“مؤسسة كمال جنبلاط الإجتماعية” تحيي الذكرى الأربعين لاستشهاده في بتخنيه

 

بتخنيه- الأنباء

أقامت اللجنة الثقافية في مؤسسة كمال جنبلاط الإجتماعية ندوة بعنوان “الثوابت في فكر المعلم كمال جنبلاط”، تحدث فيها كل من عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية الدكتور كميل حبيب، رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابوالمنى ورئيس اللجنة الثقافية لمؤسسة كمال جنبلاط الإجتماعية المربي الأديب كمال سري الدين، وذلك في المركز الإجتماعي لرابطة آل ابوالحسن في بلدة بتخنيه (المتن الأعلى).

وحضر الندوة رئيس الأركان السابق في الجيش اللبناني اللواء شوقي المصري، قاضي المذهب الشيخ غاندي مكارم، رئيس إتحاد بلديات المتن مروان صالحة ورئيس رابطة مخاتير بعبدا جورج رزق الله، مفوض الداخلية في التقدمي هادي أبوالحسن، ووكيل داخلية المتن عصام المصري، رئيس الحركة اليسارية اللبنانية منير بركات، منسق القوات اللبنانية في قضاء بعبدا جان أنطون وممثل الحزب الديمقراطي اللبناني باسم زيدان، فاعليات حزبية، وأمنية وعسكرية، أعضاء مجلس قيادة في التقدمي وأعضاء في المجلس المذهبي وفي مؤسسة كمال جنبلاط الإجتماعية ومجلس أمناء مستشفى الجبل، رؤساء وأعضاء المجالس البلدية، المخاتير، رؤساء جمعيات، أندية وروابط وكوادر من المؤسسات الرديفة في الاتحاد النسائي، الكشاف، ومنظمة الشباب التقدمي وجمع من الأهالي والمناصرين.

IMG_٢٠١٧٠٣١٢_١١٢٧٢٦

بعد النشيد الوطني، دقيقة صمت تكريما لروح المعلم الشهيد ولأرواح الشهداء.

IMG_٢٠١٧٠٣١٢_١١٢٨٣١

ثم تحدث معرفا المربي سلطان أبو الحسن الذي رحب بالحضور قائلاً: “في هذه الندوة الغنية بمحاضريها وحضوركم نتحدث إلى المعلم الشهيد كمال جنبلاط الحي فينا دائما، ونقولُ له إننا على العهد والوعد والقسم باقون لإكمال المسيرة التي خطّها في المفاهيم التي رسخها وفي الثوابت التي أرساها، وفي رسالة القسم التقدمي المستمر والسلام الإنساني المنشود، ونؤكد أن المسيرة المعمّدة بدماء الشهداء والتضحيات الجسام من أجل الإنسان ولبنان مستمرة بقيادة راعي العمل الوطني وحافظ الأمانة القائد وليد جنبلاط”.

IMG_٢٠١٧٠٣١٢_١١٢٨٥١

حبيب

واستهل عميد كلية الحقوق الدكتور كميل حبيب كلمته قائلاً: “لا أخفيكم سرّاً إنني تهيبّت المقال والمقام فكيف يتوصّل أي كان الى الإحاطة بتراث مفكّر وثائر وأستاذ جامعي وشاعر وأديب وحكيم وإنسان وقائد وصاحب الحلم الكبير للوطن الصغير؟ وكيف لي تحليل من جمع في شخصيته بين المبدأ والممارسة، بين اللبنانية والعروبة، بين منطق الدولة وضرورات الثورة، بين التديّن والعلمانية، وبين الوحدة والحريّة؟ لقد وجدوا فيه مجموعة تناقضات بين البرلماني الحاذق والثائر على النظام من داخل النظام، اقطاعيّاً وتقدميّاً، وعلمانيّاً ومرجعاً دينيّاً. ووجدت فيه قائداً وطنيّاً وزعيماً قوميّاً ومناضلاً أمميّاً، واقعيّاً حالماً يمارس السياسة اخلاقاً على شفير الهاوية من أجل قضايا شكلت كل وجوده ورسمت في توهّج الروح قدره. وشهيداً عبر جسر الموت الى الحياة ليشكّل بنضاله اللامتناهي ثورة الانتصار على الزمن… هو الشوق القديم الى المثال. وهو موقف ثابت، أمتهن الجدلية لأنها لغة العقل، ولم يبخل بنفسه في صراع الحياة. وردد ما قيل عنه “إنّه “مرآة فسيفساء، شرقنا، بأحلامه ومآسيه، وصورته لتنوع شعبنا وفكرنا وتقاليدنا وتطلعتاتنا وصبواتنا النابعة من وحدة تاريخنا ومصيرنا”.

