في “الأنباء”:هل تنبعث الحياة للدور العربي من على ضفاف البحر الميت؟

يعقد القادة والزعماء العرب قمتهم السنوية، في منطقة البحر الميت- الأردن في تقليد سنوي دأبوا عليه منذ انشاء جامعة الدول العربية في 22 آذار 1945، وتتصدر النزاعات في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وسبل مكافحة الإرهاب عناوين القمة التي ناقشها وزراء خارجية الدول العربية خلال اليومين الماضيين. كما وسيشارك في اعمال القمة الموفد الدولي الخاص الى سوريا ستيفان دي ميستورا وعدد من ممثلي الدول الكبرى.

وكما في كل قمة عربية تسعى الدولة المضيفة الى تسمية القمة بـ”التاريخية” من حيث الآمال التي تعقد عليها، لا سيما لجهة إحياء التضامن العربي (الغائب الأقوى عن القمة) والزخم السياسي الذي عبر عنه بحضور شبه كامل للزعماء والقادة العرب، فيما تبقى سوريا المجمدة عضويتها خارج التمثيل والحضور الرسمي.

وتسعى المملكة الأردنية الهاشمية التي نجحت في حشد هذا الحضور الى ترطيب الأجواء بين القادة العرب، من خلال تأمين الأجواء الملائمة للقاءات ومصالحات جانبية قد تشهدها القمة لا سيما بين مصر والمملكة العربية وبين مصر ودولة قطر، خصوصا أن البيان الختامي المتفق على عناوينه العريضة يذهب في هذا الاتجاه. ويتضمن البيان أكثر من 17 بنداً وتتصدر القضية الفلسطينية والأزمة السورية جدول الأعمال. وأن تخرج القمة العربية بقرارات استثنائية، لا سيما وسط الأزمات المتفاقمة والحروب والنزاعات المسلحة التي تشهدها دول العراق وسوريا واليمن وليبيا، والتي تزيدها التدخلات الإيرانية حدة، فيما تعاني دول أخرى أوضاعاً اقتصادية سيئة أثرت سلباً على مستويات معيشة سكانها. حيث بات الملايين من العرب يعيشون حياة مأساوية بين فقر مدقع ونزوح وتشريد وقهر هرباً من القتل، فيما قرر آخرون المخاطرة بالهجرة إلى أوروبا ودول العالم الأخرى بحثا عن حياة أفضل.

مصادر دبلوماسية عربية مراقبة، فضلت عدم الكشف عن أسمها، اعتبرت أن القمة العربية المنعقدة في الأردن، يمكن تسميتها بـ “القمة السعودية” بامتياز، على قاعدة رصد الحركة الناشطة للدبلوماسية السعودية، والاتصالات التي أجرتها على مستويات دولية سواء في شرق آسيا مع الدول الأساسية مثل ماليزيا والصين واندونيسيا واليابان التي كانت محط جولة خاصة للملك السعودي، الى زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الى واشنطن ولقاءه الرئيس ترامب والاتفاقات التي وقعها مع إدارته.

ورأت المصادر في حديث مع “الأنباء”: “بدا واضحا أن التكثيف القوي للدبلوماسية السعودية على المسرح الدولي، وعلى قاعدة انتاج المصالح المحددة، واختبار مدى تجاوب القوى الدولية مع الاتجاهات السعودية الجديدة، سينعكس على أجواء القمة العربية الحالية، ما يعطي هذه القمة موقعا مختلفاً عن القمم السابقة، لناحية تكثيف التوجه السعودي في الانتقال من خط الدفاع الى مرحلة الهجوم في التعاطي مع التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، وعلى مستوى الشرق الأوسط، وبالتالي استعادة التموضع السعودي في الازمة السورية وإعادة التموضع في الأزمة الفلسطينية، وهذه العناوين الثلاث هي من ابرز عناوين القمة”.

واردفت المصادر قائلة: “بقدر ما أن هذه القمة، هي قمة سعودية بامتياز، يمكن اعتبار الركنين الأساسيين المساعدين هما الركن الأردني والركن الفلسطيني، خاصة وأن الأردن يلعب دور استراتيجي بالتعاون مع المملكة السعودية، في مختلف الأزمات، عوضا عن أن الأردن اليوم تقف في مواجهة الأزمة السورية، وفي مواجهة أزمة السياسات الإسرائيلية في تهويد القدس، والاستيطان، ويلعب دور مركزي في إقامة جدار دفاع سياسي قوي، سواء في سوريا بالتنسيق مع المملكة السعودية، أو في مواجهة إسرائيل بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي فإن المثلث السعودي – الأردني – الفلسطيني، هو المثلث الأكثر حساسية والأكثر قدرة على انتاج القرارات في القمة العربية الحالية، سيما بعد أن سجل الدور المصري تراجعاً في مواقفه المتصلبة تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو تجاه العلاقة مصر بالتحالف العربي في اليمن، وكذلك في المسألة السورية”.

