الإشتراكيـــة فــي فكر الحزب التقــدمي الإشتراكــي

1 – حركة التطور التاريخي للنظـم الإجتماعيــة.

الإشتراكية هي نظام اجتماعي يقوم بشكل عام على الملكية العامة لوسائل الإنتاج, تظهر الى حيز الوجود على انقاض النمط الرأسمالي للإنتاج القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وعلى مبدأ استغلال الإنسان للإنسان.

ان المفهوم العلمي للإشتراكية جاء محصلة لحقبات مختلفة من التطور، سادت فيها أنماط اجتماعية وإنتاجية متمايزة قامت على أنقاض بعضها البعض وعلى نفي الواحد للأخر. كما كان لتطور وسائل الإنتاج والقوى المنتجة الدور الأساسي في عملية التحول من نظام الى آخر.

يتفق العلماء على تقسيم الحقبات والأنظمة التي عايشها التاريخ الى خمس أنماط:

أولاً: النمط البدائي المشاعي
لقد تميز هذا النظام بالمشاركة الجماعية في الإنتاج والتوزيع وبإستخدام وسائل انتاج بدائية جداً، تهدف الى تأمين المواد الإستهلاكية لأفراد الجماعة من أجل البقاء على قيد الحياة، وساد مبدأ الملكية المشاعية لكل الحاجات والأشياء (وقد أُكتشف حديثاً أن جماعات بدائية ما زالت تعيش حسب هذا النمط). ومن خلال العمل توصل الإنسان البدائي الى تحسين أدوات إنتاجه وإكتساب مهارات جديدة واكتشافات جديدة، مثل إكتشاف النار، وهو من أعظم الإكتشافات في التاريخ حيث بدّل أسلوب حياة الإنسان جذرياً (استخدام النار في الشوي ومن ثم في طبخ اللحوم، في تسييل المعادن وحماية الإنسان من البرد، مما دفعه الى الهجرة والتجوال) ونجم عن هذا التطور زيادة في تقسيم العمل وكذلك تخزين الإنتاج وتبادل البضاعة بين المجموعات وأخذ مفهوم التملك طابعاً جديداً متمايزاً بعد أن كان جماعياً وبدأت تنشب الصراعات والحروب بين المجموعات البشرية للإستيلاء على مخزون الأخرين من الإنتاج الغذائي وغيره ونتيجة هذه الحروب كان يتم ايضاً اسر جماعات بأكملها واستبعادها وتشغيلها لمصلحة اللآخرين.

ثانيــاً: النظام العبودي
قام هذا النظام على ملكية العبيد، فالعبد هو ملك سيده، له حق التصرف التام بشأنه. وانقسم المجتمع الى طبقتين، طبقة اسياد العبيد وهم أصحاب السلطة والحكام، ينصرفون لأمور الحرب والسياسة، والطبقة الأخرى، العبيد، يقومون بكافة الأعمال والأشغال، وقد ساد هذا النظام عند معظم الأمم (الإغريق ،الرومان، العرب . . . الخ).
ومن الطبيعي أن يكون الصراع بين هاتين الطبقتين حاداً وأن يشكل هذا النظام حائلاً دون عملية التطور وعائقاً امام نمو القوى المنتجة وتطلعات الإنسان المستبعد نحو الحرية، ويسجل التاريخ ثورات وتمردات عديدة على هذا الوضع الى أنْ إنهار هذا النظام أمام طموحات طبقات جديدة، ليحل مكانه النظام الإقطاعي.

ثالثــاً: النظام الإقطاعي
يقوم النظام الإقطاعي على ملكية الأرض ومن يعمل عليها مع فارق بهذا المجال عن النظام العبودي وهو تحريم قتل الإنسان، كما فسح في المجال لهؤلاء العمل لحسابهم أي ضمان الأرض والحصول على جزء من الإنتاج (نظام المرابعة التي بقي سائداً في لبنان مؤخراً).
وشكل النظام الإقطاعي نوعية جديدة وخطوة الى الأمام على طريق تحرير الإنسان ونمو القوى المنتجة وتطوروسائل الإنتاج وتوسع التجارة والإكتشافات، وخاصة بروز طبقة جديدة في رحم هذا النظام هي طبقة البرجوازية التي كانت آنذاك تطالب بحرية الفرد وبحرية التجارة والإنطلاق عبر الحدود لإيجاد اسواق لمنتجاتها، وبات النظام الإقطاعي يشكل عقبة أمام هذه القوى الجديدة الى أن تم تقويضه ابتداء من فرنسا (الثورة الفرنسية) التي تركت أثراً على معظم البلدان الأخرى، خاصة من خلال شعاراتها (حرية، مساواة، اخوة).

