70 في المئة من مساحات الأراضي المتوافرة استُملكت لما فيه مصلحة رجال أعمال مرتبطين بالنظام. ونتيجةً لذلك، بدأ في عهد بشار الأسد يتقوّض العقد الاجتماعي وتوازن السلطة بين دمشق والمناطق المحليّة، اللذين رعاهما حافظ الأسد لعقود طويلة. وهذا التطور ازداد سوءاً على سوء مع اندلاع الحرب.
انتفاضة 2011

لم تكن الانتفاضة السورية وماتلاها من تمرّد ضد النظام الحاكم البتة حركة وطنية موحّدة. ففي حين بُذلت محاولات عدة لتشكيل مظلة تنظيمية توحّد مختلف المناطق والفئات التي انضمت إلى صفوف المعارضة (على غرار تنظيم المظاهرات الفورية في كل البلاد يوم الجمعة، وماتلاها من تأسيس الجيش السوري الحر)، إلا أن أياً من هذه الجهود لما تنجح في إيجاد جبهة موحّدة قابلة للحياة. بدلاً من ذلك، تحددت المعارضة السورية وانقسمت وفق خطوط مختلف المناطق المحلية. مثلاً، انضمت المعضمية وبرزة إلى المعارضة وتشكّلت جماعات مسلّحة في كلٍّ منهما. وفي العام 2013، توجّهت إحدى المجموعات المسلّحة من برزة إلى المعضمية وحاربت إلى جانب المقاتلين المحليين هناك لأكثر من سنة. وعلى رغم أن هؤلاء تشاطروا الانتماء إلى خلفية سنّية واحدة، إلا أن مواطني المعضمية واصلوا الإشارة إلى مقاتلي برزة على أنهم “غربتلية” (غرباء).

في نيسان/أبريل 2011، وبعد أن اندلعت الاحتجاجات في أطراف المدن والبلدات الريفية في طول البلاد وعرضها، بدأ النظام باستدعاء وفود من مختلف المناطق لمحاولة التفاوض حول وضع حد للمظاهرات في كل حالة على حدة. كان النظام لايزال يعمل وفق القواعد القديمة التي لم تعد تنطبق على السياقات الجديدة. وفيما كان العديد من المناطق المحلية المعارضة قد شكلّت حينذاك لجانها الشعبية الخاصة لتمثيل هذه النواحي، كان الأسد يستقبل الوفود ولايقبل الاجتماع سوى بالوسطاء المحليين الذين بقوا موالين للنظام.11 في السابق، كانت الدعوة إلى الاجتماع بالرئيس شرفاً تختص به نخبة المجتمع ويكون قصراً عليها. وقد قدّم الأسد، إضافةً إلى هذه اللفتة، تنازلات أخرى مثل إطلاق سراح سجناء في مختلف المناطق.

لكن، على المستوى المحلي، كان وسطاء النظام الذين سُمِحَ لهم بحضور الاجتماعات، يُمثلون ترتيبات السيطرة المركزية نفسها التي تظاهر المحتجون ضدها، وبالتالي لم يعد لهؤلاء الممثلين النفوذ الذي تمتعوا به في السابق على مناطقهم. إضافةً إلى ذلك، أسفرت وحشية العنف وتكتيكات الحصار التي نفّذها النظام ضد المناطق المُتمردة وما تلا ذلك من عسكرة المعارضة، عن تعميق الانقسامات والتنافس بين المناطق المعارضة، ما عزَّز الطبيعة المحلّويّة للنزاع.

مع ذلك، لم يكن انتماء كل محلّة إلى هذا الجانب في الصراع واضح المعالم تماما. يتجلّى هذا الغموض في مدينة الضمير في منطقة القلمون. فخلال حقبة الثمانينيات، جرى بناء منازل لضباط الجيش حول الضمير ولكن ليس في داخلها. لكن التوتر تصاعد مع تطور الانتفاضة طيلة العام 2011، حيث دعم السكان الأصليون عموماً المعارضة وزوّدوا الجيش الحر بمقاتلين، هذا في حين اعتُبرت عائلات الضباط أعضاء في أجهزة الدولة. وبعدها، بدأ السكان في الضمير يُميّزون أنفسهم من خلال ذلك الجزء من المدينة الذي جاؤوا منه: ضمير المساكن (للجيش) وضمير البلد (داخل البلدة). وفي مرحلة ما في العام 2011، أصبح لكلا الجزئين في دمشق خدمات باصات عامة منفصلة كلياً. وعلى الرغم من ذلك، حافظت تلك المجتمعات المحلية على الروابط الاقتصادية الأساسية، وتقاسمت الاهتمام في عزل الضمير عن وتائر الحرب المتصاعدة. كما نسّق الوجهاء المحليون وضباط الجيش جهودهما لضمان استمرار السلم في المدينة.

