تبقى أنوار المعرفة والحريّة بعد رحيلك

د. محمود صافي 

فكرك ومبادؤك أيّها المعلم كمال جنبلاط ما أحوجنا اليها في ذكرى رحيلك ال 40، والبلاد تعيش أدق مراحلها التاريخيّة، وفي الداخل ضد مشروع الهيمنة والامتيازات الطائفيّة والمذهبيّة، وتداخلات من هنا وهناك.

وماذا أقول يا معلّم الأجيال عمّا يجري في الدول العربيّة المتنافرة المتناحرة المتقاتلة؟! إنّ الذي جرى ويجري في العراق أطاح بحكم حزب البعث الشمولي وأعدم صدام حسين وحلّ مكانه من شخصيات متنوّعة مذهبيًّا والاقتتال دائراً، نخشى أن يكون ذاهبًا نحو التقسيم؟! وبسرعة أكتب إليك دون تفصيل: الرئيس حسني مبارك ذهب من الحكم بثورة شعبيّة سلميّة، ونظام معمّر القذّافي ذهب بثورة شعبيّة مسلّحة مدعومة من الحلف الأطلسي وأعدم معمّر، وفي اليمن ثورة مسلّحة وانقسامات في الجيش وصراع قبائل كما كنت تصفهم كل عربي معشّش في صدره بدوي، وفي تونس ثورة شعبيّة أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، والسودان أصبحت دولتين في الشمال والجنوب. وفي سوريا الدم يجري ما بين نظام البعث الشمولي والشعب السوري المعارض؟…وانكسر جدار الخوف عند الشعوب العربيّة وانهار السجن العربي الكبير الذي رفضت أن تدخل فيه، وتحقّقت نبوءتك. وشعب فلسطين حصل على دويلة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وما زالت الانقسامات ما بين فتح في الضفّة وحماس الأصوليّة في غزّة، وإسرائيل ما زالت تتغطرس كعادتها… وكما أخبرك أن جدار برلين قد انهار أمام الألمانيّتين وتوحّدت، والحزب الشيوعي السوڤياتي انهار وعادت روسيا إلى سابق هياكلها تقريبًا.

وعرفناك أيّها المعلم كم أعطيت من وقتك حتى الرمق الأخير من أجل قضيّة الشعب الفلسطيني والشعوب العربيّة والأفريقيّة، ونؤكد ديمومة فكرك المشرق وانتصاره في رحيلك كما في حياتك، واليوم تتجلّى بيننا قيادتك ممثّلة (بالوليد) باكتسابها رؤيتك التاريخيّة، والأبعاد الشموليّة لقد سقطت في اليسار واليمين كما عبر قائد نضالنا (الوليد)، وأنت لم تدخر وسعًا في خدمة قضايا الوطن، فقدّمت حياتك دفاعًا عن شعب فلسطين وعن عروبة لبنان ووحدته وسيادته من أجل إقامة حكم وطني ديمقراطي في إطار نظام علماني تنسكب فيه كل الأديان والمذاهب وتبقى الروحانيّة وجدان محبّة الشعب على مختلف أبنائه، ليصبح هو النظام المسيحي والإسلامي الذي تتحقق فيه المساواة والأخوة الصادقة، وتنتفي التعصّب والتفرقة والمشاحنات والتمييز. إنّ مبادئك أيّها المعلّم باقية في عقولنا وضمائرنا وفي ضلوع هذه الأرض الطيّبة التي تعاني اليوم منذ رحيلك عنّا، وأنت معنا باق في مناهل الحياة. وليعود لبنان ويجلي في محيطه العربي، وليسمح لي من يريد أن يقرأ أن أعيد كتابة المبادئ التي أعلنتها في وثيقة خطيّة لخروج شعب لبنان ودولة لبنان من المحنة التي ما زال يعيشها. وهذه الوثيقة أعلنتها في 24/6/1975 واضعًا أسس بناء الدولة من 14 مادة وهي ما زالت صالحة لإعادة المصالحة واللحمة بين الأطراف المتنازعة وهذا نصّها:

  • لبنان بلد عربي شعبًا ودولةً.
  • لبنان الموحّد بأرضه وكيانه السياسي، ورفضه كل سعي للتقسيم أو التجزئة الطائفيّة.
  • التمسّك بمبدأ المشاركة الشعبيّة الشاملة للفئات المحرومة وإلغاء الإمتيازات على جميع الأصعدة.
  • ضرورة تعديل النظام السياسي بما يناسب مع تحديث المؤسسات وتأمين المشاركة دون تميز طائفي أو ديني.
  • الإلتزام المبدئي والعملي بحريّة الإعتقاد والفكر والنهج الديمقراطي السلمي بعيدًا عن الإرهاب ولغة العنف والميليشيات.
  • رفض فكرة الأوطان المختارة.
  • رفض النظام العسكري لتأليف الأحزاب ورفض الإرهاب المسلّح.
  • الإلتزام المبدئي والعملي بعدم حماية الإحتكارات الإقتصاديّة بعدم الدفاع عن نظام الرأسماليّة الحرّة.
  • العزوف عن المخاطبة الطائفيّة.
  • الإقلاع عن إرهاب جمهور المسيحيين الوطنيين والمسلمين.
  • الإلتزام بشعور المساواة والأخوة والإنسانيّة بالنسبة للعرب والأغراب في لبنان.
  • المطلوب الإعتذار عما حصل من أحداث دامية وجرائم بشعة.
  • على رئيس الكتائب ومكتبه السياسي إعلان الإستعداد للإلتزام بحكم القانون.
  • اعتبار وضع الثورة الفلسطينيّة منبثقًا من واجب الضيافة العربيّة اللبنانيّة وتكريسًا باعتراف الدول العربيّة بالدولة الفلسطينيّة على مثال الحكومات الشرعيّة في المنفى.

وفي كل هذه التغيّرات يبقى فكر ومبادئ المعلّم كمال جنبلاط نبراسًا يقتدى به حتى لزمن آتي غير هذا الزمن. ونأمل للوليد أن يبقى نجمه لامعًا في الوطن وخارجه طالما في الأرض ظالم وطاغية ومظلوم.