من هو الشيخ الجليل الذي تحدث عنه وليد جنبلاط في مهرجان المختارة؟

“منذ اربعين عاماً وقع الشرخ الكبير، وقعت الجريمة الكبرى بحق الشراكة والوحدة الوطنية، وسرت آنذاك مع الشيخ الجليل نحاول وأد الفتنة، نجحنا هنا وفشلنا هناك، لكن الشر كان قد وقع، فكان قد قدري ان احمل على كتفي عباءة ملطخة بالدم، دم المعلم كمال جنبلاط ورفيقيه حافظ وفوزي، ودم الابرياء الذين سقطوا غدرا في ذلك النهار الاسود المشؤوم، ادفنوا موتاكم وانهضوا”.

ففي ذلك اليوم الاسود من تاريخ لبنان، كان القدر رسم مستقبلا جديدا لقصر المختارة والجبل، يومها وخلال تشييع الشهيد كمال جنبلاط، وقف شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز المرحوم محمد ابو شقرا وسط المشيعين والحزن الكبير وألبس العباءة لوليد جنبلاط، الذي اتخذ منذ تلك اللحظة موقفه الشجاع بأن “ادفنوا موتاكم وانهضوا”، وسار مع “الشيخ الجليل” المرحوم محمد ابو شقرا، الذي استذكره في كلمته في مهرجان المختارة، وكان له دور كبير في الحفاظ على الجبل ووحدته الى جانب جنبلاط.

وقد تكون ذكرى استشهاد المعلم كمال جنبلاط خير مناسبة ايضا لاستذكار هذه القامة الوطنية التي بدأت حياتها جهاداً في صفوف الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش في العام 1925، ولاحقا في العام 1945 مدافعاً عن مدينة دمشق ضد اعتداءات الفرنسيين آنذاك.

الا انه اثبت في الممارسة انه مجاهد في سبيل الانسان في السلم كما في الحرب ايضاً، فمنذ انتخابه شيخا للعقل في حفل مهيب في مقام الامير السيد عبدالله التنوخي في عبيه في 29 نيسان 1949، وضع نصب عينيه العمل على التقدم بمجتمعه والنهوض بالمؤسسات القادرة على تلبية حاجات الناس، وكانت له بصمات مهمة في هذا المجال، قد تكون اهمها انشاء المؤسسة الصحية للطائفة الدرزية في عين وزين بالمشاركة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، والتي تم الاحتفال بوضع حجر الاساس لها في 16 ايار 1978 وجرى الاحتفال بافتتاحها في 4 حزيران 1989، وكما أرادها أصبحت مؤسسة وطنية تستقبل المرضى من كل المناطق اللبنانية، وقد تطورت وتقدمت واصبحت مركزا صحيا جامعياً ينافس كبرى المؤسسات الصحية والمستشفيات في لبنان، حيث تم تشييد اقسام جديدة تقدم خدمات جليلة لا سيما دار المسنين.

هذا بالاضافة الى انجازات عدة منها بناء دار طائفة الموحدين الدروز في فردان في بيروت، والتي احتفل بوضع حجر الاساس لها في 16 كانون الثاني 1953 ودشنت في 4 نيسان 1965.

وقد يكون اهم ميزات الشيخ محمد ابو شقرا دوره الوحدوي، حيث توحدت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في عهده منذ العام 1970 الى حين وفاته في العام 1991، وكان يعمل لصالح كل مجتمعه دون اي تمييز او تفرقة، وقد تكون هذه الصفات هي مصدر قوة الشيخ الجليل للقيام بالدور الكبير الى جانب الشهيد كمال جنبلاط مع بدء الاحداث اللبنانية الاليمة قي العام 1975 ولاحقا الى جانب وليد جنبلاط عندما اصبح مصير الجبل بخطر، فكان متيقنا بأن سقوط الجبل يعني سقوط لبنان النموذج في العيش المشترك، ولو كان لا يزال على قيد الحياة لكان اول الواقفين الى جانب وليد جنبلاط في استقبال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير لاعادة تكريس الوحدة في الجبل وعقد الراية.

فالشيخ ابو شقرا تعدى دوره الاطار الدرزي، فعمل كما ورد على لسان الدكتور حسن امين البعيني في مجلة الضحى التي اصدرت عددا خاصا تكريما له في تشرين الثاني 2016، على حل مشكلة المقاصد الخيرية الاسلامية القائمة بين الرئيس صائب سلام ومعارضيه، وطلب منه انهاء النزاع بين الامام موسى الصدر وكامل بك الاسعد، كما انه قبل طلبا من عائلات زغرتا للتوسط وانهاء نزاع بينهما أدى الى وقوع عشرات القتلى، وقد نجح الشيخ في تحقيق المصالحة التي تمت بإشرافه ومباركته، بل ان دوره تعدى الاطار اللبناني عندما طلب توسطه بين الهند وبنغلادش لاطلاق سراح الاسرى الباكستانيين المحتجزين لدى الهند.

هذا بعض مما تميّز به الشيخ محمد، الذي يكاد ذكره لا يغيب عن مجالس وبيوت اهل التوحيد، فله في كل قرية ذكرى وموقف، وله في كل محطة كلمة ودور، فلقد بنى في السلم وجاهد في الحرب بانتظار بزوغ فجر سلام جديد يوقف نزف دماء الابرياء.

نادر حجاز – “الانباء”