المحليّات بعد الانتفاضة

تشكّلت وتأثرت الديناميكيات المعقّدة في المناطق المحلية بالقوى الفاعلة الرئيسة في النزاع السوري. كان نظام الأسد قد وسّع إلى حد كبير نطاق شبكات الوساطة في المناطق التي حافظ على سيطرته فيها، حتى وإن تمَّ تعديل وظائف هذه الهيئات الوساطية كي تتلاءم مع الحقائق الجديدة للنزاع. أما في المناطق التي خسر النظام سيطرته عليها، فهو انتهج غالباً استراتيجية تقوم إما على محاولة استتباع كادر جديد من النخب المحلية إلى صفوف النظام، أو السعي إلى سحق المحلّة المعنية بالقوة العسكرية. من جهتها، سعت القوات الكردية إلى بناء شبكة من الوسطاء الخاصين بها وهياكل حوكمة جديدة في المناطق ذات الغالبية العربية التي سيطرت عليها. أما المعارضة عموماً فهي دخلت النزاع من دون سلطة مركزية، ولم تكن قادرة قط على بناء مركز فعّال، أساساً بسبب التنافسات والنزاعات بين المناطق المحلية المعارضة حول المداخل إلى الموارد الخارجية والأموال. وهذا ترك الكثير من هذه المناطق معلّقة في الهواء.
حماه: مدينة تحت السيطرة الدائمة للنظام

تضم حماه سكاناً سنّة من ذوي وتيرة مدينية عالية وتاريخاً مديداً من الصراع مع نظام الأسد. ففي العام 1982، أدّت حملة قمع عنيفة شنّها النظام ضد انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين إلى فرض حصار عسكري على المدينة ومصرع نحو 20 ألف شخص، معظمهم من المدنيين.13 وفي العام 2011، اندلعت بعض أضخم المظاهرات ضد النظام في هذه المدينة. وفيما كانت كل المناطق في سورية تشهد مظاهر احتجاج وتعاني قمعاً من النظام، نُحِّيَتْ حماه عن هذا النوع المتطرف من العنف الذي خُصِّصَ لمناطق محلية أكثر ريفية. والواقع أن النظام بدأ بزيادة الخدمات العامة في المدينة عقب نشوب الاحتجاجات، فافتتح مثلاً جامعة جديدة.14 وبينما كانت مناطق أخرى من البلاد تنحدر إلى التمرّد المسلّح، لم يحدث شيء من هذا القبيل في حماه، ولم تتشكّل فيها جماعات معارضة مسلحة. وهكذا، بقيت حماه تحت سيطرة النظام طيلة فترة النزاع.

على الرغم من أن شكل علاقة النظام بآليات الوساطة المحلية لم تتغيّر إلا قليلاً، بيد أن جوهر هذه العلاقة شهد تحوّلات جذرية. قبل الانتفاضة كان من السهل نسبياً للنظام أن يحتوي ويسيطر على السياسات المحلية، من خلال استخدام وسطاء في المسائل المتعلقة بالأمن والسياسات والخدمات العامة والتجارة والاقتصاد المحلي. وبعد الانتفاضة، وسّع النظام على نحو كبير عدد الوسطاء المحليين لمساعدته على التصدي إلى الديناميكيات المتغيرّة بسرعة للنزاع، والتي تأتي في طليعتها (من بين أشياء عدة أخرى) حاجات مئات آلاف النازحين الذين تدفقوا على المدينة بحثاً عن ملاذ، والرّشى التي تعيّن على الشركات دفعها لتمرير سلعهم عبر نقاط التفتيش المُحيطة بحماه.

البنية الاجتماعية في حماه تمحورت تاريخياً حول عشرات العائلات التجارية الكبيرة، تضمنت كلها شخصيات دينية بازرة ومهنيين متعلمين. كانت هذه العائلات قبل الانتفاضة نقاط الاتصال الرئيسة للنظام للولوج إلى المجتمعات المحلية بسبب أهميتها. وفي الوقت نفسه، ساعدت هذه العملية العائلات على الحفاظ على رأسمالها الاجتماعي في مناطقها، وسهّلت خدمة مصالحها الاقتصادية. وحين عزل النزاع المدينة عن باقي أنحاء البلاد، أصبحت هذه العائلات أكثر أهمية لتوفير الدعم للسكان المحليين، عبر مساعدة الجمعيات الخيرية المحلية وتوفير خدمات أخرى. وقد بقي تركيز هذه العائلات محلياً إلى حد كبير خاصة في حماه، وكذا الأمر في مجال زيادة تعاونها مع ممثلي النظام المحليين.

