أوغاسبيان لـ “الأنباء”: اتجاه جدي لإقرار الكوتا النسائية .. وهذه أولوياتي!

يفتتح وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان الثلاثاء، في مؤتمر صحفي يرعاه ويشارك فيه رئيس الحكومة سعد الحريري، هيكلية وزارته المستحدثة، مطلِقاً رؤية الوزارة وموقعها الإلكتروني.

أخيراً إذاً، أصبح للمرأة اللبنانية وزارة رسمية ترعى شؤونها، وإن كان استحداثها قد أثار الكثير من الجدل بدايةً، اعتراضاً على تسليمها لرجل، وهي خطوة ظنّ البعض أنها تكريس لنوع جديد من الوصاية على المرأة اللبنانية! لكن من يدري؟ فالوزير أوغاسبيان، المستند إلى خبرة عملية طويلة في القطاع الخاص من خلال مكتبه الاستشاري المتخصص بتأسيس الشركات وتطويرها ووضع هيكليتها، والعمل لتدريب الموظفين وتطويرهم مهنياً، بالإضافة إلى باعه الطويل في مجال الوساطة بين لبنان والمؤسسات المانحة في الخارج لتأمين الهبات والقروض، قد يكون الرجل المناسب في المكان والزمان المناسبيْن لتسهيل عملية النهوض بوزارة دولة لشؤون المرأة اللبنانية، على أمل أن يَثبُت ذلك في حفل إطلاقها المرتقب وفي ممارسات العاملين فيها فيما بعد.

لكن إلى حينه، مواضيع كثيرة وقضايا شائكة وملفات قانونية متراكمة تضع الوزير أوغاسبيان على كرسي الإختبار تحت مجهر الحراك المطلبي النسائي المترصّد لكل جديده! فهل ينجح بمقاربتها بعين الوزير المنصف للمواطنة اللبنانية على قدم المساواة مع الرجل، والمؤمن بمطالبها المستحقّة؟ وفي وقت يتقدّم فيه الحديث عن قانون الإنتخاب على سائر الملفات في البلد، كيف يقارب وزير المرأة مطلب الكوتا النسائية؟

IMG_0572

الكوتا حقّ .. ولكن!

“أنا مؤمن بقدرة المرأة وبأهمية إشراكها في الحياة السياسية، خصوصاً أن المرأة اللبنانية حقّقت إنجازات كبرى على مستوى القطاع الخاص، فما الذي يمنع إعطاءها فرص المشاركة في القطاع العام؟”، سأل أوغاسبيان في حديث خاص لـ “الأنباء”، وقال: إذا ما قاربنا قدرة المرأة على المستوى الأكاديمي، سنلاحظ أنها تتفوق على الرجل في اختصاصات كثيرة. وثمة اختصاصات أكاديمية المرأة موجودة فيها بخلاف الرجل. من هنا لا شيء يمنع المرأة من التواجد في القطاع العام، بل يجب أن تعطى الفرصة بالوصول”.

لكن الحديث عن الكوتا بشكل عام لا يكفي، خصوصاً أن مصادر مطّلعة على مسار النقاشات حول قانون الإنتخاب كانت قد أكّدت لـ “الأنباء” أن التوجّه العام قد يفضي إلى تضمين أي مقترح جديد كوتا نسائية قد لا تتعدى نسبة 20 %، وعلى أساس الترشيح لا المقاعد النيابية. وهنا لا بد من توضيح نقطتين مهمّتين: الأولى هي أن مؤتمر بيجين عام 1995 قد تبنى قرار تمثيل المرأة في السلطة ومواقع القرار في كافة الدول بنسبة لا تقل عن 30% كحد أدنى. أما النقطة الثانية، فهي أن إقرار الكوتا على أساس الترشيح لا المقاعد قد لا يمنح المرأة فرصة حقيقية للوصول الى الندوة البرلمانية إلا بنسب قليلة، في ظل النظام السياسي اللبناني القائم على محاصصة الطوائف والزعامات التقليدية، وفي ظل الذهنية الذكورية السائدة لدى الناخب والقيمين على اللوائح الإنتخابية على حد سواء، بالإضافة إلى عدم اعتياد الناخب اللبناني بعد على الاقتراع لامرأة، ناهيك عن أساليب شكلية عدة قد يسهل اعتمادها في اللوائح – المقفلة تحديداً – لحرمان المرأة من فرص الوصول!