رابعـــاً: النظام الرأسمالي
يرتكز النظام الأسمالي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (ادوات الإنتاج، الأرض ورأس المال) التي تتجمع بأيدي قليلة من أفراد المجتمع وفي لبنان لا تزيد على 04/00 وهي تملك اكثر من 060/0 من الإنتاج القومي) ويقوم النظام الرأسمالي على قاعدة استغلال الإنسان للإنسان، ضارباً بشعارات الثورة الفرنسية عرض الحائط.
ومع النظام الرأسمالي برز النظام الإستعماري والنظام الإمبريالي للهيمنة على مقدرات الشعوب وثرواتها وتصاعدت وتيرة الحروب التدميرية من أجل اقتسام العالم (الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية بالإضافة الى الحروب المحلية التي تشعلها في أماكن مختلفة من العالم من أجل الحفاظ على مصالحها) ولا شك بأن العالم العربي عانى ولا يزال يعاني من النفوذ الإمبريالي خاصة من خلال الحركة الصهيونية والدولة الصهيونية.
بالرغم من أن هذه الأنظمة المتعاقبة أحدثت قفزات كبيرة نوعية في تطور البشرية من حيث الرقي والعمران والإختراعات والصناعة والزراعة والإنتاج وفي كل المجالات الحياتية لم تتمكن من حل مشكلة استغلال الإنسان للإنسان. إن التقدم الكبير للبشرية والمنجزات العظيمة على كافة الصعد كانت تتم على حساب وكاهل أكثرية الناس، خاصة الطبقات الكادحة، ولكن كانت الأقلية المسيطرة تقطف الثمار في النهاية وترمي القشور للغير.

خامســاً: الإشتـــراكيــة
أمام التعنت ألرأسمالي في إستغلال الطبقات الكادحة وتمايز الفروقات الإجتماعية والطبقية بين الأغنياء والفقراء وإنتشار حالة من البؤس بينها بدأت الجماعات العمالية تنظم نفسها وتطالب بحقوقها الطبيعية في العيش الكريم وتناضل من أجل المساواة وإزالة الغبن اللاحق بها. وبرز من يدعو الى نظام أفضل، بديل، وظهرت نظريات اشتراكية مختلفة وتوضحت أكثر فاكثر واتخذت منحاً علمياً على يد كارل ماركس وفريدريش انجلز مؤسساً الإشتراكية العلمية. وقد زودا الطبقات الكادحة بنظرية علمية وسلاح نظري – عملي لنضالهم من أجل تغير المجتمع الرأسمالي والإنتقال الى الإشتراكية.
وعلى أثر ذلك بدأت تتكون الأحزاب الإشتراكية في أوروبا بشكل خاص وتنتقل باشكال مختلفة الى أرجاء العالم، خاصة في النصف الثاني للقرن التاسع عشر. ومن جرّاء نضال الأحزاب الإشتراكية والعمالـــية تحقق للعمال الكثير من المطالب الحيــــاتية و من ضمانات اجتماعية وصحية وتقصير يوم العمل الى ثماني ساعات. . الخ وحصلت تمردات وثورات عمالية مختلفة منها قيام كومونة باريس في فرنسا عام 1871 التي لم تعمّر طويلاً نتيجة قمعها من قِبل الرجعية الأوروبية.
والحدث الأكبر في تاريخ الإشتراكية هو قيام ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى عام 1917 في روسيا، التي انهت الحكم القيصري – الرأسمالي في روسيا واعلنت القضاء على إستغلال الإنسان للإنسان.
ومع ثورة أكتوبر دخل جزء من العالم مرحلة جديدة هي عصر الإنتقال من النظام الرأسمالي الى النظام الإشتراكي على الصعيد العالمي، وقيام معسكرين متناقضين المعسكر الإمبريالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الإشتراكي التي يضم الدول الإشتراكية وكافة حركات التحرر في العالم من ناحية اخرى.