إحدى هذه العائلات، التي يعود تاريخها إلى أجيال عديدة، تتضمّن الآن سبعة أشقاء معظمهم رجال أعمال وأصحاب مصانع، وواحد منهم شيخ دين مسلم سنّي. هذه العائلة لها عبر أعمالها علاقات جيدة مع شخصيات النظام المحلية، كما حافظت على روابط مع شبكات المعارضة من خلال الشيخ، كما تعمل بدأب مع الجمعيات الخيرية لدعم النازحين داخلياً منذ بداية الانتفاضة.15 كل هذا سمح للعائلة بالاستمرار كوسيط مهم، فيما هي لم تكن لاجزءاً مباشراً من جهاز النظام، ولا طرفاً في المعارضة. وهذا ضمن بدوره أن يكون بمستطاع العائلة الحفاظ على وضعيتها الاجتماعية وترقيتها، في الوقت نفسه الذي تحمي فيه مصالحها.

الآن، إذا ما وضعنا بعين الاعتبار الشرعية المحلية لهذه البنى الاجتماعية، فإن أي إطار لامركزي فعّال لسورية يجب أن يعطي هذه الأخيرة، كما تجسّدها هذه العائلة، سلطة رسمية في مجالات صنع القرار وتنفيذ السياسات التي باتت حقيقةً، بفعل تطور النزاع، تحت سيطرتها. كما يمكن أيضاً لمثل هذا الإطار أن يساعد على تقليص الفساد المُنبعث من السلطات المركزية في دمشق، وعلى منح المجتمعات المحلية نفوذاً أكبر على السياسات في مناطقها.
التل: علاقات النظام مع محلّة معارضة

كان للتل أيضاً، وهي مدينة على أطراف العاصمة، تاريخ طويل من التوترات مع النظام حتى قبل 2011. فقد انضم أعضاء من العائلات البارزة فيها إلى جماعة الإخوان المسلمين خلال اضطرابات الثمانينيات ولاحقاً سُجِنوا، وصادر الجيش السوري مساحات كبيرة من الأراضي في المدينة، ووضع النظام على الرف كل الخطط العتيدة للتنمية المدنية والتخطيط العمراني في التل. في التسعينيات، شهدت المؤسسات المحلية الرسمية دفقاً من عناصر أجهزة أمن النظام، مافاقم مشاعر الاضطهاد في صفوف السكان المحليين. وحين اندلعت الاحتجاجات في التل العام 2011، توزّع المتظاهرون على فئتين: الأولى تطالب باستعادة الأراضي التي صادرها الجيش خلال انتفاضة الإخوان المسلمين وتدعو إلى صفقة جديدة بين المدينة ودمشق. والثانية كانت بقيادة مهنيين متعلمين وتطالب بتغيير نظام الحكم بقضّه وقضيضه.16 ومنذ أواسط 2012، سيطرت مجموعات مسلّحة معارضة على التل، وبدأ المدنيون بتشكيل هيئات إدارة مدنية لتلبية احتياجات المحلّة.

في أواسط 2012، استحدث النظام ما أُطلق عليه اسم وزارة المصالحة الوطنية في دمشق، وعيّن عميداً من الحرس الجمهوري على رأس هيئة عمليات الوزارة في مدينة التل.17 سعى هذا العميد وفريقه إلى العمل مع شبكات الوساطات المحلية السابقة، وتشكيل شبكات جديدة بين العائلات البارزة والتكنوقراط وصغار التجار والقادة الدينيين، حتى حين كانت المعارك مُستعرة بين جماعات المعارضة المسلحة في التل وبين الجيش السوري خارجها. ومع الوقت، وإدراكاً من بعض السكان للحاجة إلى التواصل مع النظام، تشكّلت في التل لجنة مصالحة ضمّت في غالبيتها تكنوقزاط إلى جانب أعضاء عائلات من الوسطاء السابقين للنظام في المحلّة.

بدأ الجيش وحلفاؤه، بمن فيهم الروس، بفرض حصار قاسٍ على التل دام حتى منتصف 2014، ما تسبّب بمعاناة كبيرة للسكان المدنيين، وضغوطاً على الجماعات المسلحة في المحلّة. وفي شباط/فبراير 2016، شكّل الروس مركزهم الخاص للمصالحة في مدينة جبلة الساحلية بقيادة جنرال روسي وفريقه.19 وفي أعقاب حملة القصف المكثّف والحصار على التل، اتّصل مجلس مصالحة محلي بضابط من مركز المصالحة الروسي، وهذا أطلق سلسلة متقطعة من المفاوضات بين المتمردين المسلحين وبين النظام. عملت لجنة المصالحة كوسيط أساسي بين الطرفين، فيما ضمن الروس أن يمتنع النظام السوري عن قصف المحلّة، طالما كانت المفاوضات جارية. حين كانت المحادثات تنهار، يُستأنف القصف ولايتوقف إلا بعد معاودة التفاوض. والحصيلة أنه تم في نهاية 2016 التوصّل إلى اتفاق، تضع بموجبه قوات النظام حداً للحصار، في مقابل مغادرة المجموعات المسلحة المدينة إلى إدلب.

