النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

بالترافق مع إحياء الذكرى الأربعين لاستشهاد رئيس الحركة الوطنية اللبنانية كمال جنبلاط، وبعد أن توضحت الخطوط العريضة التي وقفت وراء عملية استهدافه، بكونها أرادت القضاء على تجربة عربية، مناصرة للقضية الفلسطينية، ووطنية وليست طائفية.

وأهم ما في هذه التجربة التي حظيت بتأييد أغلبية اللبنانيين في سبعينيات القرن الماضي، أنها وضعت برنامجا مرحليا للإصلاح السياسي في لبنان، فيه مجموعة من البنود التي تقود الى دولة مدنية، وتشكل حاضنا آمنا لمكونات الوطن كافة، بعيدا عن التقسيمات الطائفية للسلطة.

أهما ما جاء في البرنامج المرحلي للحركة الوطنية الذي أعلن في 18/ 8/ 1975، اقتراح لاعتماد قانون انتخابي يعتمد نظام التمثيل النسبي. وفي الفقرة «أ» من البند (2) التي خصصت للحديث عن تطوير الأداء الديموقراطي في البلاد، جاء في البرنامج حرفيا: «إلغاء الطائفية السياسية – جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة – الأخذ بنظام التمثيل النسبي – ان يكون لكل 10 الآف ناجب نائبا واحدا – تخفيض سن الاقتراع من 21 الى 18 سنة – اخضاع النائب الى مراقبة ديوان المحاسبة فيما يتعلق بوضعه المالي – وضع سن تقاعد للنواب لا يتجاوز 64 عاما».

الذين يتحدثون عن قانون الانتخاب على أساس النسبية اليوم، يستشهدون على الدوام بما اقترحه كمال جنبلاط قبل اكثر من أربعين عاما، وهذه المقارنة تعزز مكانة النظام النسبي في الأوساط الشعبية بطبيعة الحال، على اعتبار ان بعض من يتقدم بالاقتراحات اليوم محسوب على بيئة لم تكن موالية للحركة الوطنية، بينما من يعارض بعض الطروحات التي تتحدث عن النظام النسبي، من بيئة سياسية كانت مؤيدة لبرنامج الحركة الوطنية.

ما الفرق بين ما يطرح اليوم من اقتراحات لقوانين انتخابية تعتمد على النسبية، وبين اقتراح الحركة الوطنية السابق؟

أولا: يؤكد برنامج الحركة الوطنية إلغاء الطائفية السياسية في توزيع مقاعد النواب قبل اعتماد النظام النسبي، لأن الطائفية والنسبية، لا يمكن جمعهما موضوعيا، لصعوبة تطبيق القانون النسبي في الواقع الطائفي، سياسيا بالدرجة الأولى، وتقنيا بالدرجة الثانية.

ولا مجال لتفصيل فرضية صعوبة الدمج الآن، ولكن من المؤكد أن اعتماد النسبية مع الطائفية، سيؤدي الى تجميع الأصوات على القاعدة الطائفية والمذهبية لمناصرة اللوائح المتقابلة، اكثر مما هو عليه الحال اليوم، وسيزيد من القوقعة الطائفية، اذا لم نقل الشرذمة والتباعد، كما ان توزيع المقاعد على الأساس الطائفي والمذهبي بين اللوائح، دونه صعوبات تقنية كبيرة.

ثانيا: طالب برنامج الحركة الوطنية بمجموعة من الإصلاحات التي لا بد أن تسبق اعتماد النظام النسبي، منها تخفيض سن الاقتراع، ومنها إخضاع النائب لرقابة ديوان المحاسبة، وفصل النيابة عن الوزارة، ولعل اهم هذه الاقتراحات، هو ان يكون لكل عشرة آلاف ناخب نائبا واحدا. فهل يقبل البعض بتطبيق هذا الإصلاح الأخير على سبيل المثال؟

ترى شخصية سياسية محايدة من الرعيل القديم: ان لبنان محكوم باعتماد الديموقراطية التوافقية، أقله حتى هذه اللحظة، واي مغامرات غير محسوبة، قد تؤدي الى نتائج غير محسوبة أيضا، وبالتالي يمكن أن تتفلت الأوضاع عن السياق التي تجري عليه اليوم، ذلك بسبب بعض التغييرات الديموغرافية، وبسبب الجيوبوليتيك الذي يحكم لبنان ويحيط به.

وتتابع الشخصية المذكورة ذاتها: ان الحسابات الرقمية لعدد النواب وانتمائهم الطائفي ضمن الكتل والتكتلات، ليست مقاربة واقعية، وليست في مصلحة المسيحيين تحديدا، ومصلحة هؤلاء في كونهم محل قبول وتوافق من باقي الأطراف.
وهذه الأطراف الأخرى تتمسك بدورهم ومكانتهم ونفوذهم في دوائر الحكم واكثر من أي وقت مضى، والتحديات السياسية ليست في مصلحتهم نهائيا، وفقا لقول الشخصية المخضرمة المنوه عنها أعلاه.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي