“الانباء” تعيد نشر آخر مقال كتبه كمال جنبلاط قبل استشهاده … “رب اشهد انني بلغت”

صبيحة 16 أذار 1977 كان المعلم الشهيد كمال جنبلاط قد اعد مقالا ليكون افتتاحية لعدد “لم يصدر” حينها من مجلة الانباء، الا ان القدر شاء ان يرحل في ذلك اليوم تاركا رغيفه في قصر المختارة وخميرته في قلوب آلاف محبيه.

“الانباء” تعيد نشر المقال الاخير الذي كتبه كمال جنبلاط قبل استشهاده وفي ما يلي النص الحر للمقال:

الاصلاح هذه المرة – ونعني اصلاح النظام السياسي واصلاح النظام الاقتصادي-  يجب ان يكون جذرياً والا تسبب لنا في المستقبل القريب اوالقريب او الوسيط بنتائج المحن والويلات ذاتها.

ونعني بالاصلاح السياسي، البرنامج المرحلي الذي وضعه الحزب التقدمي الاشتراكي واقرته الاحزاب المنضوية فيما اسموه بالحركة الوطنية. وحيث ان هذا البرنامج هو الوحيد على صعيد الفكر السياسي اللبناني فيجب ان يعتنقه ويؤيده جميع رجال السياسة من الصف الوطني ومن الزعماء التقليدين والمتجددين ليكون للجميع، جميع المطالبين بالإصلاح السياسي مبادىء واحدة ومجرى واحداً في الطلب فيستطيعون ان يواجهوا الفريق الاخر بصف متوحد، وباهداف واحدة، ويتمكنوا، آنذاك، من انتزاع حقوقهم اي: حقوق هذا الشعب الوطني ويحصلوا على ما يهدفون اليه.

لانه يجب الاعتراف بكل بكل تواضع ولكن بكل صوابية، انه خارج  الحركة الوطنية لا يوجد فكر سياسي متناسق وواضح، اي خارج البرنامج الذي وضعه الحزب التقدمي الاشتراكي وايدته جميع الاحزاب. من هنا تنطلق الجبهة  العريضة الحقيقية لان الناس لا يجتمعون على مطالبة الا اذا توحدت آراؤهم وتلاقت اهدافهم.

اننا نناشد جميع اخواننا الزعماء السياسيين في بيروت وفي طرابلس وفي بعلبك وفي الجبل وفي الجنوب وفي البقاع والشمال. بان يدعوا جانبا عنعناتهم وتحزباتهم وارادة الظهور، وان يلتقوا معنا على رأي واحد وعلى نهج واحد. لان تضحيات هذا الشعب كانت جسيمة جدا، لا تقل عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وحرام علينا جميعا ان ندع هذه التضحيات تذهب عبثا وتحصل سدى. فكما وحد الفريق الآخر جبهته فعلى الفريق الوطني ان يوحد جبهته بدوره، وفي اسرع وقت ممكن، والا ضاعت منا جميعا ثمرة هذا النضال الذي كان للحزب التقدمي الاشتراكي ولاحزاب لبنان وشخصياته الوطنية ان خاضته بدون تحفظ وبدون خشية، لاجل تقويم الاعوجاج القائم في المؤسسات والغاء جميع الامتيازات ولنترك جانبا جميع ما تعودناه من مناهج خاصة لبعض السياسيين والتقاءات ومراضاة واستدراج وتوسلات ونداءات ومناشدة على الطريقة التقليدية القديمة غير الذات جدوى، وليثق بنا هؤلاء الزعماء وهذه الشخصيات الوطنية، وليثقوا بنهجنا وبأفكارنا السياسية، فنستطيع ان نحقق لهم ما لن يتمكنوا بواسطة اساليبهم القديمة ان يحققوه.

فالى الطريق الواحد، ايها الاخوان، والى المنهج الواحد، والى البرنامج الواحد، والى الجبهة العريضة الوحدة، ولكن البداية والمنطلق هو الالتقاء على برنامج الحركة الوطنية للاصلاح السياسي. فليكن لنا جميعا شيء من التواضع، فنقبل بان نتبنى افكار بعضنا البعض وآراء بعضنا البعض، ونبتعد عن الحساسيات الشخصية، ولو كان هناك برنامج واحد لزعيم سياسي واحد يصيب الهدف ويقصد الاصلاح لكنا نحنا قبلنا به، ولكننا، ويا للاسف، امام فراغ…..  اذا ما استثنينا برنامج الحركة الوطنية!

اننا نشدد على هذا اللقاء  في تأييد برنامج الحركة الوطنية السياسي.  وان ارواح شهدائنا ونضال ابطالنا وآلام جرحانا ستقتص من كل من يتصرف على رأسه وينصاع لحساسياته ويرفض القبول بهذا البرنامج السياسي الموجود وحده في الميدان  كوجود “حديدان”.

وبعد، فان نصحنا فعن اخلاص، وعن رؤية واضحة للامور، وان انذرنا فعن اخلاص لاننا نرى الأشياء كما هي. ولا نرى الثعلب نمرا ولا النمر ثعلبا. انما الموضوعية هي التي تفرض علينا هذا القول وهذا الموقف والتجرد رائدنا فليس لدينا في كل ذلك أية غاية شخصية او حزبية .

رب اشهد انني بلغت.

(الأنباء)