بعدها، اختارت العائلات في التل ولجنة المصالحة وهيئات محلية أخرى 200 شخص محلي قاموا )بعد أن دقّق النظام بهوياتهم) بتشكيل “لجنة حماية مدينة التل”. ومن جهتها، عمدت أجهزة الأمن إلى وضع عملية دُعيت “تسوية الأوضاع”، وقدّمت إلى لجنة حماية مدينة التل لائحة بأسماء 1000 شخص انخرطوا، بدرجات متفاوتة، في المعارضة. وحينها، رتّبت اللجنة مقابلات أجراها عناصر أجهزة الأمن مع هؤلاء في كلية العلوم السياسية التابعة لجامعة دمشق، التي يقع مبناها بين التل ودمشق. وبعد هذه المقابلات، أرسلت أجهزة الأمن مجدداً لائحة أسماء إلى لجنة حماية التل، تُحدد من سيُسمح له بالبقاء ومن يجب أن يغادر إلى إدلب (كما فعل مقاتلو المعارضة). وقد أُجبر 62 شخصاً على المغادرة.

طيلة هذه العملية، كان النظام قد فكّك شبكات المعارضة والمؤسسات التي أقيمت داخل التل بعد 2011، وعزّز نوعاً جديداً من العلاقات الأمنية بين دمشق والتل، باتت بموجبها المحلّة مسؤولة عن الحفاظ على أمنها. أنهى النظام كل الدعم الخارجي المُستقل للتل، وباتت المدينة معتمدة ثانية على دمشق لتوفير الخدمات مثل الكهرباء والرعاية الصحية، وكذلك الوثائق الرسمية. وكما قال أحد السكان: “بدا وكأن الثورة لم تحدث أبداً، لأننا عدنا إلى التفاوض مع النظام كما من قبل”.22 وعلى الرغم من استمرار وجود بعض القوى المستقلة في التل، إلا أن عملية المصالحة في المدينة هي مثال رئيس لوسائل النظام حين يحاول إعادة تثبيت نفسه في المحلاَّت. ويرجّح أن تُستنسخ هذه العملية في مختلف المناطق عبر سورية في المستقبل القريب، على رغم كونها نموذجاً إشكالياً من نماذج اللامركزية. إذ حين تجري لامركزة سياسات الأمن المحلي، فيما يتم الاحتفاظ بالمركزية في مجالات توزيع موارد الدولة، والمساعدات، وأموال التنمية، ستخلق مثل هذه السياسات على المدى الطويل احتكاكات في المحلاَّت قد تؤدي إلى نزاع مستقبلا.

المحليات تحت سيطرة المعارضة

على عكس النظام، لم تنخرط المعارضة في النزاع وهي مدرّعة بهيكلية مركزية قوية لتوجيه الانتفاضة. ومثل هذا القصور عنى أن كل محلّة معارضة حازت سريعاً على مركز سلطة خاصة بها، ووضعت قيد العمل نموذجاً مختلفاً من الحوكمة، وأقامت علاقات مُغايرة بين المجموعات المسلحة والسلطات المدنية. وقد أسفر ذلك عن مستويات متباينة من النجاح. ولاحقاً، تسبّب كلٌ من العنف الوحشي للنظام والطبيعة الفوضوية للدعم الأجنبي للمعارضة بمفاقمة عزلة المحليات وتنازعها مع باقي المناطق، ما أدى بدوره إلى تقويض المحاولات لتشكيل جبهة معارضة مُوحّدة.

نظّمت شخصيات المعارضة مجالس محلية تحت يافطة الثورة السورية في المناطق التي خسر النظام السيطرة عليها. وباتت العائلات المحلية البارزة مُنخرطة في هذه المجالس للمساعدة على إدارة الموارد في المحلاَّت. بعد العام 2015 أضحى انخراط العائلات أكثر بروزاً مع انتشار مجالس الشورى في أنحاء شمال سورية، حيث ساعدت على تزويد هذه المجالس بعناصر المكاتب التنفيذية، وعلى إدارة شؤون المدن.23 لكن، وعلى الرغم من الأهمية المحلية لهذه المجالس، إلا أنها كانت غير قادرة على ترسيخ نفسها في ظل إطار يُدار مركزيا. من الناحية الشكلية، كانت المعارضة السورية الرسمية، التي مثّلها في مراحل مختلفة المجلس الوطني السوري والتحالف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، تنطق باسم المناطق التي تُسيطر عليها في سورية أمام المحافل الدولية، بيد أنها لم تتمكّن في الممارسة من الحفاظ على سلطة فعالة لاتخاذ القرار في هذه المناطق. بُذلت محاولات أحياناً لإقامة نظام سلطة في مناطق المعارضة يوازي الهياكل الإدارية للدولة السورية، كما خُطِّطَ لأن تكون مجالس المحافظات محوراً بين السلطة المركزية وبين الوسطاء في مختلف النواحي.24

لكن عوامل عدة أدّت إلى تقويض الجهود لتأسيس قيادة مركزية موحّدة للمعارضة، أحدها قصور القيادة المركزية ومجالس المحافظات في توفير الأموال والمساعدات على نحو فعّال للمحليات الواقعة في نطاق صلاحياتها، الأمر الذي فاقم عدم الثقة بالقيادة المركزية. وثمة عامل آخر هو أن المحلاَّت شكّلت الوسطاء الخاصين بها مع العالم الخارجي، وبالتالي أمّنت على نحو مستقل المساعدات والأموال من مروحة من المانحين الدوليين. وهذا خلق تنافساً بين المحليات على مداخل الموارد، ما عزّز تشظي العمل السياسي وقوّض أهمية ونفوذ قيادة المعارضة على المستويات المحلية.

اجتذب النزاع السوري تدفقات هائلة من الموارد إلى مناطق المعارضة على شكل أسلحة، ومواد غذائية وطبية، ومعدات، وأموال، وغيرها الكثير. كان الانطباع العام السائد بين المانحين الدوليين، خاصة المنظمات التي تقع مقراتها في الغرب، أن دعم المجموعات المحلية على الأرض قد يمكّنها من تحدي السلطة المركزية في دمشق. لكن الأمر الذي لم يُدركه المانحون هو صلابة أطر الهوية المحليّة في هذه المناطق، التي جذّرتها عقود من سياسات نظام الأسد. ولذا فهم كانوا غير قادرين على استشراف مدى صعوبة اندماج هذه المجتمعات المحلية. علاوة على ذلك، أدّت حملات القصف التي قام بها النظام والمتمردون الجهاديون، وانعدام التنسيق بين المانحين الدوليين وصنّاع السياسة، والطبيعة قصيرة الأمد للمساعدات، إلى محصلات غاية في عدم الاتساق، ولم تحقق سوى حفنة قليلة من النتائج المُستدامة، في الوقت الذي فاقمت فيه التنافس بين المحليات.25

إضافةً إلى كل ذلك، عنى أيضاً عجز العناصر المُنتدبة من المانحين الدوليين عن العمل على الأرض في سورية، أن هؤلاء باتوا معتمدين بالكامل على وسطائهم المحليين لتقديم الدعم. وبالتالي، أسفرت القدرة على تقديم المداخل إلى المساعدات الخارجية وإعادة توجيهها، عن تحويل هؤلاء الوسطاء إلى طبقة جديدة من النخب في العديد من المناطق، وغالباً ما خلقت أثلاماً وشروخاً داخل القيادات المحلية حين اندفعت هذه النخب الجديدة إلى سياقات التنافس على النفوذ والسلطة. ولذا، بدل أن تؤدي المساعدات الخارجية إلى تمكين المحلاَّت من تحدي دمشق، ساعدت غالباً على خلق فجوات في صفوف المعارضة، وهو أمر استغله النظام حتى الثمالة. وقد ركّزت كلٌ من وزارة المصالحة الوطنية والجيش السوري وأجهزة الأمن على هذه الشبكات المحلية على وجه الخصوص في المناطق غير الخاضعة إلى النظام، بهدف استلحاقها في الشبكة المركزية للنظام. وإذا مارفضت، كان السحق بالقوة العسكرية هو الرد.

تُوضح بلدتا الدانا وسرمدا في محافظة إدلب قرب معبر باب الهوى على الحدود التركية، كيف غيّرت الحرب مجرى التجارة التقليدية وتوزيع الشبكات داخل سورية، وكيف أنها، جنباً إلى جنب مع التدفق المفاجىء للمساعدات الخارجية، قلبت موازين القوى عبر المنطقة.26 فقبل نهاية 2014، قطعت الحرب العديد من طرق الإمداد الراسخة من الجنوب إلى شمال سورية. وحينها أصبحت الدانا وسرمدا محاور طرق تجارية جديدة من تركيا إلى محافظة إدلب في شمال سورية. هذا بدوره دفع المنظمات غير الحكومية السورية ومختلف المنظمات غير الحكومية الدولية إلى إقامة مكاتبها وإدارة عملياتها انطلاقاً من هاتين البلدتين. وفي محاولة منها لتوسيع نطاق شبكاتها ونفوذها الاقتصادي في كل أنحاء المحليات في إدلب، بدأت منظمة النصرة المُتفرعة من تنظيم القاعدة بالتغلغل في المجالس المحلية للدانا وسرمدا، الأمر الذي دفع العديد من المانحين إلى وقف تمويلهم للمجالس. وفي هذه الأثناء، أثار الغنى المفاجىء لهاتين البلدتين التنافس والسخط والعداوة مع مناطق محلية أخرى في إدلب. وفي نهاية العام 2015، باشر سلاح الجو الروسي حملة غارات جوية على هاتين البلدتين ووضع حداً لدورهما كمراكز للتجارة والمنظمات غير الحكومية السورية والمنظمات غير الحكومية الدولية.