2 – أُسس الفكر الرأسمالي والإشتراكيـــة:

ينطلق الفكر الرأسمالي في المبادىء التي عبّر عنها ممثلو البرجوازية التي نشأت في أوروبا والتي حققت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ثورة ناجحة على النظام الإقطاعي والقيود التي كان يفرضها. لقد تركزت هذه الفلسفة على مواجهة أي تدخل للدولةودعت الى الإحترام الكامل للملكية الخاصة ولحرية النشاط الإقتصادي محرراًمن كل قيد تجاه الدولــة والمجتمع .
في مواجهة هذا الفكر الرأسمالي،ظهرت أفكار مضادة له تعبيراً عـن مصالح الفقراء والطبقة العاملة. فبرز الفكر الإشتراكي الذي رأى العلــة في الملكية الخاصة المطلقة لوسائل الإنتاج ودعا الى دور أكبر للدولة من أجل إنصاف العمال. وتدرجت هذه الأفكار من مذاهب مسالمة تدعو الى تحقيق الإصلاحات من طريق التفاهم الإجتماعي الى مذاهب أخرى تدعو الى فرض الحقوق بقوة القانون. وقد ذهب ماركس وانجلز الى منحى أكثر جذرية عند طرحهما نظرية الصراع التاريخي بين الطبقات وحتمية إنتصارالطبقة العاملة على البرجوازية مما يعني (حتمية إنتصار الإشتراكية العلمية).
في ظل الصراع الكبير بين هذه الأفكار والأنظمة التي قامت على أساسها،تظهر الإشتراكية الديمقراطية كمحاولة من جهة لتجاوز الإنفلات الكامل للرأسمالية وغياب العدالة في نظامها، ومن جهة لمواجهة مغالاة الشيوعية في القضاء على الملكية الخاصة وكبت الحريـــات. لكن الإشتراكية تبقى عنواناً عريضاً لمدارس فكرية تختلف في أكثرمن مسألة.

موقــــــع الإشتراكيــة فــي فكر الحزب:

حرص الحزب منذ نشأته على عدم الوقوع في أسر الأفكار الجامدة، وبخاصة في فكره الإقتصادي، لكنه عرض الخطوط الرئيسية التي ينبغي أن توجه كل تطبيق أو برنامج عملي.
وقد ركز من الأساس على التقدمية: (إن الحزب تقدمي بإعتبار أنه يتبنى نتاج العلم والتطورومستتبعاته العلمية في جميع الحقول) “الميثاق”. فإذا إستوعبنا المعطيات العلمية والتجارب البشرية،تجنبنا التحجر والسقوط في فخ المقولات الجاهزة.من هنا كان الفكر الإقتصادي للحزب،منذ إنطلاقته،فكراً مميزاً ومستنيراً.
“فالإشتراكية في الحزب ليست الكل بالكل بل هي نتيجة لتبني الحزب لفكرة التطور على إطلاقه، وبالتالي أخذه بنظرة شاملة ووصفية في الحياة والوجود على ضوء الإختبارالإنساني وعلى ضوء العلم – وهي نظرة قابلة للتحسين ولتبديل التفاصيل وبالتالي متسعة لكل محاولة تطورية وبنّاءة {الميثاق}.
الإشتراكية هي وسيلة تهدف الى تحقيق فكرة العدالة والأخوة الإنسانية من خلال تطبيقها للمبدأ الأساسي: (من كل أمرىء حسب قدراته، لكل امرئ حسب حاجاته ” أي أنه ستؤمن لكل فرد مشاركة فعلية ملائمة في ممتلكات المجتمع. ويتخطى الطرح التقدمي الإشتراكي الإشتراكية الإقتصادية البحث التي تعمل على التوفيق بين البطون الفارغة والمخازن الممتلئة. ويتأكد التلازم بين الطرح الإقتصادي وبين الديمقراطية الصحيحة وضرورة تأمين تفتح كامل متناسق للإنسان. وتبقى الغاية الاساسية بناء الانسان فالتركيز على الفرد هو ملازم لطرحنا الإشتراكي.

