قمة عمّان والمصلحة العربية

د.ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

لا يمكن اعتبار القمة العربية التي ستُعقد على ضفاف البحر الميت في الأردن، أنها قمة عادية. ذلك أن الوضع العربي الراهن، لا يُشبه أية مرحلة سابقة، والمخاطر التي تواجه الأمة العربية لها خصوصيات، تكاد تكون الأصعب منذ تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945. ولا نعني في هذا التوصيف؛ أننا نُقلِّلُ من أهمية الأحداث التي عصفت بالواقع العربي خلال 70 سنة مضت منذ تأسس الكيان الصهيوني، ولكن نوعية التحديات المطروحة اليوم تختلف من حيث الشكل، ومن حيث المضمون عن سابقاتها، كونها؛ لا تُهدّد المكانة العربية بين دول العالم فقط، وليست من النوع الذي اعتدنا عليه في الماضي- لا سيما العدوان «الإسرائيلي» على فلسطين والدول العربية المجاورة؛ إنما التحديات هذه المرة، ترتقي إلى مرتبة مُتقدِّمة، تكاد تكون الأُمة برُمتها موضِعَ تهديد.
قمة عمان تحتل الرقم 40 في لائحة القمم العربية منذ تأسيس الجامعة. 28 منها قمم عادية، و9 منها استثنائية، و3 قِمم خُصِّصت للبحث بقضايا اقتصادية صرفة. وفي عمان بالذات، عُقِدَت ثلاثة اجتماعات للرؤساء العرب سابقاً، في العام 1980 وفي العام 1987 وفي العام 2001.
الأردن قام بكل ما يجب توافره تقنياً ولوجستياً وأمنياً لإنجاح القمة، ولكن الملفات السياسية الساخنة، لا يمكن له أن يبُتّ بها منفرداً، وهي تتطلَّب توافقاً عربياً، وقرارات جماعية تصدر عن القمة، لا سيما منها موضوع تعليق عضوية سوريا. وقد أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: «أن بلاده مُنفتحة على كل ما يتفق عليه الإخوة العرب».
مما لا شك فيه؛ أن تغيّر شكل الخارطة الجيوسياسية في المشرق العربي – أو لنقُل في الهلال الخصيب العربي تحديداً- يُعتبر الموضوع الأبرز في جدول أعمال القمة. والمأمول من هذه المحطة المهمة؛ خطة لتغيير المشهد في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، بعدما تآكلت العروبة في تلك البُقعة الأساسية من الوطن العربي، جراء التدخلات الدولية والإقليمية، واستفحال المشكلات الداخلية في سوريا والعراق، ومن تفاقُم العدوان «الإسرائيلي» على الشعب الفلسطيني وتدخلاته التي تنشُر الفتنة في الدول المجاورة.
المصلحة العربية، تنتظر من قمة عمان مواقف مُتقدمة في سياق ترميم الشرذمة الحاصلة بين عدد من الدول العربية. وفترة السماح التي أُعطيت في السنوات الماضية؛ قد تآكلت، ولم يَعُد بالإمكان الانتظار أكثر لترميم ما تبقى من الحضور العربي، لأن الهيكل قد يسقط على الجميع. رُغم أن وضع رؤية عربية موحدة لمواجهة المستقبل ووقف التراجعات؛ يحتاج إلى جهود جبارة، والى تضحيات، وقد يحتاج إلى إجراء عمليات «جراحة سياسية» تُخرج المعالجة عن سياق المُسكّنات العادية. والإمكانيات العربية ما زالت متوافرة للقيام بالمهام الضرورية، برُغم حالة الوهن، أو التراجُع التي يشعُر بها الجميع.
ومجموعة من العناوين؛ تحتاج إلى معالجات مُلِحّة، لا سيما ترتيب البيت العربي الداخلي، مهما كانت الصعوبات. ويمكن أن تُعتمد لهذه الغاية مجموعة من المُحددات، منها حوافز لإجراء إعادة تقييم للموقف عند البعض، ومنها إعلان رغبة موحدة وجامعة تتعاطى بشيء من القسوة مع كل مَن يتجاهل الإرادة العربية، ومنها أيضاً؛ استيعاب بعض النتوءات النافرة في حضن الوعاء العربي العريض، كون ذلك أقل خطراً على الأُمة من واقع التشرذُم والانفكاك الذي تعانيه منذ أكثر من خمسِ سنوات.
والمصلحة العربية العليا؛ تفرض وضع خطة استراتيجية لمواجهة موجة التطرف والإرهاب، وسحب فتيل هذا الملف الذي طالت أذيته العرب والمُسلمين أكثر بكثير مما طالت غيرهم، وكان (أي الإرهاب) وسيلة لتفاقُم التدخلات الخارجية في المساحة العربية، والتي استقدمت الويلات إلى عدد من الدول العربية، لا سيما إلى العراق وسوريا واليمن وليبيا.
الجمهور العربي برمته؛ تواقٌ لرؤية معادلة عربية جديدة تفرض مكانة عربية مُتقدِّمة بين أمم الأرض، وتستعيد مشاهد المواقف الموحدة عند المفاصل الحساسة.
لقد وصلت حالة التشرذُم العربية إلى مرتبة مُتقدمة أساءت إلى تاريخ الأُمة، وهي تُهدِد مستقبلها، وشرَّعت الأبواب أمام الاستباحة الخارجية لبعض الساحات العربية تحت عناوين وحجج مختلفة، كما أن الفرصة قد تكون مُهيأة اليوم لاستعادة التضامن العربي، وإرساء تحالفات دولية تُساعد على حل بعض المُشكلات القائمة، لا سيما التأكيد على حل الدولتين المُهدد من الغطرسة «الإسرائيلية» في فلسطين.
إن اجتماع القادة العرب على ضفاف البحر الميت له مدلولاته الاستراتيجية الكبيرة. فغرب عمان؛ تقاطعٌ تُرابي يُطل من جبل نيبو المجاور على الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية. أما الأردن فهو في قلب العاصفة، ويمكن أن يكون محور الالتقاء في آن، كونه على تماس مباشر مع المُشكلات المُشتعِلة في فلسطين وفي سوريا ولبنان والعراق، وهو جارٌ متواصل مع بلاد النيل ومع الجزيرة العربية، وهاتان المنطقتان تشكلان الرافعة التي تحملُ أكثر الأثقال المُلقاة على صدر الأُمة في هذا الزمن الصعب.
قمة عمان؛ قد تكون فرصة النداء الأخير لركوب قطار استعادة الأمل، ولتأسيس ورشة عربية جدية لترميم البيت المثقوب الذي تدخله الرياح العاتية من كل حدب وصوب.