لكن، حتى حين تم سحق مختلف المحلاَّت المعارضة، إلا أن هوية وهياكل كل محلّة بقيت غالباً نشطة وحيّة بين النازحين. على سبيل المثال، حين سقطت بلدة القصير في يد قوات النظام ومقاتلي حزب الله العام 2013، فرّ العديد من السكان عبر الحدود إلى لبنان برفقة أعضاء من المجلس المحلي المؤيد للمعارضة. وبعد الاستقرار في المنطقة نفسها مع النازحين، تقدّم هؤلاء الأعضاء الصفوف لتأمين المساعدات. وبالمثل، حين انتزعت وحدات حماية الشعب الكردية تل رفعت من أيدي المعارضة العام 2016، انتقل النازحون مع مجلسهم المحلي إلى أعزاز حيث استقروا بمعزل عن المجتمع المحلي الأكبر في هذه البلدة. وقد واصل المانحون الأجانب، الذين كانوا يساعدون المجتمع في تل رفعت ضخ المساعدات من خلال الوسطاء النازحين والمجلس المحلي لصالح المُهجّرين.

كانت حصيلة كل هذه التطورات وقوع المعارضة حالياً في مأزق خطير. فكل الهياكل التي أقامتها في سورية كانت رد فعل على أحداث متلاهثة على الأرض، وبالتالي كانت من طبيعة مؤقتة. باختصار، كانت المعارضة دوماً في حالة رد الفعل ولم تُطوّر أبداً استراتيجية نشطة حقا. وفي هذه الأثناء، أضحت هياكل السلطة المحلية أكثر تجذرا. بالطبع، لو استطاعت المعارضة تمكين مراكز سلطة المناطق، لاتُهمت بالعمل للتقسيم. لكن الواقع أن البنية شديدة المركزية في البلاد لم تعد مُمكنة بسبب حدة الانقسامات المحلية.

الاستثناء الكردي

في حزيران/يونيو 2015، طردت حملة عسكرية شنتها قوات سورية الديمقراطية- وهي وحدات يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة في سورية- مقاتلي الدولة الإسلامية من بلدة تل أبيض الشمالية. وتلا ذلك استيلاء القوات الكردية على بلدة منبج في آب/أغسطس 2016 من أيدي الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتياً.

بعد هذا الانجاز، طبّقت قوات سورية الديمقراطية نموذجاً لهيكلية دُولتية إدارية شكّلت قطيعة مع نموذج الدولة الراهن، تكوّنت من 14 محافظة. كما أوجدت ما أُطلق عليه النظام الفدرالي لشمال سورية، الذي ضم مناطق من محافظات حلب والرقة والحسكة دُمِجَت في كيان واحد، وشكّلت داخلها مجالس الأعيان.

تحدّثت شخصية من الكادر العسكري لحزب العمال الكردستاني الذي أسّس مجلس الأعيان عن هذه التجربة في مقابلة خاصة،29 قال إنه زار تل أبيض بعد أن طردت القوات الكردية تنظيم الدولة الإسلامية منها، واجتمع مع سبعة أعضاء بارزين من المجتمع المحلي هناك. طلب منهم التواصل مع السكان في شبكتهم، وبعدها سرعان ما نما المجلس ليضم 80 عضوا. ثم قام هذا المجلس بمساعدة الوسيط على إطلاق 700 شخص، من أصل 1000، كانوا اعتقلوا خلال الغارات التي استهدفت القبض على مقاتلي الدولة الإسلامية، حيث كان بمقدور أعضاء المجلس تقديم ضماناتهم الشخصية حول من أُطلق سراحهم لأنهم يعرفون السكان المحليين.

عمل أعضاء المجلس هؤلاء كوسطاء بين كوادر حزب العمال الكردستاني وبين السكان المحليين. وتمثلّت كفاءتهم الأساسية في أنهم من المحلّة وعلى علاقة جيدة مع السكان، وغير مرتبطين بأي مجموعة سياسية أو عسكرية. بيد أن أعضاء المجلس لم يحوزوا على سلطة أو قوة مباشرة.