منطلقـــات نظـــرية أساســـية:

– المساواة الجوهرية في الحقوق والواجبات بين العناصر والجماعات التي يتكون من إئتلافها وإنسجامها في المجتمع كله والتنكر لأي فريق بين عناصر المجتمع.
– قيمة العمل البشري أياً كان نوعه (العمل هو شرعة ونبالة الحياة البشرية فمن يقدر ولا يعمل لا يحق له أن يأكل).
– المجتمع ليس مجموعة أفراد بل هو كل عضوي حيويته في تنوعه.
– ” إن المجتمع في كل مؤسساته- ومنها السياسية- ليس في ذاته غاية بل وسيلة الى بناء الإنسان. فالدولة تُقدس أو تلغى، تخصب مؤسساتها أوتعقم، بقدر ما تخدم أو لا تخدم هذا الإنسان”.
– يهدف الحزب الى توفير أكبر قسط عملي من العدل الإنساني وتحقيق أعلى حضارة ممكنة للمجتمع البشري.
– الحزب “يستهدف إيجاد حل نهائي وتطبيقي لمشكلة العمال وأرباب العمل يتفق مع فكرة العدالة والأخوة البشرية “.

مفهــــوم الملكـيـــــــة:

لقد أقر الحزب بالملكية الفردية وإعتبرها مرتكز حرية الفرد وحافزاً للمبادرة إلا أنه قيدها ودعا الى أن تصبح إجتماعية في جوهرها ووظيفتها وتوجهاتها. فهو يؤكد في الميثاق: “في المرحلة الحالية من تطور الجماعة تعتبر الملكية مرتكز حرية الفرد وطمأنينية وإستمراره وبقاء الأسرة وعامل إنتاج وحافز للمبادرة الشخصية على أن لا تكون علة تجميد أو تعقيم للثروة ولا أداة للطفيلية الإجتماعية والكسل، ولا عامل سلطة أو وسيلة ضغط وأن لا تتعارض مع مقتضيات التملك العمومي”.

يمكن تلخيص نظرية الحزب في نظام الملكية الإجتماعية بأنها تتضمن ثلاث أنواع :
أ – التملك العمومي أي تأمين جميع المؤسسات التي لها صفة عمومية أو لها أهمية خاصة في إقتصاديات البلاد .

ب- النظام التعاوني في مختلف فروع الإنتاج والإستهلاك وهو يوفق بين حرية المواطن وحاجات الجماعة. وإمكانيات التنظيم التعاوني مفتوحة، لاحدود لها.

ج‌- نظام الملكية الخاصة، على أن تكون هذه الملكية إجتماعية في جوهرها ووظيفتها. فثروة البلد أياً كان صاحبها خاضعة لحق الجماعة” ويمتنع كل شكل للملكية لا يتفق ومصلحة الجماعة ومصلحة الإقتصاد القومي وحقوق المستهلك والمواطن”. ويتبنى الحزب مبدأ مشاركة العمال في الإدارة والأرباح من خلال” جعل الشغيلة ذوي مصلحة في نجاح العمل بحيث تكون له أجرته أما الأرباح الصافية فتقسم لنسبة عادلة بين الرأسمالية واليد العاملة”.

وهكذا مع تأكيد الحزب أن التملك العام لوسائل الإنتاج وللخدمات الإجتماعية المهمة شرط من جملة شروط لقيام الإشتراكية فإنه يلحظ انه” سوف تدوم في المجتمع المقبل بعض أشكال الرأسمالية جنباً الى جنب مع الأنظمة الجماعية {أنظمة التملك العمومي} ألمتكاملة والأنظمة التي يطغى عليها طابع المشاركة. إلا أن هذه الرأسمالية سوف تكون جماعية في جوهرها وأطرها” {كمال جنبلاط-الديمقراطية الجديدة}

تطبيقــــات عملية للإشتــــراكية:

الى جانب المفهوم المتطور للملكية الجماعية، يترجم الفكر التقدمي عملياً عبر المستلزمات التالية:
– التخطيط الشامل : فالدولة مدعوة الى ضبط التطور الإقتصادي الإجتماعي ضمن خطة عامة تهدف الى تزاوج العدالة الإجتماعية والنموالإقتصادي “بإعتماد سياسة في الإقتصاد والمال تصميمية وتوجيهية”.
– توجيه الإنتاج بما يكفل تلبية حاجات الإنسان وليس كما هي الحال في الأنظمة الرأسمالية، في سبيل جني الأرباح.
– ضرورة إنهاء إستغلال الإنسان للإنسان وإلغاء الطفيليات الإقتصادية والمالية عبر وسائل متعددة منها:
أ – منع الأرباح الفاحشة وغير المبررة ومصادرتها، خاصة أرباح المضارب والمرآبي والوسيط.
ب- تقسيم الملكيات الزراعية الكبيرة وبيعها بالتقسيط من الفلاحين المرابعين وعمال الزراعة،والقضاء على نظام المرابعة.
ج – الحد بواسطة الضرائب من الدخل الفاحش.
د – مصادرة الأملاك العقارية والزراعية المهملة وتوزيعها ووضع ضريبة إرث تصاعدية.
ه – الإستغناء الى أقصى حد عن الضرائب غير المباشرة.
و – إنقاص ساعات العمل على مجموع العمال.

