أربعون سنة أحنت الكتف لينتصر العقل‎‎ / بقلم رمزي نجيب نرش

أربعون سنة لو حُمّلت لجبالٍ لناءت تحتها. حملٌ ثقيل رفعتَه على أكتافك وسرتَ به بين تضاريس الحياة ومحطات المسيرة والمصير. بين منعطفات التاريخ سرت، بين نعمة الجغرافيا حيناً ولعناتها أحياناً كثيرة. سنة فسنة أربعون مرة.

أربعون عجافٌ ثقال، أقسى من سنوات يوسف في صحراء مصر، ذلك أن التاريخ والجغرافيا لم يعِداك أو يؤمّلاك –كما وعداه وأمّلاه- بسنواتٍ سمان بعدها. غير أن الوعد الوحيد كان أنت، والأمل الوحيد كان أنت، وليد كمال جنبلاط، الأقانيم الثلاثة التي عنونت السنوات الأربعين وسطّرتها وشكّلتها تشكيلا.

مَعينُك كان المعلّم الذي عاقبَنا التاريخُ برحيله، وانتقمتْ منّا الجغرافيا، وأهانتنا الإنسانية باغتياله. هو من رافقك من عليّ، وهو من دعم انحناءة كتفك بانحناءة ظهره فبقي العود صلباً منتصب القامة أباً عن جد. واستمرت المسيرة، وحُفِظت الأمانة، وصينت المبادئ، وساد العقل فينا… وانتصر.

ثقل السنوات الأربعين وغدراتُها لم تستطع –مع كلّ وحول السياسة الداخلية وضيق قوقعتها- أن تجذبك إلى دائرتها الصغرى أو تحصرك فيها، بل بقيتْ حلقاتُ التكوُّر الوجودي تتسع معك كما رسمها المعلّم: من التكوّر العائلي الأصغر، إلى التكور المجتمعي، فالتكور الوطني، فالقومي، حتى التكوّر الإنساني الأعم — الحلقة الكبرى التي بواسطتها ربط كمال جنبلاط العقل العاشر (الإنسان) بالعقل الأول (الله). أفهل صدفة أن تختار أنت هذين العقلين ليكونا رمز مسجد الأمير شكيب أرسلان في المختارة، فتربّعت كلمة الله في قمته واستقرّت كلمة الإنسان في واجهته؟

أربعون سنة، قلت؟ كثيرة أم قليلة؟ هي أكبر بكثير من أن يختزلها التاريخ أو يحشرها بين سطوره، وأقصر بكثير من أن تسجل أثرك ومآثرك.

أما تيمور جنبلاط فمظلوم ومحظوظ. مع الكوفية، ألقي على كتفيه أحمال القضية والقضايا، ومع الكوفية سيغوص في لعبة التاريخ والجغرافيا والمسير والمصير. على أن مَعينه قريب وكبير: ثلاثون جدّه الشهيد وأربعون -أو لنقل ثمانين- والده الشاهد.

قليلة منك أربعون سنة، العظماء لا يتقاعدون. ستستمر بتيمور ومعه، أربعون وراء أربعين، على درب المعلم وبتوجيه الوليد وبقيادة وليد الوليد، لتتجدّد ثلاثية التاريخ برباعية تيمور وليد كمال جنبلاط.