الخبير نقولا سركيس يدق ناقوس الخطر: الدولة غيّبت نفسها في قطاع النفط

حمى الله لبنان… بهذه الكلمة المعبرة، إختصر الخبير ومستشار النفط الدولي الدكتور نقولا سركيس مخاوفه على مستقبل ومصير قطاع النفط والغاز اللبناني، إنطلاقاً من القانون والمراسيم التي وضعتها الدولة اللبنانية، وغيبت نفسها من الإستفادة منه، لصالح شركات مستثمرة، بعضها وهمية، ومهمتها الإحتيال والسمسرة والنصب.

مخاوف خبير النفط الدولي الدكتور نقولا سركيس حول مصير نفط وغاز لبنان، أثارها خلال ندوة بعنوان “مستقبل قطاع النفط والغاز اللبناني: مخاوف وحلول”، عقدت عصر الاثنين 27 أذار الجاري بدعوة من النادي العلماني. الندوة التي عقدت  في قاعة عصام فارس في الجامعة الأميركية، وشارك فيها خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، والخبير البيئي حبيب معلوف، بإدارة الخبير ومستشار النفط جرجي جورج بشير، وبحضور عدد كبير من طلاب الجامعة ممن يتخصصون بقطاع النفط، ومعنيون بهذا القطاع وممثلون عن المجتمع المدني.

الندوة التي لم تخلو من هرج ومرج بعض وجوه المجتمع المدني، أضاءت بشكل واضح على الخلل الكبير والتجاوزات التي رافقت وضع القوانين والمراسيم المتعلقة بالأنشطة البترولية في المياه اللبنانية، وطرحت سلسلة من التساؤلات حول الأخطاء التي إرتكبت منذ بداية العمل على هذا الملف.

إفتتحت الندوة بكلمة للخبير والمستشار النفطي جرجي جورج بشير قال فيها: “ليس صحيحاً ان لبنان ليس خبيراً بقطاع النفط، والدليل أن مجموعة كبيرة من أبنائه ومن عقود، يعملون بكافة مجالات هذا القطاع الحيوي في دول الخليج المنتجة للنفط ومشتقاته، وعدد كبير من الدول الأفريقية والأوروبية والأميركية”.

هايتيان

وعرضت خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية لوري هايتيان خريطة طريق نفط وغاز لبنان، فاشارت إلى ان القطاع اليوم شكل له هيئة ناظمة، وبأن المادة 3 من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية لحظت صندوقاً سيادياً لإيداع الدولة عائدات الأنشطة والحقوق البترولية  فيه، وأن لبنان يواكب ما يتطلبه القطاع من إختصاصات، منها نقابة المحامين. قالت: سيسير لبنان بعقد مشاركة الانتاج، بحيث تأخذ الدولة حصة من النفط والغاز هي على الشكل التالي:
– اتاوة 4٪‏ على الغاز وتصاعدية على النفط.
– ضريبة الدخل حسب القانون (اما القانون المعمول به حالياً على أرباح الشركات التجارية، اما قانون الضريبة على الشركات النفطية)، بالاضافة الى حصة الدولة من الأرباح والتي تكون تصاعدية وفق الـ R factor

أما بالنسبة للشركة الوطنية:  “اذا تم اكتشاف اكتشافات تتمتع بالجدوى الاقتصادية حينها يبدأ التفكير بإنشاء شركة وطنية تجارية (تقوم بالعمل التجاري كسائر الشركات الأجنبية).

وركزت هايتيان على مبدأ الشفافية والمحاسبة بهذا القطاع “إنطلاقاً من قانون حق الوصول للمعلومات عبر نشر العقود، ومن منطلق ما تنص عليه مبادرة الشفافية للصناعات الإستخراجية، بما يسمح معرفة هوية المالكين الحقيقيين للشركات المستثمرة والمنتجة لنفط وغاز لبنان”. وختمت بتشديدها على دور المجتمع المدني ووجوب إنشاء مجموعة أصحاب المصلحة، والمؤلف من الحكومة والشركات والمجتمع المدني لوضع خطة عمل تعود بالنفع على لبنان واللبنانيين”.

معلوف

وإستغرب الخبير البيئي حبيب معلوف بمداخلته عدم إقدام الدولة على وضع إستراتيجية بيئية لدراسة الأثر البيئي لمواقع التنقيب البحري، خصوصاً وإن لبنان سبق ووقع على إتفاقية برشلونة التي لم تلحظ تنقيباً للنفط بحوض المتوسط.

واشار الى “وجوب تحديث الإتفاقية نظراً للمخاطر العالية جراء اعمال التنقيب، مع إمكانية أن تكون كارثية، لان أعمال التنقيب ببحر لبنان ستجري على أعماق بعيدة جداً، مع ما يعني ذلك من تعذر التحكم باي حادث قد يحصل”.

وأكد معلوف أن وزارة البيئة “غير مجهزة بأي دراسة مسبقة لما تحتضنه مواقع التنقيب من ثروة بحرية، ولا بكيفية معالجة أثار الحوادث، لمراجعة الشركات المنقبة والتفاوض معها”.

وأشار إلى أن الصناعات النفطية “ستضرب الصناعات الحرفية الصغيرة”. ورأى أن الشركات التي سترسو عليها الأعمال “ستتحكم بالصندوق السيادي”، وإعتبر أن “المطلوب هو الإستثمار بالموارد المتوفرة من شمس ومياه ورياح، للحفاظ على ثروات لبنان للأجيال المقبلة”.

سركيس

ورأى الخبير ومستشار النفط الدولي الدكتور نقولا سركيس  (المداخلة كاملة)  أن مغالطات وأخطاء كثيرة إرتكبت بحق قطاع النفط في لبنان منذ بداية الحديث عنه، بالتدابير العملية التي بوشر بها، بدءاً من ترسيم حدوده مع قبرص، ليتبين بعد توقيع إتفاق معها أن الوفد اللبناني اخطأ بالترسيم، عدا عن النزاع  الذي يصعب حله بين لبنان وإسرائيل حول الحقول النفطية، والتهديدات التي قد تقود الى حروب معها”.

وإعتبر الدكتور سركيس أن اسوأ ما في الموضوع “غياب المساءلة والمحاسبة، ووضع قانون مقتضب جداً، يتضمن مبادئ عامة،  فتعيين هيئة ناظمة للقطاع لا علاقة لبعض المعينين فيها بالقطاع، مع إحترامنا لمؤهلاتهم الأخرى، فإقرار مراسيم تطبيقية مكتوبة في الخارج، ومترجمة من الإنكليزية لا نعرف من كتبها ولمن كتبت وما الهدف منها، ورفعت بصفحاتها الـ 477 للوزراء للإطلاع عليها لإقرارها بعد 48 ساعة”.

وعلق: “من يقرأ المراسيم وإن لم يكن خبيراً، يرى أنها غير طبيعية، لاسيما وأن العالم ومنذ عقود إكتشف عدم جدوى عقود الإمتيازات”.

ولفت إلى أن المراسيم التي وافقت عليها الدولة “اسقطت كلمة تقاسمها الإنتاج … وتُلزّم البلد لشركات بعقود إمتياز، لتحصد الأرباح بغياب التدقيق، فيما منح الدولة وبمادة وحيدة حق تعيين مراقب بلجنة الشركات، بعدما طردتها، ووضعت مكانها شركات مستثمرة، وتعطي رخص تنقيب لشركات تجارية غير مندمجة، بعض منها شركات صغيرة، ومصنفة  شركات إحتيال ملاحقة قضائياً بالعالم”.

وأشار سركيس الى “وجود شركات وهمية لا وجود لها وباسماء مستعارة، من بينها واحدة سجلت في بيروت، وأخرى في هونغ كونغ”.

وأوضح أن المراسيم الموافق عليها “لا تعطي رخصة إلا لمجموعة كونسورتيومن تضم 3 أعضاء على الأقل، من بينها شركة مشغلة بحصة 35 في المئة و 10 في المئة للشركتين الأخريين، وهو ما يعطي الشركة المشغلة شرعية أن يكون البترول ملكها لسنوات لن يكون للبنان إذا ما إستفاق على الخطأ المرتكب اي حق شرعي لإسترداد حقه”.

وبعدما أكد سركيس أن كل الشروط المالية هي “اقل من العادي، فيما المطلوب وضع شروط صارمة تضمن حقوق البلد لتتصرف الأجيال المقبلة بهذه الثروة”، سرد إكتشاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن شركة “شل” العالمية التي منحها الرئيس السابق بوريس يلتسين إمتياز التنقيب عن النفط بإحدى الجزر، وإسترداد تكاليفها ساعة تشاء، لا تفيد روسيا، ما دفعه للإلغاء الإتفاقية.

وختم بقوله: يملك بوتين منظومة صواريخ وطيران، لكن لبنان اي اساطيل يملك ليدافع عن حقه … ليحمي لبنان من المستجد لديه.

نضال داوود – “الانباء”