زمن الإنحطاط!
رامي الريس
8 مارس 2017
كتب وزير الخارجية الإلماني السابق يوشكا فيشر (تولى منصبه بين عامي 1998 و 2005) مقالة تناول فيها تطورات الوضع الداخلي الأميركي بعد إنتخاب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأميركية دوناد ترامب في تشرين الثاني 2016.
وكان فيشر جازماً بأنه بعد نحو شهر من دخول ترامب البيت الأبيض، لا يمكن توقع “شيئاً جيداً” من رئاسته، معتبراً أن إفتراض الإلتزام المسبق من قبل ترامب بالقواعد والأصول في القضايا الدولية والمحلية لا يعدو كونه تمنيات غير واقعية.
لا شك أن الرئيس الأميركي قد يكون مثيراً للجدل في العديد من المواقف الشعبوية التي إتخذها، خصوصاً أن بعضها إرتبط بقدر من الإرتجالية وترك تداعيات سلبية على أكثر من صعيد.
إلا أن الأهم هو أنه ترامب لم يتوانَ عن الإشتباك مع السلطات القضائية الأميركية العليا متغاضياً بالمطلق عن فصل السلطات وتوازنها الذي يعتبر أحد ركائز النظام الديمقراطي الأميركي؛ وإذا إستمر هذا التجاذب قائماً من الممكن أن يولد إحتكاكاً غير مسبوق بين السلطتين التنفيذية والقضائية في الولايات المتحدة كما أنه قد ينتج توتراً خارج أطر النظام المؤسساتي الاميركي، وضرراً فادحاً على ثقافة إحترام الديمقراطية وأصولها.
ومع الخلل الذي تحدثه سياسات ترامب ومواقفه في النظام العالمي مما يحوله تدريجياً إلى “لانظام” عالمي في شكل من الاشكال، تبدو أوروبا التي خسرت بريطانيا للتو، الأكثر تضرراً من مواقفه. فبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، إرتكزت العلاقات الأميركية – الأوروبية على عنصرين رئيسيين: الأول تأمين الحماية العسكرية من الاتحاد السوفياتي ومشاريعه التوسعية والثاني التجارة الحرة.
وإذ تبدو المؤشرات السياسية مقلقة في المجال الاول نتيجة تودد ترامب لنظيره الروسي فلاديمير بوتين وتعيينه لوزير خارجية يتمتع بعلاقات جيدة مع موسكو، فإن التطورات في المجال الثاني تبعث على الكثير من القلق بعد الاهتزازات القوية التي تتعرض لها الوحدة الاوروبية التي تطلبت صناعتها سنوات وعقود من العمل المشترك.
وبات واضحاً أن العلاقة مع أميركا والانسحاب البريطاني من الاتحاد وتفاوت الامكانيات الاقتصادية بين الدول الاوروبية الشرقية والدول الاوروبية الغربية قد يحتم مفهوم “السرعات المتفاوتة” بين دول الإتحاد، كل واحدة بحسب إمكانياتها بمعنى أن تقر المشاريع المشتركة وتتقدم الدول نحو تطبيقها وفق قدراتها.
وإذا كانت هذه السياسة قد تحفظ وحدة الإتحاد الأوروبي في مكانٍ ما، إلا أنها ستفاقم مستويات التعاون الإقتصادي والإجتماعي بين شرقها وغربها، مما قد يعود ويعرّض وحدة الإتحاد للإهتزاز.
لا شك أن التطورات الدولية المقبلة ستشهد تحولات غير مسبوقة على أكثر من صعيد، خصوصاً مع تنامي الخطاب الشعبوي وتقدم حظوظ مرشحيه في مختلف المواقع السياسية في أوروبا وخارجها.
ولا شك أن هذه التطورات ستترك مفاعيل سلبية بدورها على مستوى العلاقة بين الشرق والغرب، وستغذي أيضاً الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية الغارقة أصلاً في كبوتها وإنحطاطها!
——————————
(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة
Facebook: Rami Rayess II
Twitter: @RamiRayess