الكتيبة الدرزية تكسر “الهاغانا”/ بقلم رضا بو فخر الدين

يعتبر كتاب المحامي الفلسطيني المناضل سعيد نفاع الذي يعرض نضال الدروز في فلسطين حتى النكبة (العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية حتى الـ ٤٨، الدار التقدمية، المختارة، الطبعة الثالثة، 2010)، مرجع قيم لا يمكن اغفاله، وقد عرض الكاتب لدور الدروز ونضالهم  ضد الحركة الصهيونية ومنظماتها الارهابية  بما في ذلك مواقفهم وتنظيماتهم ومعاركهم في فلسطين، مستندا في ذلك على عدد من المراجع والمصادر العربية واليهودية القيمة، ووثائق شخصية وتقارير رسمية  ومذكرات القادة العسكريين، ناهيك عن ارشيف منظمة الهاغانا في تل ابيب والارشيف الصهيوني المركزي. فنسج بذلك دراسة علمية منهجية اظهرت العديد من الوقائع والحقائق المخفية.

ومن بين تلك المعارك والمواجهات التي تناولها الكاتب، استوقفتني معركة خاضتها كتيبة درزية مجاهدة مقدامة ادت وباعتراف المصادر اليهودية الى كسر الهاغانا بعد عدد من المواجهات الشرسة.

كان جيش الانقاذ العربي بقيادة فوزي القاوقجي احد الجيوش التي قاتلت في فلسطين، وقد ضم نحو ثلاثة آلاف مقاتل من بينهم كتيبة درزية مؤلفة من 500 مقاتل بقيادة شكيب وهاب. وفي احدى المعارك طلب القاوقجي النجدة وارسل الى شكيب وهاب البرقية التالية: “الى بني معروف المحترمين، انني اتوجه اليكم، اننا بضيقة،اذا لم تهبو لنجدتنا فشكواي الى الله، فوزي القاوقجي”.  لبت الكتيبة الدرزية نداء الاستغاثة وخاضت اولى معاركها ضد الهاغانا على خط كفارآتا- رمات يوحنان (هوشة والكساير) وانتصرت فيها متكبدة 29 شهيدا و37 جريحا.

وقد وصفت صحيفة بردى الدمشقية تلك المعركة كما يلي: “ظهر في هجوم الكتائب الدرزية شجاعة بني معروف المأثورة وشدة بأسهم، مما جعل اليهود في حالة فظيعة من الاضطراب، وقد استطاع أبناء معروف ان ينزلو ضرباتهم الشديدة بالمستعمرات القريبة من حيفا، والتى طوقها الفوج، فأستنجدت بطائرتين اسقطت احداهما…”.

لكن العدو اعاد تنظيم قواته بعد ان وصلته تعزيزات عسكرية، فيما عانت الكتيبة من نقص في الامداد، فشن هجوما ليليا وتمكن من محاصرة قوات وهاب بعد السيطرة على عدد من التلال الاستراتيجية. فطلب وهاب المساعدة من كتيبة درزية اخرى بقيادة النقيب في الجيش اللبناني مفيد غصن الذي هب لنجدته ومعه العشرات من المجاهدين من سوريا  وقرى الجليل وعلى الفور دارت معركة من اشرس المعارك استعمل فيها السلاح الابيض وافضت الى كسر الهاغانا والسيطرة على هوشة والكساير والتلال المجاورة.

واترك  هنا وصف هذه المعركة لتقرير لمنظمة الهاغانا وقد جاء فيه: “بدأت المعركة بين جنود الكتيبة الدرزية وقوات الهجانه باعمال قنص ؛ فبعد ان قنص حارس رمات يوحنان حارسا درزيا ليل 12/4/1948 هاجمت كتيبة مدرعة الجنود الدروز المرابطين في هوشة والكساير، وانضمت للكتيبة سريتان من كتائب المشاة. وقد هجم الدروز في 16 من الشهر 9 مرات، وبغضب شديد، تحملت السرية من المشاة المرابطة في هوشة الضربة القوية. هاجم الدروز وبوحشية وبجرأة، وفي فرق عسكرية مدربة، وفي بعض الحالات وصلوا حتى البيوت، تكبد العدو الدرزي 130 قتيلا و 150 جريحا”.

ويضيف التقرير ان الدروز تمكنوا من تدمير جسرين بعد عملية كوماندوس خلف خطوط العدو، ليعودوا ويشتبكوا “على شكل التحام قريب  والحراب  التي تتقدمهم كانت تلمع تحت ضوء الشمس… وتمكنوا من من الانتصار على الرغم من الخسائر الفادحة التى كانت من نصيبهم، اما قوات الهاغانا فقد اضطرت للانسحاب مع خسائرها”.

يتبين لنا من وراء هذا التقرير وبشكل لا يقبل الشك انتصار الكتيبة وانكسار “الهاغانا”، لكن اوامر اتت فيما بعد طالبة من جيش الانقاذ بما في ذلك السرايا الدرزية المقاتلة الانسحاب من مواقعها لتسيطر قوات العدو على قرى عدة، وهناك الكثير من الشكوك تحوم حول قرار الانسحاب هذا، فالبعض ردها الى عدم وجود تنسيق بين الجيوش المقاتلة، وآخر الى فعل خيانة.