أهــم المبادىء التي توحي بإشتراكية الحزب:

1- التملك العمومي في حقلي الزراعة والصناعة وغيرها من حقول الإنتاج بتأميم جميع المؤسسات التي لها صفة عمومية وأهمية خاصة في إقتصاديات البلاد وحياتها الإجتماعية والسياسية ويعني الحزب بالتملك العمومي أن تصبح الدولة صاحبة الملك، فتملّك الدولة للمؤسسات الكبيرة والخطيرة التي لها أهميتها في الإقتصاد يحول دون الإحتكار والإستغلال ويمنع تكتلات الرساميل والأشخاص الرامية الى خنق حرية العمل والإتجار لمنفعة خاصة.

2- إعتماد النظام التعاوني الإشتراكي في جميع حقول الإنتاج والإستهلاك وسيعمد الحزب لتأسيس تعاونيات للإستهلاك وللإنتاج الصناعي والزراعي. فالنظام التعاوني بنظر الحزب هو نظام إنساني تقدمي يحقق مصلحة رب العمل والعامل والمنتج والمستهلك ومصلحة الجماعة والفرد في آن واحد.

3- كل مواطن ملاّك : ففي حقل الزراعة مثلاً الملكية التي يعنيها الحزب هي الملكية الصغيرة التي يقصد إنمائها وتقسيمها على الجميع.فمساحات الأراضي الزراعية تكفي لجميع المواطنين إذا توزعت بينهم على أساس العدالة والجدوى في الإنتاج فلا تعود تحصر هذه المساحات في أيدي الفلاحين الكبار ويصبح بذلك كل مواطن ملاّك في حقل الزراعة. بتصفية أملاك الدولة الخاصة ومصادرة الأملاك العقارية والزراعية المهملة وتوزيعها ووضع ضريبة أرث تصاعدية تجعل في الواقع حد أقصى للملكية الفردية.

أما في الصناعة فيصبح كل مواطن ملاّك وكل عامل ملاّك يجعل الشغيلة ذوي مصلحة في نجاح العمل وخاصة في المساهمة في الربح. فالعامل شريك رب العمل بحيث تكون له أجرته، أما الأرباح الصافية فتنقسم وفقاً لنسبة عادلة بين الرأسمال واليد العاملة. فالحزب التقدمي الإشتراكي يضمن لنا شرف العمل وشرف الخدمة وشرف الحياة. فهو يريد أن يتساوى العامل وصاحب العمل في الحقوق وهو أمر لم يتحقق في النظام السوفياتي حيث يعمل المواطن ويكدح لمصلحة غيره أي لمصلحة الدولة وموظفيها.

4-لا بطالة في المجتمع التقدمي الإشتراكي
في ظل النظام الرأسمالي البطالة فاغرة أفواهها للقضاء على الألوف من المساكين. فالوف العمال يلحون في طلب الإستخدام ولا يجدون للعمل سبيلاّ فالبطالة في المجتمع الرأسمالي مصدرها عدم الإقتصاد وتعقيم الرأسمال وتكديس الأرباح. وهدف الإنتاج الرأسمالي الربح لا الحاجة فيتتج الصناعيون ما لا طاقة للأسواق بإستهلاكه فتقع الأزمة ويذهب ضحيتها رب العمل والعمال. وفي ظل النظام التقدمي يتوفر العمل للجميع إنطلاقاً من مبدأ العمل شرعة الحياة ونبالتها والشرط الجوهري لإمكانية الإنتاج والجدوى في المجتمع فمن يقدر ولا يعمل لا يحق لة أن يأكل.

5- الطمأنينة الإجتماعية
يكون الوطن بلداً سعيداً فيكون للمواطن حق التعليم وحق التأمين على الغد من الشيخوخة والتعطل والمرض والتعب ويكفل ذلك ضمان إجتماعي للجميع. ففي الأنظمة التقدمية الإشتراكية يتحرر العامل والفلاح والقوى الشعبية من الخوف في ضل هذا النظام الرأسمالي، فلا خوف من غد مجهول ولا من طارىء أو مرض أو تعطل يقطع على المواطن مورد الرزق، ولا خوف من عزلة الشيخوخة وأزمة الفقر. فالضمانات الإجتماعية تتحقق في كافة الحقول.