فما موقف الوزير المعني من هذا الطرح؟

“نحن نطالب بكوتا 30 %، وهذا مطلبنا الأساسي”، أجاب أوغاسبيان، مشدداً على أن “الرئيس الحريري وعد بإدراج الكوتا النسائية ضمن اي مشروع قانون انتخابي جديد سوف تقره الحكومة، وبالتالي فإن إدراج الكوتا أمر محسوم كائناً ما كان شكل القانون الذي سيتم التوافق عليه، ودأبنا أن تكون الكوتا بالمقاعد وليس بالترشيح طبعاً”.

hdgdb

تحصين المرأة وتمكينها

بموازاة مطلب الكوتا النسائية كممر إلزامي وخطوة مرحلية ضرورية وهامة جداً لوضع المرأة اللبنانية على سكّة المشاركة في الحياة السياسية، يبدو الوزير أوغاسبيان متيقّظاً لسائر الملفات التي تندرج تحت لواء حقيبته الوزارية. أما أولويات معاليه، فوزّعها على ثلاثة محاور أساسية: “الأول يتعلق بالقوانين المجحفة بحق المرأة والتي تتطلب تعديلات كقانون العمل والضمان الاجتماعي وقانون العقوبات وقانون الجنسية. المحور الثاني يتعلق بالمشاريع المموّلة من الجهات الدولية والمتعلقة بتمتين وتمكين المرأة في مجالات عدة، نعني الـ Women Impowerment. اما المحور الثالث، فهو التواصل والتنسيق مع كل الجهات العربية والدولية التي تعنى بشؤون المرأة، وتبادل الخبرات فيما بيننا وحضور المؤتمرات”، كما قال أوغاسبيان لـ “الأنباء”، مشدداً على أنه “شخصياً يهمّني السعي لجلب أكبر قدر ممكن من المشاريع المموّلة من الخارج لتمكين المرأة في شتى الميادين”.

مظلة قانونية؟!

وبموازاة أهمّية تمكين المرأة وتدريبها، يبقى الأهم تحصينها بالمظلّة القانونية الوطنية الكفيلة بحمايتها من كافة أشكال التمييز بحقّها. ولا بد هنا من التذكير بأن لبنان صدّق منذ العام 1996 على الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، ما يعني أنه بات ملزماً بتطبيقها. فهل يلحظ وزير شؤون المرأة أهمية العمل على اقتراح مشروع قانون وطني من فحوى اتفاقية سيداو، ليكون مرجعاً يلزم المشرّع اللبناني بالأخذ بعين الإعتبار حقوق المرأة بالمساواة مع الرجل بمفهوم النوع الإجتماعي، وهو مطلب أساسي وملحّ لإنصاف المرأة اللبنانية في أكثر من مجال بدءاً من الوظائف وصولاً إلى إصدار قانون مدني للأحوال الشخصية يحرّرها من التمييز القائم بحقّها على أكثر من صعيد ومستوى؟!

“نعم بالطبع، قال أوغاسبيان، فقد أعددنا مشروعاً نحن الآن بصدد رفعه للحكومة لتصدر توصية في هذا المجال”. سألناه: لكن ألا تعتقد أننا بحاجة لقانون ملزم وليس لمجرد توصية حكومية قد يسهل تخطّيها؟

فأجاب: لقد اتُّخذت قرارات مشابهة في حكومات سابقة، وآخرها قرار صدر في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حول الـ Gender focal point. لكن لكي أكون أميناً أعتقد أن هذا الموضوع لم يفعَّل كما يجب في الوزارات، وبالتالي يجب تفعيله. وسوف أبذل جهدي في هذا الإطار.

وتابع أوغاسبيان: ما أستطيع أن أجزم به اليوم هو أن ثمة توجّهاً لدى الرئيس سعد الحريري لإصدار توصية بمراعاة المساواة على اساس النوع الإجتماعي في كافة القطاعات، وفي مقدّمها مثلاً مسألة التعيينات، بحيث يتّخذ قرار يلزم بتطبيق مبدأ الكوتا النسائية بنسبة 30 % بالحد الأدنى في التعيينات المتعلقة بكافة مجالس الإدارة وغيرها من الوظائف في القطاع العام.

عدنا من اللقاء إذاً بـ “سلّة” وعود برّاقة، تساعدنا الثقة بمناقبية الوزير أوغاسبيان على الأمل بأن يلقى معظمها سبيله للتحقيق، او على الأقل أن يوضع على السكّة الصحيحة في خلال عمر وزارته القصير. وإلّا، فالعين على دور الحركة النسائية الناشطة والفاعلة في لبنان تاريخياً حتى اليوم، وفي طليعتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، والمجلس النسائي اللبناني، و”التحالف الوطني لدعم تحقيق المشاركة السياسية للنساء في لبنان” مؤخراً، والجمعيات النسائية المتكاملة فيما بينها لدعم مسيرة المرأة اللبنانية، وتفعيل كفاحها المشهود لها فيه، وصولاً إلى انتزاع كافة حقوقها كمواطنة، وشريكة، ونصف منتج وفاعل وحاضر بقوة في كافة ميادين المجتمع اللبناني. وإن غداً لناظره قريب!

غنوة غازي – الأنباء