وتحدث عن كمال جنبلاط الذي دخل معترك العمل السياسي مكّرهاً “لقد اعتمد العقل للوصول الى الحقيقة، وتسلّح بسلاح بالعلم والمعرفة حتى أصبح تلك القامة اللبنانية العريقة والعربية الحضارية والعالمية المتألقة”.
وأشار لنضاله الإنساني “إلتحف الارض مع العمال، وتعبّد السماء مع فلسطين في زمن التهوّر والتراجع العربي، ووقف في وجه موجات تقسيم لبنان، وحمل صليب المتعبين في الارض من احياء البؤس الى بكين وهافانا وكل أنحاء العالم”.

ولفت إلى أنه لو أغمض احدنا عينيه عن التاريخ، وقرأ وتبصّر في كتابات كمال جنبلاط، ليتخيل اليه انها كتبت اليوم. وكأنما “المختارة”، “المصطفات”، “المنتقاة”، زرعت لنا في مستقبل الايام قبساً، كلما أدلهمت الخطوب، أضاءت لنا الطريق وأوضحت لنا المعارج. وليسامحني القول من هم في الدين أجذر مني: إن كمال جنبلاط خرج من القبر يوم استشهاده، قتل ولم يمت، فلا تفتشوا عن الحي بين الاموات؛ بل اقرأوه، اقرأوا زارع القمح وآكله حتى لا تأكلوا عشباً يابساً أو شواناً او حجارة”.

أما عن لبنانية المعلم، فقال: “لقد اعتبر كمال جنبلاط لبنان “بلد أعظم تنوّع ثقافي”، ورأى أنه “بإمكانه أن يعطي العالم أمثولة، وأن يكون رمزاً ضرورياً للتوفيق بين الثقافات، لأنه إنساني حقاً… وأكثر من ذلك، بالنسبة لكمال جنبلاط، لبنان هو صيغة مثالية لوحدة الحياة بين ابنائه، لو اننا ارتضينا التنوّع في الوحدة لا التعدد في الوحدة”.
وختم قائلاً: “للتاريخ نشهد: كمال جنبلاط الانسان دفع حياته ثمناً لصفاء بصيرته. أراد تحرير الانسان اللبناني والانسان العربي من سجانه، لأن الصنمية لا تحرر فلسطين، بل تغتال العقل، فكان تغييب كمال جنبلاط إهانة للمستقبل”.

IMG_٢٠١٧٠٣١٢_١١٢٩١٣

ابي المنى

وتناول رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي للموحدين الدروز النقاش حول كمال جنبلاط الإنسان وحوار الأديان قائلاً: “خرج كمال جنبلاط عن مألوف العائلة والمجتمع التقليدي ليقود مسيرةً إنسانيةً بامتياز، متعمقاً في الأديان وفي الفلسفة، زاهداً بمتاع الدنيا وشهواتها، سالكاً درب المعرفة والتحقق، وقد كان “فارساً تقدّمياً” ثائراً على “النُظُم البالية” و”الإنسان الغرائزي التقليدي القديم”، دافعاً باتّجاه ولادة الإنسان الجديد، وهو في نظرته اإلى هذه الثورة الشاملة أرادها أن “تنقل العلاقة البشرية من مستوى الأنانية الفردية السائدة إلى مرتبة الأخوّة الإنسانية الجامعة”.

وتابع شارحاً: “الإنسان عند كمال جنبلاط هو”المنطلَق والغاية”، بغضّ النظر عن هويته الدينية أو القومية أو الفكرية؛ فهو يجسّد نظرةً راقية إلى هذا الإنسان، فيما يتعدّى الأديان والمذاهب والمعتقدات، أي إلى الإنسان المتحقّق، أي “المتبلور والمتلبّس في الحقيقة”، انطلاقاً من “الصدق الحقيقي مع التراث”،لأن “مصيبة الأرض وآفة السموات التبشيرُ بأفكار ومعتقدات ومبادئ لا نكون نحن قد حققناها بادئ ذي بدء” ، كما يقول؛ وهذا هو “الجهل الذي يُنبت التعصّب، فيما الإنسان الطاهر والكامل ينشر تأثيره اللطيف في الأرجاء فينجذب اليه الآخرون دونما حاجة الى دعوتهم، تماماً كما “أنّ جماعة النحل تأتي بشكل عفوي الى الزهرة التي تكون قد تفتحت بشكل كامل وأخذ النسيم ينشر شذاها العطر في جميع الأنحاء”.

أضاف: “يتلاقى الإنسان بالإنسان، عند كمال جنبلاط، فيما يتعدّى الأديان والمعتقدات والحضارات والتجمعات البشرية، كما يؤكد، رافضاً التعصُّب بكلّ أنواعه وأشكاله، لأنه وليدُ الجهل، فالإنسان عنده ليس “الإنسانَ الفرد” أو “الشخص” كما في المفهوم الغربي للكلمة، بل هو المخلوقُ المتميّز عن سائر المخلوقات، بما منحه الخالق تعالى من عقل يمكّنه من التمييز والإبداع، فهو المكرَّم والمفضَّل عند الله، بغضّ النظر عن لونه أو عرقه أو قوميته أو دينه أو مذهبه، وبحسب كمال جنبلاط، فإن “احترامَ حقوق هذا الإنسان يُشكِّل العمودَ الفقري لكل نظامٍ ديمقراطي… إذ هو محور كل الحقوق” .وهذه الحقوق هي ذاتها في الإسلام، كما في المسيحية، وهي لا تختلف في جوهرها عن حقوقه في أيِّ شرعة أو دين آخر.
ويرى من وجهة الحضارة، “الإسلام معتقد ديني وحضارة في آن واحد… مع التأكيد “أن النصرانية أسهمت إسهاماً ضخماً في الحضارة العربية الاسلامية”، ليستنتج من واقع الحضارة الواحدة الجامعة للديانتين معاً أن ولكنها وديعة الإسلام الحقيقي، وهو بدوره وديعتها فيما يتجلّى فيه من قيم وحضارة في بلاد المشرق”.

وختم قائلاً: “ما يمكن أن نستنتجه من فكره الفلسفي العرفاني ونظرته هذه، في ما يتعدّى الحرف، ومن خلال كتبه المتعددة التي تكلّم فيها عن الإنسان والمجتمع والدولة والإنسانية وغاص فيها في أعماق الفكر والفلسفة وزيّنها بأجمل القصائد والأناشيد العرفانية وآداب الحياة، هو دعوته إلى “علمنة مبدئية وواقعية غير معادية للدين. والتحدّي الأكبر يكمن في القدرة على تجاوز المظهر في رحلة البحث عن الجوهر. فالدين، في الأصل، أساسٌ للرقيّ وليس سبيلاً للهدم والتخلُّف، إذ هو”أسٌّ جوهريٌّ في قيام المجتمع الأسمى”، وعلى المجتمع “الترحيب بعمل رجاله في نشر مبادئ الكمال الإنساني” ؛ وهو للإنسان، بحسب كمال جنبلاط، حاجة وضرورة، لذلك “فهو باقٍ ما بقي الإنسان”.

 

IMG-20170312-WA0001

سري الدين

وربط سري الدين بين فكر كمال جنبلاط والعقـل الذي كان منذ البدء جوهراً روحانياً فاعلاً يضبط نظام هذا الكون ويخضعه لقــوانينه السببية مشيراً إلى أن أفكار المعلم بأكملها وميثــاق الحــزب التقدمي الاشتراكي يستلهمان لمفهوم الانسان هــو الغــاية والنهاية لأنه قبس نوراني انطلق مــن فيض الألــوهة الذي سمــاه شاردان بالطاقة الكونيــة.

وأسهب بتفاصيل من فكر المعلم ومحاضراته مشيراً إلى أن “المعلم أعطــى الانسان أبعاداً أربعة، الانسان الفرد، الانسان الاجتماعي والانسان الكوني والانسان الالهي.
وشرح أن “الانسان الفــرد” هو الذي إعتبره المعلم مجسماً صغيــراً لهذا الكـون اللامتناهي، يحتوي جسده علــى نفــي النِسب المئــوية للعناصر التي يتركب منها الكــون قاطبــة.
و”الانسان الإجتماعي” هو كائــن إجتماعي بالفطــرة يؤثر في الآخرين ويتأثر بهم سلباً وإيجاباً. والمجتمع برأي جنبلاط ليس مجموعة أفـراد يتراكمون عدديــاً بــل هو كيان يملك عقلا جماعيا يطبع الأفراد رغم تعددهم بطابــع وحدوي”.

وقال: “أما بُعــد الانسان الثــالث فهو “الانسان الكـوني” التي تبدأ رحلة كونيته بإفــراغ قلبه مـن أي هوى سابق للجماعة الضيقة إبتداءً بالأسرة فالقبيلة فالطائفــة فالقومية على حساب الحقيقـة العقلية الثابتة فــي شموليتها الانسان الكــوني لا يهــوى الا الحقيقــة ببهــاء عدالتها وخيــرها وجمــالها الحقيقـة التــي هـي تجسد لنواميس الوجود الثابتة فــي هذا العالم الحسي المتحرك باستمرار”.

ويختم في شرحه “البعد الرابع” الذي يرى فيه “جنبلاط “الانسان كائن الهي” دائم الشوق للانجذاب الى الله والفناء فيـــه شــوق الانهـــار للانجذاب الــى البحــر المحيط وسوق الحرف للانجذاب الى معنـاه، هذا الشوق أطلق عليه اسم العرفان ولقد لخصه جنبلاط حين قــال إنه النقطة التي يتقاطع فيها الإله المتأنسن بالانسان المتأله، نقطــة يــرى الانسان فيها الله متــربعاً على عرش قلبه ينطق بلسانه ويسعى بيده.

(الأنباء)
ملاحظة تنشر “الأنباء” كلمات المحاضرين في هذه الندوة كاملة تباعاً في مقالات خاصة.