6- لاطبقيـــــة في المجتمع التقدمي الإشتراكــــي
في المجتمع التقدمي الإشتراكي ينصهر الشعب في وحدة إجتماعية واحدة وتامة تكون فيها قيمة الشخص المنبثقة عن المعرفة مرتكز جميع انواع النشاط الفردي والقومي والحكومي. فنظام الطبقات في المجتمع وما يفرضة من تناحروإستغلال وطغيان فئة على فئة هو في الواقع من نتائج النظام الرأسمالي ألإقتصادي القائم وعندما يزول هذا النظام الذي يوزع الثروة وملكيتها توزيعاً غير عادلاً بين الأفراد تزول في الوقت نفسه الطبقية والإقطاعية والبرجوازية المالية المسيطرة. فالحزب يهدف الى بناء مجتمع تزول فيه الطبقات والروح الطبقية وتزول فيه إمكانية إستغلال الناس للناس. ففي المجتمع التقدمي الإشتراكي يكون للشخصية البشرية قيمتها وللعمل قيمته. فمن يقدر ولا يعمل لا يحق له أن يأكل.ويعتبر المجتمع ليس مجموعة أفراد بل كلاً عضوياً حيويته في تنوعه لكل عمل فيه كرامته ولا تفضّل مهنة على مهنة الا في تأمين إنتظام المجتمع وترقيته نحو الكمال في ظل الدولة الإشتراكية.

7- المجتمع التقدمي الإشتراكي هو مجتمع الكفاية والعدالة:
الكفاية تعني الرد الشامل على حاجات جميع المواطنين أي أن لا يبقى واحداً دون أن يتوصل الى مستوى المعيشة المادية والمعنوية التي تؤمن له اشباع حاجات عيشه الأساسية. فالانسان خُلق ليكون إنسانً سعيداً متحضراً في أعماقه لا ليكون آلة أخرى حديدية تتلاعب بها أيدي سائر الألات التي إخترعها بنو البشر.
أما العدل فينبغي أن يتحقق في الإنتاج وفي الإستهلاك وفي الخدمات الإجتماعية. ففي ألإنتاج العامل شريك رب العمل ويكون العدل في الخدمات الإجتماعية باعتبارها وظيفة اجتماعية يجب أن تشمل الجميع. وفي توزيع سلع الإنتاج تكون العدالة في إعتماد مبدأ التوزيع على أساس الكفاءة والحاجة في آن واحد. فالإعتبارات الإنسانية المحض ومقياس العدالة البديهي يقضي بأن يتوصل كل عضو من أعضاء المجتمع الى تأمين مستوى من العيش يليق به ويضمن تفتح مواهبه.
أما مبدأ الكفاءة فهو تتميم مفهوم العدالة وإستكمال تحققه فيما هو عليه تنوع المواهب وإختلافها بين البشر. وبذلك يبتعد الحزب عن فكرة المساواة الحسابية الغوغائية التي لا تحترم شخصية الفرد والتي تقف حائلاً دون إمكانية إنتفاع المجتمع به وتفسح المجال لقيام الأنظمة الكلية المرهقة. فمفهوم الحزب للمساواة ينطلق من مبدأ المساواة العضوية أو الوظيفة فيأخذ بعين الإعتبار التفاوت الطبيعي في الموهبة والقدرة والكفاءة والأخلاق هذا التفاوت الطبيعي الذي هو الثابت في واقع الحال، فمن العدل أن يحصل الجزء الذي ينفع الكل على نصيب أكبر من غيره بالنسبة الى تفوقه الطبيعي.فالحزب يتنكر في هذا المجال كما في المجال السياسي لأي فكرة مساواة حسابية كما برزت في بعض مفاهيم الديمقراطية الغربية التي تتنكر لواقع الإنسان وطبيعته من حيث التفاوت واللامساواة في قدراتها الطبيعية الموروثة.

