19 آذار 2017: إنهضوا وتجدّدوا

طارق خليل خليل

 

مضى أربعون عاما على استشهاد المعلِم ولا زالت دار المختارة تستقبل القوافل من المخلصين من شماله إلى جنوبه لتأكيد الوفاء والتعهد بإكمال المسيرة. المسيرة التي أرادها كمال جنبلاط أن تتفعَل في رؤية موحَدة حول لبنان المستحدث بجغرافيته وهويته.

مضى أربعون عاما من تاريخ زعامة وليد جنبلاط في ظل الجمهورية اللبنانية وقد تراوحت الآراء بين المديح حتى العبادة – حبا أو مصلحة – والسلبية حتى الكراهية وما بينهما الكثير من المتناسين أو ممّن لا يعلمون أنّ وليد جنبلاط يشكّل حقبة من زعامة امتد نضالها لمئات السنين في منطقة لم تشهد استقراراً فعلياً حتى وقتنا الحالي. إنّ قدر العائلة الجنبلاطية كما رسمته بإرادتها أصبح معلوماً وهو الثبات في نضالها جيلاً بعد جيل. ومع كل جيل تأتي القراءة المتجددة للأحداث المختلفة فتتفاعل معها حتى تعيدها إلى الثابت عندها وهو الثبات في الأرض رافعين الرؤوس من أجل الحفاظ على جماعاتها وكل من يدور في فلكها . فكانت ثورة الأمير الحديث، الحزب الإشتراكي، الذي أراده المعلّم حزبا إنسانيا جامعا لكل مكوِنات المجتمع اللبناني وحكما الدروز كي تخرج من تبعياتها لزعامات إستزلامية آنية ومن ثقافة كل شاطر بشطارته (را. ك. ج. ربع قرن من النضال\دار التقدمية) إلى رحاب الوطن المنطوي في جمهوريته المستحدثة.

أمّا الآن، فكيف نقرأ مئة ألف مواطن لبناني اختاروا المختارة؟ كيف نقرأ هذه الخيارات في ظل إحباط كبير إن كان على مستوى الجمهور لجهة سياسات الإفساد والإفقار المتّبعة لعقود مضت (من قبل نظام مفسِد) وتشرذم واضح على مستوى المنطقة وتفكُك بنيوي للجماعات الكبرى منها أو الصغرى في ظلِ تعزيز الفردية كظاهرة عالمية؟ نقرأ كل ذلك عندما يكون المبدأ هو الحكمة في التواضع والموضوعية عند وليد جنبلاط الذي قابلته جهالة الآخرين كالعادة وتوهّمهم في القدرة على جذب الجمهور دون غيرهم، فاعتقدوا أنّهم يستطيعون تحديد خيارات ومسار الزعامة الجنبلاطية التي لا زالت راسخة بينما نشهد تساقطاً للأنظمة وتغيّراً في ديموغرافيات المنطقة، فهُم يتناسون عن قصد الجمهور من الأوفياء لوليد جنبلاط رمز الوفاء لكل من رافقه في مغامرة الحرية.

أمّا بعد، فماذا نقرأ أيضا في هذا الحدث الجلل أو بماذا يختلف العام الأربعون لاستشهاد المعلّم عن غيره من رحلات الحج إلى ضريحه؟

منذ أربعين عاما ووليد جنبلاط يتحمل المصاعب، منذ أربعين عاما كان شابا يافعا في السابعة والعشرين من عمره عندما حمل على كتفيه الزعامة الدرزية والحزب الإشتراكي وما بينهما الحركة الوطنية ممزوجة بدماء والده. أمّا الآن، أتى يوم التاسع عشر من آذار فكان التأكيد على الزعامة الجنبلاطية الوطنية وعلى تثبيت قوة الحزب الإشتراكي القادر على لعب دورٍ مفصلي في توازنات البلاد.

كذلك وضع وليد جنبلاط الكوفية على كتفي إبنه تيمور، فكانت الجموع شاهدةً على ولادة سياسية في المشهد الجنبلاطي موصّاة بإرث كمال جنبلاط الكبير، فنستنتج أنّ حداثة الأمير في المشهد السياسي اللبناني لا تنفي كونه أمير الحداثة في فهمه للإشتراكية الجنبلاطية،كما تبلورت في الإطار التقدمي، فهو المدرِك تماماً للمسؤوليات المُقدِم عليها حيث يُمثّل تطلعات شريحة من الشباب وهواجسهم في ظل الجنون السياسي والتهافت في الإدّعاءات عن زعامات وهمية.

المطلوب من تيمور جنبلاط اتّضح في اللّحظة التي أعلن وليد جنبلاط عن تسليم وديعته وقَبِل تيمور جنبلاط أن يتحمّل مفاعيلها وأوزارها مسكوناً في ظلال قدر الجنبلاطية الموازية تاريخياً للوطنية بأعلى تجلّياتها والمشكّلة في كل لحظة مفصلية العمود الفقري للهوية اللّبنانية الحديثة.

كما يتطلّب، بالمقابل، التقدّم في الشأن الإقتصادي، الإجتماعي والسياسي تواصل دائم بين قيادة حكيمة وجمهور مُدرِك لمصاعب المرحلة، واعٍ لخطورة التواري خلف أقنعة اليأس وفقدان الأمل في التغيير، ومُجرّب لآفّة التزاحم خلف مصالح آنية وذاتية أثبتت التجربة أنّها لم تؤد إلّا لهوية مشوّشة تقوم على تناقضات واضحة في سلوك المجتمع كما بدأ يظهر في خليّة العائلة.

آخيراً، إنَ ذكرى استشهاد المعلّم تجاوزت هذه السنة البعد الوجداني معيدةً التأكيد على عمق تجربة الحزب الإشتراكي الإصلاحية الصالحة لجيل الشباب كنقطة إنطلاق يبنى عليها، فليس المطلوب تكرار ما لا يمكن تكراره وهو شخص كمال جنبلاط بل إحياء فكره والمبادىء التي  أطلقها في نظرته التقدمية للحزب القائمة على المنهجية الجدلية في فهم التطور، بمعنى أخر على العقل العلمي كأساس صالح لكل الأوقات، فتصبح عندها ممارسة السياسة وسيلة تشكّل البعد الرابع في تاريخ البشرية، نحو تحقيق مجتمع أكثر إنساني.

(*) عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي