وقفة المختارة والكوفية الفلسطينية والعروبة

محمود الاحمدية

“وهل من شيء أشرف من العبور فوق جسر الموت إلى الحياة التي تهدف إلى إحياء الآخرين وإلى إعطاء قضيتهم قوّة الانتصار مع الزمن، وإلى ترسيخ مثال الصمود والتضحية في نفوس المناضلين” (كمال جنبلاط).

في اللحظة التي ألبس فيها وليد جنبلاط الكوفية الفلسطينية تيمور جنبلاط، شعرت الجموع التي لم تشهد مثلها دار المختارة على مدى الزمن، أن رسالة الحزب التقدمي الاشتراكي المركزية هي الحفاظ على العروبة والإبقاء على قضية فلسطين كقضية مركزية وأساسية في وطن قدّم الكثير لها عبر عشرات السنين… وهذا الموقف ليس مستجداً من كمال جنبلاط إلى وليد جنبلاط وتسليم الأمانة بالبُعد السياسي لتيمور جنبلاط…

مراجعة بسيطة لأدبيات كمال جنبلاط عن العروبة بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، تتجسّد الصورة واضحة… يكفي على سبيل المثال لا الحصر مراجعة مواقفه التاريخية، كمال جنبلاط أمضى حياته مناضلاً من أجل فلسطين والقضية الفلسطينية ومن خلالها كانت له آراؤه الجريئة المتقدّمة في قضايا العروبة ومشاكل العروبة والقضية العربية وبالرؤيا الإبداعية التي كان يملكها رسم خريطة خلاص للقضايا العربية والقضية الفلسطينية، بدءاً من كارثة 1948 وملابساتها ورأى أن طريق الخلاص هي طريق العروبة ومن خلال التآمر المخابراتي الدولي على العرب  بشكل عام، ركز على أهمية النفط وضرورة استخدامه قائلاً حرفياً: “على نفط العرب أن يصبح فعلاً نفط العرب، فإنه في النهاية جزء من مال العالم ورأسمال يتجمع في أيدي العرب، فعوض أن يبذر معظمه، فليتوجه إلى بناء وطن عربي والمشاريع العمرانية العملاقة للإسهام في نهضة العرب وللزيادة من منعتهم وطاقتهم”، وأردف حرفياً “ولنتذكر دائماً أن نفط العرب يستطيع دائماً وأبداً أن يعيد فلسطين إلى العرب، لأننا هنا نضع أيدينا على صمّام أضخم مورد وطاقة للحضارة عرفه التاريخ” وفي كلمة له في ندوة الاشتراكيين العرب في الجزائر نقلتها جريدة الأنباء بتاريخ 3/6/1967 جاء ما يلي:

“وأي مثال أفضل وأجدى للكفاح من أجل طرد الغزو الإسرائيلي وإعادة فلسطين عربية بسكانها وتراثها وقوميتها، من النهج الثوري الذي انتهجه إخواننا الفلسطينيون الفدائيون في الولوج إلى قلب إسرائيل وتدميرها من الداخل وزرع القلق والاضطراب بين سكانها الحاليين وفق النهج المحلي الذي اعتمدتموه في الجزائر المناضلة من أجل استقلالها؟” وفي مرحلة ثانية وفي افتتاحية الأنباء في 7/11/1967 وفي مطالعة تاريخية لطريقة التغلب على نكسة 1967 وانكشاف العرب بطريقة مزرية عشوائية فارغة قال حرفياً: “إن الشعارات وحدها لا تبني الأوطان ولا تحقق القوة ولا تنمي الاقتصاد ولا ترفع عماد الهيبة ولا تروي للنفس غليلاً وكأن العرب في مجموعهم لا يشعرون بخطورة النكسة التي منيوا بها والهزيمة المعنوية التي لولا قرار مجلس الأمن لما استقر لها في بعض البلدان حدود؟ أيبصرون بأعينهم؟ أيفكرون بعقولهم؟ أيتوجهون بضمائرهم ووطنيتهم؟ إذاً اتركوا حرب الشعارات ومناهج الشعارات وجوفية الشعارات”.

ومن أبرز افتتاحيته في الأنباء بتاريخ 15/9/1971 بعنوان العرب إلى أين؟؟ قائلاً “لقد أضحينا في الواقع من فرط الانحطاط المعنوي والتفرق والتناقض موضع سخرية العالم بأسره، ليس لأننا نتنكر لكل صداقة، ليس لدينا أي خطة جماعية للتحرير لأن كل بلد منّا أو كل حكم لا يفكر إلاّ بنفسه… نحن أغنى بكثير من يهود العالم… ولكننا أعجز من أن نقيم مركز ضغط واحد مؤثّر في الإعلام العالمي في أي بلد… والأدهى من كل هذا هو بقاء العرب على حالة التجزئة والتناقض، وهم يدرون أن وحدتهم هي التي تمكّنهم من الصمود واستعادة الأراضي المحتلة، ومن مواجهة معركة تحرير فلسطين ومن كسب شيء من الاحترام في العالم…”.

مئات المواقف العربية والفلسطينية للمعلم تجسّد حلماً للشباب العربي وكأنها تستقرئ واقعنا العربي والفلسطيني الحالي… حتى سقط شهيداً لهذه القضية في 16 آذار 1977.

وليد جنبلاط ومنذ تسلمه القيادة السياسية التاريخية بعد استشهاد المعلم لم يحد عن الأهداف السامية وعلى رأسها قضية فلسطين والعروبة وإذا استعرضنا مواقفه وعلى راية العروبة وفلسطين… وفتح طريق دمشق بيروت أمام المقاومة ستبقى في ضمير كل عروبي على امتداد الوطن بإرادة قومية عربية لوليد جنبلاط وحزبه…

وصولاً إلى المختارة يوم 19/3/2017 ذكرى استشهاد المعلّم والحشد الجماهيري الذي فاق كل التوقعات وكانت اللحظة التاريخية التي شاهدها العالم أجمع بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص عندما سلّم وليد جنبلاط تيمور جنبلاط الكوفية الفلسطينية راسماً الخط البياني العروبي لبني معروف على امتداد العالم الأجمع لأن تاريخهم حافل بمعارك الشرق والبطولة من كمال جنبلاط إلى سلطان باشا وكانت رمزيتها: كلمة السر فلسطين وكلمة وليد جنبلاط لنجله تيمور جنبلاط حرفياً كانت معبّرة وقوية وصاعقة، هي ميثاق شرف نضالي عروبي فلسطيني بامتياز وسيذكرها تاريخ لبنان المعاصر أقولها بكل ثقة وقوّة وكبر وإيمان، وحرفيتها: “تيمور سر رافعاً الرأس، واحمل تراث جدّك الكبير كمال جنبلاط، واشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أينما كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة؟.

وأهمية هذه الخطوة تأخذ مداها وسط محيط عربي متلاطم منهار غارقة شوارعه في دماء أبنائه ونسي الجميع البوصلة الأساسية واتجاهها فلسطين، فجاءت هذه الخطوة عملاقة في توجّهها ومعينها تاريخ عروبي مشرّف من كمال جنبلاط إلى وليد جنبلاط وإيصال الرسالة إلى تيمور جنبلاط ومنها إلى دروز العالم أجمع…

تسليم الكوفية الفلسطينية من وليد جنبلاط إلى تيمور جنبلاط تصويب للبوصلة على الصعيدين العربي واللبناني في منطقة تجتمع العالم كله فيها لتدمير كلمة أساسية هي العروبة.

 

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

(**) عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين في بيروت

 

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة