عودة الى الستين!

جليل الهاشم

يصح الإستنتاج ان قانوناً جديداً للإنتخابات النيابية لم يولد في المرحلة المنظورة، فكل التجارب والإتصالات والمشاورات التي جرت خلال الشهور الأخيرة وصلت الى فشلٍ ذريع، وتحولت المهل والمواعيد الى محطات يسهل القفز فوقها وكل ذلك لسبب بسيط هو الشهية المفتوحة لدى البعض لإبتلاع كل شيء، وجعل القانون بحد ذاته مناسبة لتعيين مسبق للنواب وتحديد الحصص سلفاً بحيث تأتي الإنتخابات لتبصم على نتائج معروفة.

لو كانت هناك نية طبيعية في وصع قانون جديد لكان الأمر في منتهى السهولة وقد مرت سنوات وسنوات وحديث القانون يطفو ثم يختفي والجميع يعلم عن وضعه وإقراره ولكن من دون نتيجة والسبب معروف دائماً فالمكلف يضعه هو كقطة مكلفة بتوزيع الجبنة والنتيجة انها تستأسر القطعة الأكبر.

اعتاد اللبنانيون ان يأتي من يفرض عليهم قانوناً يوزع مغانم السلطة. في نظام المتصرفية تولت سبع دول صياغة مجلس الإدارة وتقسيماته وفي ظل الانتداب طور الفرنسيون صيغة ذلك المجلس مع تحول جبل لبنان الى لبنان الكبير، وفي عهد الاستقلال حاول الرئيسان بشارة الخوري وكميل شمعون الإخلال بالتوازنات السابقة ففشلا.

لبنان الكبير

وأما القانون القائم حالياً او ما يسمى بقانون الستين والذي أقر في عهد الرئيس فؤاد شهاب فهو الوحيد الذي يمكن وصفه بالصناعة اللبنانية وهو الذي أنتج أربعة مجالس نيابية كان على آخرها ان يضع صيغة اتفاق الطائف. بعد ذلك عاد الأجنبي الى التحكم بالقوانين فالوصاية السورية هي من وزعت الدوائر منذ انتخابات 1992 وهي من عينت نواباً قبلها. وبعد الخروج السوري في عام 2005 تحول القرار في الشأن اللبناني العام الى مركز قوى آخر هو إيران.

لا يمكن فهم النقاش حول قانون الانتخاب وهو الذي يحدد مسار أي بلد خارج تحطم القوى الفاعلة وهذا هو الوضع الذي نعيشه اليوم فلو كان مطلوباً الوصول الى قانون عادل يفضي الى أفضل تمثيل للبنانيين في ظروف لبنان والمنطقة الراهنة لتوجب إحالة صياغة هذا القانون الى مجموعة من الخبراء الدستوريين والاجتماعيين والسياسيين من خارج نادي المرشحين ولأمكن ساعتها التوصل الى صيغ مقبولة. اما عندما توضع مسألة بت القانون في يد طرف يسعى الى وراثة المنصب الأول ويعتمد على قوى من خارج الدولة والشرعية لها مشروعها الخاص الإقليمي والدولي فعندها لن نصل الى أي قانون وسيبقى الستين ملجأ للناخبين اللبنانيين في اللحظة الأخيرة.

 (الانباء)