المبــــادىء الجوهريـــة للإشتـــراكـــية:

الإشتراكية هي القالب الإقتصادي للتقدمية الجماعية. هي ليست الكل بالكل كما في الماركسية. بل هي نتيجة تبني الجزء لفكرة التطور على إطلاقه وإنعكاسه في المجتمع قيم عدالة وتضامن وأخوّة ومساواة ولا تنفصل ميزة او صفة منها عن الأخرى. فمجتمع الكفاية والعدل الحضاري هو مجتمعنا.

فالإشتراكية تعتمـــد على ستة أسس:

1- التوجيه لا الحرية المطلقة في حقل الإجتماع والسياسة والدولة.
وهذا التوجيه يعني تصميم الأهداف وتصميم النهج أي التخطيط للوصول الى الهدف. وبذلك يخرج المواطن من فرديته وأنانيته ومسلكه المنغلق الى إنفتاح العمل المشترك وروحية التعاون والتضامن لمواجهة المصير المشترك. وبذلك لا تزول النزعة الفردية لكل تفكيرأو عمل بل نتوجه الى الخير العام وتتكامل فيه.
2- إعتماد وتطبيق مبدأ الإنتاج على أساس الحاجة لا على أساس الربح وهكذا فإن رغبة المواطن بأن يعمل لأجل نفسه وعياله تتجه وتتكامل في رغبته الإجتماعية بأن يعمل لأجل الأخرين وتلبية حاجاتهم.
3- جعل وسائل الإنتاج والتمويل والتسليف في حقل الزراعة والصناعة والحرف والخدمات والمصارف وسيلة إجتماعية للإنتاج لا رسائل فردية فقط للعيش. وذلك بتطبيق مبادىء للتملك العمومي أو التملك الإجتماعي وتحقيق تعاونيات الإنتاج وإشراك الدولة وسواها من أشكال التوجيه الإجتماعي للإنتاج ولكن مع الإحتفاظ بحقول واسعة في الإقتصاد تبقى من إختصاص المواطن المباشر ذاته لعدم أهمية هذا النشاط كالملكية الزراعية الصغيرة وبيع الفرق والحرف.
4- إعتماد العمل أساساً للإنتاج ومركزاً للدخل فلا دخل لا يقابله عمل. وبذلك نبعد آفة الكسل والطفيلية والإستنمار والإستغلال عن المجتمع، وتطبيق هذا المبدأ يقضي على نزعة إستثمار الإنسان لأخيه الإنسان.
5- إعتماد قاعدة توزيع اللإنتاج على المستهلكين وفق قاعدة الإستهلاك والحاجة وقد إعتمد الحزب مبدأ الحاجة في توزيع الإستهلاك وفق نظرة إنسانية شمولية تتضمن الحاجات الأساسية للمواطن.
6- تنفيذ الضمانات الإجتماعية الشاملة في حقل السكن والعلم، العيش والمرض والعجز وغيرها. وجعل جميع الخدمات الإجتماعية وظائف إجتماعية شاملة تخرج عن نطاق الإستغلال.
هذه المبادىء تشكل جوهر كل إشتراكية ينبوعها الأصلي العدالة.

تحقيق التقدمـــية الإشتـــــــراكيـــــــــة :

تتحقق التقدمية الإشتراكية في الأنظمة بالتحرر من الأنظمة الفاسدة التي تسيطر على المجتمع وعلى الإقتصاد والتي تتصف بالفوضى والظلم وبتحكم الإنسان بمصير الإنسان وبإحتكار فئة معينة لموارد الثروة العامة وحصرها للنفوذ والزعامة التي على غير كفاءة وغير حق.
فالحزب التقدمي الإشتراكي يهدف الى هدم هذه البنى الفاسدة وهدم المؤسسات الرأسمالية والفردية وإستبدالها بمؤسسات تقدمية إشتراكية تحقق خير المواطن وخير الجماعة في آن واحد وتؤمن العدل والمساواة في إمتلاك الثروة وفي إستثمار وسائل الإنتاج وفي توزيعها وترفع عن الإنسان تبعه أخيه الإنسان الغير مشروعة وترفع مستواه العلمي والنقابي فيصبح المواطن إنسانا ًمسؤولاً حـراً بكل ما في هذه الإنسانية من تفتح ومن وعي وتحرر ومن سمو ومن حياة شخصية ومجتمعية عامرة بالإمكانيات وهذا الإقتصاد التقدمي الإشتراكي يجسد فكرة العدالة والأخوّة والمساواة على قاعدة توفير إمكانيات التفتح والحرية والرقي للفرد والمجتمع.

