ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

منذ ثلاثة وخمسون عاماً ينعقد مؤتمر ميونيخ للأمن والسياسات الدفاعية، وتطرح فيه الموضوعات ذات الصلة على إختلافها، من المفات النووية الساخنة، الى التجارب الصاروخية العابرة، الى السلاح الفتاك المحرَّم، الى التوترات بين الشرق والغرب، الى الارهاب الذي فرض نفسه بنداً اساسياً على جدول اعمال المؤتمر منذ اكثر من 15 عاماً.

بدت تحديات المؤتمر الذي إنعقد بين 17 و 19 فبراير/شباط هذا العام؛ مختلفة من حيث نوعية المشاركين، ومن حيث الموضوعات التي طُرِحت، وكان نجم المؤتمر التقرير الذي عرضته مجموعة من مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية المؤثرة (تينك تانك) والذي يقع في 90 صفحة، وكان تحت عنوان: ما بعد الحقيقة .. ما بعد الغرب.. ما بعد النظام الدولي.

حَضَرَ المؤتمر 500 شخصية من مختلف انحاء العالم. بينهم 30 رئيس دولة، ومنهم ايضاً نائب الرئيس الاميركي والمستشارة الالمانية وامين عام الامم المتحدة ورئيس المجلس الاوروبي ووزير الخارجية الروسي، وحشد كبير من وزراء الخارجية والدفاع في عدد من الدول من كل انحاء القارات الخمس.

قبل ان تبدا الخطابات التي القاها الزعماء والمشاركين؛ إرتسمت مجموعة من المؤشرات المختلفة، على الجو العام الذي يُحيط بالمؤتمر، وكان لتقرير “تينك تانك” إنعكاسات جوهرية على ذهنية المُشاركين، وتكوَّن إنطباع في قاعة الجلسات الكبرى؛ ان تحديا من نوعٍ مختلف يواجه العالم من جراء مجموعة من العوامل التي تحدث عنها التقرير المذكور.

ماذا قال تقرير ” تينك تانك ” ؟

ان الغرب بمؤسساته الديمقراطية ومنظومته العسكرية ( الناتو ) ومفاهيم التجارة الحرة والليبرالية المُنفتحة ومباديء حقوق الإنسان؛ بات امام مواجهات داخلية وخارجية، ويكاد المفهوم( الغرب) برمته ان  يكون على شفير الإنهيار. واسباب هذا التراجع كثيرة كما ذكر التقرير؛ منها صمت الغرب عما جرى في سوريا، لاسيما غض الطرف عن قتل مئات الآلاف من المواطنيين وتشريد ملايين آخرين، وعدم محاسبة الذين إستخدموا الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين، مما ادى الى سخطٍ واسع في العالم الإسلامي الذي تراجعت ثقته بالنظام الدولي القائم، وسيكون لفقدان الثقة الاسلامية؛ تأثير واسع على قوة هذا النظام الدولي، وسيساهم في تراجعهِ.

ويتابع التقرير: ان السياسة غير الواضحة للرئيس الاميركي دونالد ترامب إتجاه الاتحاد الاوروبي، وتأييده بحماسة للخروج البريطاني من الاتحاد، سينعكس سلباً على حلف الناتو، كما ان دعم الادارة الاميركية الجديدة للمرشحين من اليمين المتطرف في كل من فرنسا وهولندا والمانيا، سيرخي بظلالهِ التفتيتية على المنظومة الغربية برُمتها، لكون اليمين المتطرف في اوروبا؛ لا يُبدي اي حرص على مُستقبل وحدة الاتحاد.

تشعُر العديد من القوى الفاعلة في اوروبا بالخوف من مستقبل العلاقات الاميركية – الاوروبية، ويقول البعض ان هذا الشعور لم يسبق ان حصل منذ إكتشاف القارة الجديدة في العام 1492 حتى اليوم. إن اجراءات الإدارة الاميركية الجديدة، كما بعض شعارات الرئيس ترامب حول تقييد حرية الصحافة، وحول النية بفرض قيود على التجارة الحُرة، وفيما يتعلق برؤيته الخاصة حول الامن؛ كل ذلك يولِّد خشية من إنفراط العقد المُزمن بين ضفتي الاطلسي، ويحمُلُ على الإعتقاد: ان مفهوم ” الغرب ” مُهدَّد “رغم تطمينات نائب ترامب مايك بنس”.

تُحاول المُستشارة الالمانية أنغيلا ميركل تعويض الفراغ الذي سيتركه الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوروبي. ولأنها من مجموعة الطامحين بالإستمرار بالحكم من بين القادة الاوروبيين المؤثرين؛ تدافع بشراسة عن القيم الغربية في الديمقراطية واحترام التنوُّع وحقوق الإنسان، وفي التجارة الحرة وإلانفتاح. وميركل تبذُل قصارَ جهدها لتخفبف إنعكاسات التحلُّل الاميركي الواضح من اغلبية قيم المنظومة الغربية، وفي نفس الوقت تجهد لأن لا تكون اوروبا ضعيفة امام الإندفاعة الروسية.

ولعلَّى التحدي الابرز الذي يواجه المنظومة الغربية؛ هو تعاظُم قوة الصين، والصعود الروسي بوثيرة عاليه الى صدارة نادي الاقوياء.

وزير خارجية روسيا سيرغي لا فروف قال امام مؤتمر ميونيخ: “روسيا لا تبحث عن النزاعات مع احد، لكنها قادرة على الدفاع عن نفسها في ذات الوقت”.

واضح ان هناك مؤشرات جديدة ما بين سطور مداولات الامن والدفاع التي جرت في اروقة مؤتمر ميونيخ الثالث والخمسين. ومن اهم هذه المؤشرات: ان ما كان يسمى بالغرب، او القوى الديمقراطية في العالم؛ لم تكُن موحدة في رؤيتها حول العديد من الملفات الدولية والاقليمية، ولا فيما يتعلق بالإنفاق العسكري، ولا حول بعض المفاهيم التي تتعلق بالحريات.

من جهة أُخرى فإن الملفات الاقليمية الساخنة – ومنها الازمة السورية والتدخلات الايرانية والعدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين – كان لها وقع مختلف عن السابق في سياق مداولات المؤتمرِين. واوضحت مداخلات المشاركين مدى التبايُن الحاصل بين الفرقاء المعنيين حول ازمات العراق وسوريا واليمن وليبيا، وخصوصاً ايضاً حول مفهوم الارهاب.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية

قراءة هادئة في نتائج الاستفتاء البريطاني