حين ينتصر المعلم كمال جنبلاط على طواغيت العصر / بقلم عارف مغامس

كان الزمان رمادا، حين اخترق الغدر جبينه، ارتجت سماء، اهتز محور الارض، اختل ميزان العدل،مال الحق ناحية الغروب،خسر الكون جاذبية الفكر، قابلية العقل الرشيد، همى دمع غيم تكثف فوق هضاب النور الشفيف، شق سيف الحزن نبض المدى الكليم، سأل الشجر ما الخبر؟ بكى السحاب جداول، عاكست ريح مواثيق القدر. قتلوه! اغتالوه! حاولوا قتل خوفهم، رشقوه حقدا رصاصا، رشقتهم سماوات سبع بحجارة سجيل، بلغتهم حمائم بيض هنا الى جانب الرفيق الأعلى يرقبكم كمال. ينتصر على الرصاص، على طواغيت الإثم والجريمة، والتآمر المقيت، حيث صارت العروبة لهم فتات وليمة.

كان المكان سرابا، حين ابتلع الماء زحف العشب الغاضب، حينها خرجت سنابل الخبز من أقاصي الروح تحرث خرائط التراب الدامي، نبت عشب على وسادة القمر، حين غاب ذاك الشعاع، غادر النبع الغائر في البساتين، تقرمد الزرع ، تسمر حينها الزمن، تقلد الكون وشاح الحزن. بكته العصافير والورود، هرول ماء الفصول، عبثا يبحث عن كلمة السر!. رجل بحجم كمال جنبلاط كيف قتلوه؟. كيف تجرأ الرصاص على ذلك القلب وذياك العقل؟.

كمال جنبلاط!
صاعدا كنت إلى السماء حين استوقفك كمين غدرهم ذات صباح، أمطروك بوابل رصاصهم المسموم، حاول بعثهم أن يعبث بجسدك النوراني المكتمل الرجولة، وهم عبثا يحاولون ثنيك عن حلمك الكبير، أدمتهم عيناك، كوكبان طالعان من غسق التكوين، قرأوا في تقاسيم وجهك الأبدي نهايتهم، ذعروا، تركوك مضرجا بالدم، مسكونا بالجرح، فروا ليصل البريد سريعا، قتلنا كمال، وصلت رسالة السماء قبل ان تصل تلك الرصاصات الى نبوءة الفكر، قالت :إلتحفني كي أسكن معك، مرّر على جبيني بعض ضوئك النقي، اجعلني سماءا أخرى في فضاء سماءاتك التي اكملت دورتها خارج المدار، قل لي ماذا فعلوا؟.
صاعدا كنت، لم توقفك بضع رصاصات، قرأ الغيم تفاصيل عطرك، تشّرب نسغ البحر، امطرت سماء، كانت شاهدة على القتل يبست عروقهم تقرمدت اجسادهم، تفتح فيك الربيع، لم تمت ما زلت تحرث الغيم لتصنع للحالم بالقمح رغيف التعب، لتخلق زمنا آخر للقتل، نعم، فبعدك بات القتل تصفية للجسد، استباحوا الوطن، امتد ربيعك الأزلي تماهى بربيع الرفيق يوم قتلوه قبالة البحر هناك، قالت الارض مهلا خذ بذاري معك، أغرس في جسد الغيم من قمحك الدائم واطلق خيول الريح، لنولد من جديد.
ماذا يقول التاريخ فيك في السادس عشر من آذار؟ ما أقسى أن يذهل التاريخ ! ما أمر أن تقف اللغة خجولة في لحظة حسم!، لكنك كتبت سطرك الاخير بدمك الحامي الذي يدمي اليوم عروشهم وهي تنهدّ جاثية تحت قدميك،وتحت اقدام الاحرار. وانت في برجك السمائي في نورك العلوي تراقب نهر الثورة، يسير نحو مصبه الاخير وان تعثّر في المنحدرات، لكن الدم عصي على التقهقر مها رفعت سواتر ومهما جثا الليل على صدر الثوار، نبوءتك تجعلهم يتقنون فن الانتظار على مرافىء الوجع، وفن الانتصار على الجلادين الغدارين ، وتنسى انت يا كمال جنبلاط أن تموت.

(الأنباء)