في منبج، شكّلت وحدات الأمن الكردية لجنة أمنية تتكوّن من أعيان محليين، والشرطة، وكوادر مرتبطة بالأكراد.30 كان دور هذه اللجنة التدقيق في توجهات السكان المحليين، حيث طُلِبَ من الأعيان المحليين ضمان مواطنيهم من سكان المحلّة. مثلاً، سمحت القوات الكردية في منطقة سلوك قرب تل أبيض للسكان الذين نزحوا سابقاً بسبب النزاع بالعودة إلى منازلهم بضمانة الأعيان المحليين.31 وهكذا، أصبحت هذه اللجنة أهم وسيط، وتسنّمت دور الرقابة الاجتماعية في مجتمعها المحلي.

تجدر الملاحظة هنا أن هذه الترتيبات لاترقى إلى مرتبة تقاسم السلطة مع المجتمعات المحلية، لأن السلطة الحقيقية والرقابة على الموارد (في مجالات المداخل إلى الخدمات وتوفير الوقود وإدارة المخابز والسيطرة على إدارة الأمن) في هذه البلدات العربية أساساً بقيت في يد القوات الكردية.

ماذا بعد؟

تفترض غالباً نقاشات السياسة العامة حيال سورية في المحافل الدبلوماسية الدولية بأن شكلاً من أشكال اللامركزية سيكون ضرورياً في سورية لأي نجاح على المدى الطويل للتسوية السلمية. وتشير اللامركزية، كما تُتداول في أوساط الخبراء والمسؤولين، إلى علاقات القوة بين السلطات في دمشق وبين المحافظات، مثل إدلب أو حماه أو حمص. لكن في سياق هذا المعنى، تُعتبر سورية لامركزية الآن وفق القانون 107 الصادر في العام 2011.32 فالعلاقات الأهم كانت، وستبقى، تلك القائمة بين السلطات المركزية وبين المحليات، كما هو واضح في الشبكات المحلية لأعيان العائلات، ورجال الأعمال، والشخصيات الدينية وغيرهم.

ثم أن سورية كانت على أرض الواقع تاريخياً بمثابة عملية مساومات متّصلة وسباق على السلطة بين النظام وبين هذه المجموعات التي تمتعت بقدر من الاستقلال والحكم الذاتي. وفي السعي إلى العثور على مفاتيح لحل النزاع الحالي وبسط سلام يُعتد به في سورية، يتعيّن أن يكون ثمة تركيز جديد على هذه الشبكات المحلية، لأنها ستكون محورية لضمان نجاح أي ترتيب سلمي مستقبلي، وللخطط الاقتصادية لإعادة البناء.

والحال أن الوضع السياسي السورية تعقّد إلى حد كبير بسبب انهيار الحدود والهياكل الإدارية للدولة في خضم الحرب، خصوصاً في شمال وشرق سورية. مثلاً، لم تعد حلب تعمل كمحافظة واحدة، بل جرى الاستيلاء على أشطار كبيرة منها ضُمَّت إلى مشاريع سياسية منفصلة على يد الميليشيات الكردية، والنظام، والدولة الإسلامية، ومجموعات المعارضة المدعومة من تركيا.

وما فاقم من حدة هذه التحديات أن عملية اللامركزية تفترض أن هناك، أو يجب أن يكون، علاقة فاعلة بين المركز وبين الأطراف (أو المحليات)، بيد أن هذه لم تعد حتمية في البلاد التي غرقت في وحول الحرب طيلة سنوات ست، بكل ما تضمّنه ذلك من شكاوى وتظلمات هائلة بين السلطات المركزية وبين العديد من النواحي المحلية. لا بل حتى مجموعات المعارضة التي تصطف ظاهرياً في الخندق نفسه، كانت عاجزة عن إقامة أدوات حوكمة لامركزية بين بعضها البعض. في بدايات النزاع، شكّلت المعارضة حكومة مؤقتة كان هدفها استنساخ نظام الدولة المركزية السورية. لكن، لأن الانتفاضة كانت محلويّة إلى حدّ كبير منذ استهلالها وتطوّرت في إطار مقاربات عملية، وجدت الحكومة المؤقتة نفسها في مواجهة مناطق محلية مُتمكّنة وغير مستعدة دوماً للتعاون. وهكذا جهدت المعارضة لمواجهة هذه العقبة الكأداء عبر محاولة إقامة نموذج جديد، من دون أن تبدو انفصالية، وهي تهمة انهالت على رؤوس الأكراد بعد أن أعلنوا النظام الفدرالي الذي لايرتبط بأي علاقة مع السلطة المركزية.

