باستشهاد كمال جنبلاط فَقد العالم أحد عظمائه

محمود الاحمدية

«وهو الذي مَدَّ الأرضَ وجعل فيها رواسيَ وأنهاراً ومن كلّ الثّمرات جعل فيها زوجين اثنين، يُغْشِي الليل النهار، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون» (الرعد: 3).

في وقت يتراجع فيه العرب وعلى مختلف الأصعدة حيث يمزق الرصاص شوارع العواصم، وقَلَّما ينتهي يوم دون أن تتناقل وكالات الأخبار العالمية معاركاً وضحايا وبيوتاً تهدّمت ومصانعاً تدمّرت وأطفالاً يموتون هلعاً وخوفاً ومئات الألوف منهم تعرّضوا للإعاقة الجسدية وخاصة النفسية ولن أزيد! سلسلة مرعبة لا نهاية لها…!

وتأتي الذكرى المؤلمة في 16 آذار، ذكرى استشهاد المعلم كمال جنبلاط عندما طالته رصاصات الغدر فخسر لبنان والعالم العربي والعالم أجمع أحد عظمائه الذين آثروا الإنسانية جمعاء فكراً استشرافياً شاملاً وعلى كل المستويات وفي كل الميادين، وما أحوج العرب هذه الأيام إلى فكر كمال جنبلاط وصوت كمال جنبلاط يرتفع صاعقاً كالبرق في ظلام دامس وأمثال المعلم هم المخلصون لشعوبهم والأوطان…

وأجدها مناسبة كي أغرف من درر بحاره وأفكاره حكماً وكأنها تستقرئ الأيام والدهور… وتعيش أيامنا الحاليّة…

  • قال في الدين:
  • أنا أمقت الانتماء إلى جماعة مقفلة سواء أكانت دينية أم غير ذلك… وأنا أعتقد الإنسان من أرومة الله وعليه أن يسعى وراء ماهية الحقيقة عبر شتى الديانات، ولكن بأن يتجاوزها جميعها.
  • الحقيقة موجودة في كل معتقد وفي كل كتاب وفي كل دين. وإننا من الذين يؤمنون بمحمد والناصري وبكل رسول وبكل دين. ولا نميّز بين قولٍ وقولٍ آخر إلاّ بما يتوافق مع الحق.
  • والموحدون من كل أمة ومن كل دين أخوة فيما بينهم وأمة روحية واحدة، مهما اختلفت العقائد والمذاهب وتباينت المسالك، وتعدّدت السلالم والمعارج. هذا هو الإنجيل الجديد هذا هو روح العالم الجديد.
  • العلمانية وحدها هي النظام المسيحي والإسلامي الحقيقي، حيث تتحقق فعلاً المساواة والأخوّة وينتفي التعصّب والتمييز.
  • وإنّما وُجِدَت الأديان ومناهج الفلسفة لتثبيت مقاييس الأخلاق في النفوس: فهي أداة لذلك الإنماء والترسيخ… ولذا قد تختلف المعتقدات الدينية كثيراً بعضها عن بعض، ولكنها لا تختلف إلا قليلاً في تصوّرها للأخلاق.
  • المعلم كمال جنبلاط
  • قال في المال:
  • إني، شخصياً، قليلاً ما أهتمّ بالمال، فبمجرّد ما أن يَتحصّل لديّ القليل منه، حتّى يتسرّب. فأنا أعلم أن هذه الأوراق، تتشبث بالأصابع فأتخلّص منها سريعاً. ثم إن المال يصبح ميكروباً مُفْسِداً إذا لم يسهم في مساعدة الآخرين.
  • السخيف هو الممتلئ أنانية، فإنّه يعمل ليلاً نهاراً طامعاً في الثراء كما لو أنّه لن يهرم أو لن يموت.
  • قال في العدل والعدالة:
  • لو استطاع الناس أن يتعلموا كيف يحكمون أنفسهم بالعدل ولو لقرن واحد لاختفى الظلم من وجه البسيطة.
  • إن كل مبادرة لإحلال العدالة لا تنطوي على النظرة الإنسانية سوف تعني المجازر الجماعية والآلام لملايين من البشر.
  • نحن إن عشنا في بلدٍ تسوده العدالة ففي استطاعتنا أن نَتّشح برداء الشرف والمجد في تواضع وأن نتحمل أحزاننا برباطة جأش.
  • قال في السلطة والقيادة:
  • إبراز النخبة هو مقياس صلاح نظام أو فسادِهِ.
  • دور الأحزاب الحقيقي هو في اختيار النخبة وتنقيتها وتربيتها وإظهاره.
  • رجل الدولة الذي نفتش عنه هو هذا القوي الذي يستمد قوّته من ينبوعَيْن: ينبوع نفسه وينبوع الشعب.
  • العظيم الحقيقي هو ذلك الذي يتولى الحكم فقيراً ويتخلّى عنه فقيراً، مَنَزَّهاً عن كل غنى مادي غير مشروع.
  • إن المفكر والمثقف الذي لا يشعر في أعماقه بنداء القيادة وبواجب القيادة وبضرورة إذلال النفس الأنانية وإيلامها لترويضها على القيادة، هو مواطن مجدب وإنسان عاق وشخصية هزيلة.
  • مَنْ لم يكن له في داخله نور ينيره فيضيء به معالم الطريق فهو أعمى وأبكم فكيف يستطيع قيادة الناس مَن فيه جهل أو بلادة في نفسه؟؟
  • قال في السياسة والسياسيين:
  • السياسة يُفْتَرَض فيها أن تكون أشرف الآداب إطلاقاً.
  • إن السياسة مسلك شريف لأن لها علاقة بقيادة الرجال وتوجيههم.
  • الذي ينقص السياسة اللبنانية هو المنطق أي العقل… وكذلك الذي يحوج السياسة العربية هو المنطق، هو العقل… إن إسرائيل انتصرت على العرب باستخدام العقل لا أكثر ولا أقل.

معلمي، في ذكرى استشهادك، أكتفي بهذه الحكم التي تختصر تجربة رائدة وفكراً خلاقاً، هي نقطة في بحر أفكارك، وعلّنا نَتّعِضُ كعرب عامة وكلبنانيين خاصة فيظهر بصيص النور في آخر النفق! لعلّ وعسى!!

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة