في “الأنباء”: أكثر من مئة ألف “نعم” للمختارة / بقلم هلا ابو سعيد

حبس وليد جنبلاط دمعة الأمس بحرقة فذرفها عنه الجمهور تأثراً بالحدث الجلل وبعمق المناسبة التي رسمت على جبين الجبل أبهى لوحة لتاريخ النضال المشترك بين المختارة الأبية والشعب الوفي. فالقلوب كانت تطرق على وقع الأقدام الهادرة الضاربة في الأرض ثباتاً لموقف لا يتبدل وتأكيداً على عناد لإكمال المسيرة التي بدأها المعلم كمال جنبلاط واستمرت منذ استشهاده قبل أربعين سنةً.
وحده المشارك بين هذه الحشود الغفيرة يستطيع أن يفهم تفاصيل هذا اللقاء بين جنبلاط والمناضلين الشرفاء الذين يتناقلون كوفية الأحرار من جيل إلى جيل. فمن راقب الجبهات المشرئبة عزة يفهم بريق الفخر في العيون التي بكت تفاعلاً بمشاعر لا يترجمها الورق. فالهتافات التي علت تؤكد عمق الإرتباط بين المختارة وأهلها، وتُثبت أن “روح الـكمال” الشامخة حاضرة بروح الثوار، وأن شعاراته المنتشرة على اللافتات ليست حبراً على ورق. فوجوه الناس الممتلئة إباء تؤكد أن حضورهم ليس تبعية ولا واجب أدوا فيه تحية الولاء، بل إنه انتماءٌ لمدرسة النضال.
ولقد أكد تسونامي الأمس أن المشاركين يشكلون جيشاً تجمعه “نخبة القناعات” بعفوية وتلقائية، وأنهم باستمرار تأييدهم للمختارة إنما يؤكدون الوفاء المشترك بينهم وبينها في الحرب والسلم على مدى أجيال، وأنهم ثوارٌ متعطشون لقضية تسطر معهم مرحلة جديدة من النضال. فكوفية فلسطين اعتلت أكتاف المشاركين من مختلف الأعمار قبل أن ينقلها الوليد إلى كتف الحفيد قائلاً “سر مرفوع الرأس وأكمل المسيرة واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط واشهر عاليا كوفية فلسطين العربية”.

يعجز القلم صدقاً عن وصف الشعور الغريب الذي أحس به كل مشارك ومراقب وسط هذا المد الشعبي الأشبه بـ”تسونامي” اجتاح بلدة المختارة والجوار. فباحات القصر وطرقات البلدة فاضت إلى جبل “بطمة” الذي غص بالمشاة صعوداً على طريق الباروك التي تحولت لموكب سيارات متوقفة لمشاركين من مختلف قرى بلدات المتن وعاليه والشحار. ولم يستطع القادمون بسيارتهم من الجهة الأخرى من بيروت والشمال والجنوب والعديد من البلدات الجبلية اللحاق بمن ملأوا الطريق صعوداً سيراً على الأقدام حيث عجزت السيارات هناك عن الوصول لحاقاً بالموكب الذي بدأ من بلدة بقعاتا بسيارات عاجزة عن الحراك. أما القادمون من حاصبيا وراشيا وجزين والبقاع الأوسط فقد رسموا لوحةً مميزة من الجهة الجنوبية للقصر.

ووسط هذا البحر الشعبي جاء وقع كلمات وليد جنبلاط مدوياً وكأنه يقلّب مع الناس صفحات النضال على مدى أربعين عاماً بعبارات وجدانية علت عليها يدٌ وسط التهليل بينما مسحت اليد الأخرى دموعاً ترجمت التفاعل مع أبعاد المناسبة والرسائل التي قرأها الجمهور بين كلمات رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الذي قال “منذ أربعين عاماً سار معي ثوار 58 ورافقتني العمامة البيضاء في أصعب الظروف ووقف الرجال الرجال في الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. ولولا جيش التحرير الشعبي- قوات الشهيد كمال جنبلاط لما كنا اليوم”.
ولقد أجاد كعادته رسم الصورة التشكيلية الفريدة بخطوط وألوان وسياسة ونهج المختارة بين النضال العربي والوطني والإنساني. حيث خاطب الخصم السياسي بمحبةٍ وتعالٍ عن الأحقاد مؤكداً مع الرفاق على طي صفحة الأمس بالتشديد على أهمية المصالحات وترسيخها مع الكاردينالين البطركين “صفير” و “الراعي”. وكم كان مؤثراً حين كرر عبارته “ادفنوا موتاكم وانهضوا وتابع:” كان قدري أن أحمل على كتفي عباءةً ملطخة بدم المعلم كمال جنبلاط ورفيقيه حافظ وفوزي ودم الأبرياء الذين سقطوا غدراً في ذلك النهار الأسود المشؤوم… مهما كبرت التضحيات من أجل السلم والحوار والمصالحة تبقى هذه التضحيات رخيصة أمام مغامرة العنف والدم والحرب..”


بالأمس كانت وقفته تاريخية، ولقد أكد فيها المؤكد بأن “فلسطين هي القضية والوصية” وبأن الحزب يحمل لبنان والإنسان قضية..بالأمس بلسمت الصورة البهية مشاعر المغتربين المؤيدين الذين شاركوا الحدث عبر النقل المباشر لموقع جريدة الأنباء الإلكترونية ومختلف وسائل الإعلام، وقد عبروا بتعليقاتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي عن توقهم للمشاركة وفخرهم بالمشاركين الذين طالبوهم بوضع الوردة عنهم على ضريح المعلم.بالأمس حملت هوية المعلم الممزقة وسيارته التي أصاباتها رصاصات الغدر مشهدية رمزية.بالأمس أطل علينا مناضلون من ثورة الـ58 والجيش الشعبي في مشهد يستعرض مراحل النضال. وكانت تصريحاتهم الإعلامية ذخراً للوفاء ونفحة حلم يتجدد. وكأنهم بعد نضالهم يرددون مع المعلم عبارته الشهيرة “نريد نخبة تقول للأجيال الصاعدة قمت بواجبي”.

بالأمس لم يكن مشهد بيعة ولا مشهد تبعية ولا بروتوكلاً للإقطاعية، بل ملحمة نضال ارتسمت بكوفية المعلم التي جمعت الرفاق بإصرار يؤكد أن هذا المد ليس وقفة درزية فحسب، بل وقفة وطنية حمل فيها المشاركون العلم اللبناني الى جانب الحزبي جنبا إلى جنب مع العمامة البيضا إلى جانب المشاركة اللافتة لمسؤولي الأحزاب والفاعليات لمختلف الأطياف والفرقاء من أهل السياسة اللبنانية.

بالأمس ذبلت الورود بيد حامليها تعباً من السير الطويل ثم انتعشت على ضريح المعلم  بعد أربعين عاماً على اغتياله جسداً ليؤكد حضوره الدائم شعلة ستتناقلها الأجيال..

بالأمس أكد المشاركون تأييدهم لخط ونهج الحزب التقدمي الإشتراكي بكل أبعاد التاريخ البعيد والقريب ومحطاته المفصلية..

بالأمس حمل تيمور جنبلاط الأمانة وهو الذي قال منذ أيام أن “الزعامة ليست وراثة بل جهد ومثابرة” ولقد أكد المشاركون بحضورهم كلمته بأن “لا أحد قادر على إلغائنا”..

بالأمس… ردد الأوفياء مع وليد وتيمور جنبلاط أن الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء.. وقالوا أكثر من مئة ألف “نعم” للمختارة…

(الأنباء)