تحتاج أي تسوية سياسية كي تصبح فعّالة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار قوة المحليات والديناميكيات المتعلّقة بها. إذ أن تقاسم السلطة استناداً إلى المعطى الجغرافي وحسب لن ينجح في سورية، لأن كل منطقة تتجزأ إلى مناطق محلية مختلفة، ولها مستويات متباينة من القوة والسلطة، وتقيم علاقات مغايرة مع العالم الخارجي. وبالمثل، من غير المحتمل أن تحظى اتفاقية لتقاسم سلطة تستند حصراً إلى إصلاح الحكومة المركزية السورية بأي جاذبية، لأنه من المشكوك به أن يقبل النظام بضم أي كان إلى هيكليته الداخلية على نحو فعّال. وبهذا المعنى، لن تحل اللامركزية كما يجري تصويرها الآن، النزاع الراهن، ويجب أن تستهدف مفاوضات السلام، بدلاً من ذلك، ترتيب مفاصل السلطة الفدرالية للحكومة المركزية في علاقتها مع مجالات صنع القرار المحلي التي تتمتع بها مختلف المحلاَّت. مثل هذه المقاربة يمكن أن تساعد على تقليص التوترات العميقة بين المجتمعات المحلية وبين الدولة، وكذلك بين هذه المجتمعات نفسها، ماقد يساهم في بسط سلام مستدام.

خاتمة

حافظ الهيكل المحلي الكامن في الديناميكيات الاجتماعية- السياسية في العديد من نواحي سورية على نفسه طيلة سنوات الحرب الست، حتى حين تعرّض نهجه ووسائله على نحو جذري إلى التبدّل، وحتى حين تغيّرت الهياكل الإدارية السابقة للمحافظات والمناطق في الدولة السورية بشكل لم يعد ثمة مجال لإصلاحها أو ترميمها.

لقد عمد نظام الأسد إلى توسيع شبكات وسطائه المحليين في المناطق الخاضعة إلى سيطرته في سبيل الحفاظ على سلطته، مع تسارع التغيّر في طبيعة وحجم النزاع. وفي هذه الأثناء، كان العديد من المحليات الواقعة تحت سيطرة المعارضة تشهد صعود نجم نخب جديدة تعمل كوسيطة تبتهل مساعدة مانحين أجانب متناقضي الأهداف، ما أشعل لهيب التنافس والتزاحم بين هذه النخب وبين مناطقها المحلية، وشتت الجهود لخلق قيادة معارضة مركزية. أما الوحدات الكردية التابعة لقوات سورية الديمقراطية فقد استحدثت هيكلية إدارية جديدة كلياً لضمان الأمن في المناطق التي سيطرت عليها، فيما تمّت المحافظة في الوقت نفسه على الأبعاد الاجتماعية – السياسية والجغرافية للمحليات.

بدا أن أحد أهداف النظام في المرحلة الراهنة من النزاع، هو إعادة تثبيت السلطة السياسية لدمشق على السكان في المناطق الخاضعة إلى سيطرة المعارضة، من خلال مركزة تدفّق الموارد إليها من العاصمة. كما حاول النظام أيضاً، بدعم روسي، استلحاق الوسطاء المحليين الحاليين (أو خلق وسطاء جدد) واستيعابهم داخل شبكات النظام، أو سحق المحلّة برمتها عبر القوة العسكرية، كما حدث في أواخر العام الماضي في شرق حلب وقبلها في داريا.

بيد أن أي سلام ذي مغزى لحقبة مابعد النزاع، سيتطلب على نحو حتمي تقريباً مفاوضات سياسية تنجم عنها صفقة جديدة بين الحكومة المركزية وبين المحليات: صفقة تضع أطر وحدود السلطة المركزية وتُسبغ الطابع الرسمي على السيطرة المحلية وصنع القرار في مختلف مجالات الاهتمامات المحلية. لكن الإصلاحات الدستورية التي تُسن لتحقيق اللامركزية ستكون مجرد مبادرات جوفاء إذا ماكان النظام قادراً على إعادة مركزة الموارد في يده وفرض سلطته مجدداً على الوسطاء داخل مناطق المعارضة. وإذا ما حدث ذلك، فإن الأموال التي ستتدفق حتماً على سورية لإعادة الإعمار، ستُمكِّن ثانية على الأرجح كوادر مماثلة لتلك النخب النهّابة التابعة للنظام التي انتفضت قطاعات واسعة من السكان ضدها العام 2011.

حين نضع في الاعتبار حجم الدمار الكاسح الذي لحق بالثروات في سورية جراء النزاع، فإن التفاوت الاقتصادي والسخط سيتفاقمان بشكل حاد. وفي هكذا بيئة، سيكون الاستقرار طويل الأمد لأي اتفاقية سلام موضع شك عميق.

 

(*) خضر خضّور / مركز كارنيغي  للشرق الاوسط