فالإشتراكية لا تتحقق إلا بروحيتها التقدمية التي تعتمد الأسس التـــالية:

1- الإنفتاح الكلي للتطور وتفهم نزعاته على شمولها وإطلاقها فتنهزم فينا المفاهيم الضيقة للحياة وينهزم الشعور الخفي بالنقص والإنهزام وتنهزم التصورات الرجعية وتسود بالمقابل نزعات الخير والحرية والمحبة والقوة.
2- الشعور المتزايد بأننا نحيا للمجتمع وللإنسانية. فالخدمة الإنسانية والإجتماعية واجب علينا. والتضحية بذاتنا فرض كل دقيقة نحياها.
3- الثقة المتزايدة فينا بالإنسان وبمصير الإنسان وبمصير الحياة، والحزب يعتبر التشاؤم والخوف رذيلة إنسانية كبرى فالحياة إنتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء.
4- الشعور بالفرح الداخلي العميق المسيطر على جميع مشاعرنا والناجم عن إنسجامنا في تيار الحياة الزاهر والخلاّق فالفرح يبشّر بنجاح الحياة وتقدمها وإنتصارها.

5- الإشتراكية في الحزب ليست في الماركسية:(الكل بالكل) لأن الإنسان علاوة على أنه كائن إقتصادي، هو كائن إجتماعي وكائن نفسي يجب أن لا نتنكر لأحد مظاهره. فالإشتراكية هي نتيجة تبني الحزب لفكرة التطور على الإطلاق . فالاشتراكية تعني الإشتراك العادل في الثروة العامة أي الثروة المادية والفكرية وتعني الإشتراك في جميع الأرباح . فالأرباح ووسائل الإنتاج من حق الجماعة وموارد الكون ليست وقفاً على أحد دون سواه. فالحزب يريد أن يرفع عن الإنسان سيطرة أخيه الإنسان غير المشروعة وأن يحررة من إستغلال الشركات والعناصر الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد وفي السياسة وفي المجتمع.

لمــاذا أنــا إشتــــراكــــي:

– لأنني أحب العدل وألآخــاء والحريـــة.

– لأنني أشعر ان عدلت مع غيري فكأنني عدلت مع نفسي ، وإن ظلمت غيري ظلمت نفسي.

– لأنني أنزع الى التوافق مع الجميع والإنسجام الشامل كاللحن الذي لا يتم إلا إذا تحققت هذه التسويات والموازنات والأنغام المختلفة التي تكونه.

– أنــا إشتراكي لأنني أعتقد أن العمل بدون رأسمال لا يقوم. والعمل ذاته المدخر في قوى الطبيعة وفي زند الفرد هو الرأسمال. والرأسمال يظل مجرد طاقة الى أن يتحول الى عمل. فالعمل لا يمكن أن ينفصل عن الرأسمال ولولا الرأسمال لما كان العمل. والعمل ذاته تحقق للرأسمال الذي هو إمكانية الإنتاج المدخرة. ولكن الطبقية، طبقية العامل ورب العمل هي التي فصلت وميزت بين الرأسمال وبين العمل، وهل يفصل الإنسان عن فكره وجسده وماله في نطاق العمل؟
إن هدف الحزب ليس في إستثمار الطبقية وإستخدامها نهجاً بل في محو الطبقية لأن الصراع التاريخي بين الطبقات والذي إستنفذ قوى العنصر البشري في خلافات ونزاعات مستمرة يجب أن يزول. وهذا لا يتم إلا إذا صهرنا ألأفراد والجماعات وحدة إجتماعية مستقرة واعية لمصيرها تستند الى قوى التطور.

– أنــا إشتراكي لأنني أؤمن بأن الشر كل الشر (الخطيئة الأولى في النظم الشيوعية) هو في الفصل الإعتباطي بين الرأسمال وبين العمل. هذا الفصل الذي كرّس أفضلية فئة على فئة في هذا النظام أو ذاك أنا إشتراكي لأنني أؤمن بضرورة التوحيد بين العمل وبين الرأسمال بإعتبارها عناصر لا يمكن طبيعياً وعفوياً أن ينفصل بعضها عن بعض.

– أنــــا إشتراكي لأنني أعتقد أن الإشتراكية روحية يجب أن تتحقق في النفوس قبل تحقيقها في الأنظمة وفي المؤسسات والنصوص.