التراجع المصري مسحوب بتراجع آخر مرتبط بالتعديل الذي دخل على سياسة الإدارة الأميركية، من خلال الانتقال من حقبة باراك أوباما الى حقبة دونالد ترامب، فالمصريين حين يرون متانة العلاقة الأميركية- السعودية، والتفاهمات الجديدة التي عادت لتتصدر الحدث بين الدولتين، لا بد أنهم سيعدلون سياساتهم لا سيما بعد التباين في المواقف بين مصر (السيسي) والمملكة العربية السعودية بما يخص الملف السوري والملف اليمني، وكذلك الملف الفلسطيني.

النقطة الأخرى المهمة في القمة الحالية برأي المصادر، ترتبط بإسقاط النظريات التي تحدثت عن تسوية إقليمية جديدة للصراع العربي الإسرائيلي خارج إطار (حل الدولتين) على المستوى الفلسطيني، وقالت: “حين كانت منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تكن هناك سلطة فلسطينية ولا اتفاق أوسلو، ولا اعتراف دولي بدولة فلسطين كالذي نشهده اليوم، لم تكن طروحات الحل الإقليمي بمعزل عن الدور الفلسطيني قابلة للحياة، وأكثر من مرة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، كان يطرح الحل الإقليمي باعتباره حل قابل للحياة بمعزل عن الدور الفلسطيني وقيام دولة فلسطينية على أراض فلسطين، وفي حالات فلسطينية أضعف من الواقع الحالي على المسرحين الإقليمي والدولي، لم يكن لأصحاب هذا الحل قدرة على ترجمة هذا الخيار”.

واستطردت المصادر موضحة  أن “الحل الإقليمي المنشود يقوم على دور اردني ودور مصري يتجاوز الدور الفلسطيني كشرط عربي لضمان إقامة الحل الإقليمي، وحين نرى الرئيس أبو مازن وفي زيارته الى القاهرة بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استطاع تعديل موقف القاهرة وإظهار موقف مختلف عن ما اشيع من كلام على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري، وأن الأردن تعتبر أن الحل الإقليمي يهدد أمن واستقرار العرش الهاشمي، وحين يصبح الحل الإقليمي تهديد للأمن القومي المصري من جهة مصير قطاع غزة، وعلاقة كل ذلك بأطروحة حل الدولتين، ونرى ان الحل الإقليمي هو تهديد للعرش الأردني من زاوية طغيان العنصر الفلسطيني، يعني ان عدم توفر الشرط العربي لهذا الحل يعيق إمكانية تحقيقه بأي قوة أو مساعدة دولية غربية كانت أو غير غربية”.

وفي هذا السياق، فإن الرسالة التي تكمن خلف موقف المستشارة الألمانية الحازم حيث قالت: “لا يوجد خيار سلمي لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي الاَّ حل الدولتين” والاستقبال الذي حظي به الرئيس محمود عباس في برلين وفي الاتحاد الأوروبي، والخطاب الذي ألقاه والدعم الذي تلقاه من الفرنسيين، يقول أن الرهان على حلول جديدة أقل من سقف الموقف الفلسطيني، هم لا يقرأون في السياسة الصحيحة، ولا يعرفون أن عناصر القوة لا زالت متوفرة بالوضع المصري، وبالوضع السعودي، وبالوضع الأردني والفلسطيني، تجبر نتنياهو، وتجبر أيضا الرئيس ترامب وواشنطن على تعديل وجهة نظرها التي أخافت الجميع في المرحلة الأولى من دخول ترامب المكتب البيضاوي.

في الختام، تتفق المصادر مع وجهات نظر معظم  المحللين والمتابعين للشأن العربي، أن القمة العربية الحالية المنعقدة على ضفاف البحر الميت في غور الأردن، لن تخرج بنتائج كبيرة، ولا يمكن القول بأن الحلول ستأتي بعدها، لا بل فإن ما ستقوله هذه القمة وتأكيد على أن نظام المصلحة العربي يقتضي بوجود حل فلسطيني على قاعدة حل الدولتين، ويقتضي انهاء النفوذ الإيراني والتدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، ويقتضي إعادة انتاج التضامن العربي على أسس مصلحية بين الدول العربية المعتدلة، والتي لديها إمكانات الفعل على المسرح الإقليمي.

لأن مستوى الحركة الدبلوماسية التي اقامتها المملكة العربية السعودية على مستوى دول العالم سواء في الشرق الآسيويات في الغرب الأميركي والأوروبي، لا بد لها ثمار سياسية، فهل تنجح هذه القمة في إعادة إنتاج الموقف العربي الرسمي بأسس واقعية وعلى منطلقات مبادرة السلام العربية وخيار حل الدولتين؟

فوزي ابو ذياب – الأنباء”