في “الانباء”: إكليل على بحر القضايا الميتة

مؤلمة كانت خلاصات مشاورات القادة العرب في قمّتهم السنوية. للتكرار معانيه البكائية، بحر الدموع فاض بلا أفق وبقيت القضايا في موتها. بضع عبارات تنفض عنها الغبار في محاولة لإنعاشها، لكنّ الضرب في الميت حرام. كانسياب الماء نزولاً، تسير مناقشات قضايا العرب، وتحديداً منذ اندلاع ثورات الربيع العربي إلى القمة الاخيرة في الأردن.

في قمة العام 2012، كانت الإشادة الكبرى بما أنجزته ثورات الربيع العربي وبالنزعة نحو التحول الديمقراطي لدى الشباب العربي لبناء الدول الديمقراطية والقائمة على الأسس المؤسساتية، وفي قمة العام 2017، عودة إلى غياهب الزمن، واستعادة لخطابات تقليدية، مفادها واحد، بأن أي حراك شعبي يصبّ في خانة التخريب، فكانت أصوات عديدة تلقي بلوم الكوارث التي تحلّ بالدول العربية على النزعة التقدمية التي طمح إليها الشباب. مع إغفال الأسباب الحقيقية والموضوعية لإجهاض الثورات وعسكرتها وإتهامها بالإرهاب.

في قمة العام 2013، تمثّل سوريا بالإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في العام 2017، غابت سوريا الشعب، ولولا العيب والحياء لكان النظام السوري عاد إلى كرسيه، بفعل محاولات من عدد من الدول العربية لم يكن لبنان بعيداً عنها، وكانت مصر رائدتها. فاختلق التوازن، بأن لا تحضر المعارضة ولا يحضر النظام، وحتى في مقاربة الوضع السوري، كان البهت هو الحاضر الأبرز، فخرجت القمّة بلا أي موقف واضح، وبلا أي إدانة للنظام السوري على ما يقترفه من مجازر بحق شعب سوريا، وعمليات التهجير الممنهجة التي تشهدها. لم يأت البيان الختامي على ذكر الأسد، ولا حتى على دعم المعارضة بخلاف القمم السابقة، اكتفى فقط بالتأكيد على وجوب إيجاد حلّ سياسي للأزمة، على قاعدتي جنيف وآستانة.

لبنان حضر بشكل بارز في القمة، لكن أيضاً بلا نتائج ملموسة، جملة القرارات المقاربات، جرت وفقا للمفهومية التسووية اللبنانية، على قاعدة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، غاب بند إدانة حزب الله ووسمه بالإرهابي، وحضر فصل لنشاط الحزب في لبنان كمقاومة من خلال التأكيد على حق لبنان في مقاومة العدوان الإسرائيلي، والفصل بين الإرهاب والمقاومة. البند الوحيد الذي تضمّنته القمة حول لبنان ويعتبر حديثاً هو تأكيد وجود حمايته لثرواته الطبيعية من نفط وغاز، وتوفير الدعم اللازم للحكومة لأجل إستخراجه من البحر.

لم تخرج القمّة بأي جديد، مرّ قطوعها على خير لبنانياً، فلم يضطّر لبنان إلى التحفظ على أي بند، كان قد يثير حفيظة دول الخليج فيؤدي إلى زعزعة العلاقات من جديد معها، لأن بالأساس كل البنود الخلافية تمّت تنحيتها جانباً. ووفق ما يقول ديبلوماسي عربي لـ”الأنباء” فإن “العرب اعتادوا على عدم مقاربة ومناقشة المواضيع الخلافية، ويفضلون تحييدها جانباً، على مناقشتها علمياً وإيجاد حلول جذرية لها، ولذلك يفضّلون الشكل على المضمون، وعليه أحيلت كل المواضيع الخلافية جانباً للخروج بموقف “جامع”.

اتفق العرب على أن يتفقوا، ولكن ماذا عن بنود الإتفاق؟ لا شيء خارج عن السياق الكلامي العاطفي والوجداني، بلا تقديم أي مقاربات علمية جديدة قادرة على إبتكار الحلول ووقف حمام الدم وإستنزاف البشر وتحلل المؤسسات. قضى الإتفاق، بدفن القضايا، ورمي المجاملات زهوراً على بحرها الميت.

ربيع سرجون – الانباء