انفتاح جنبلاط على “المختلط” أعاد خلط الصيغ الانتخابية

في الإعتراض الواسع على الطروحات التي تتقدم بها الثنائية المسيحية، هو إستشعار مروحة واسعة من الفرقاء السياسيين، بأن النفس الذي ينطلق منه هذا التحالف، ينطوي على أسس إلغائية. ليس صحيحاً أن من يقاوم حرب الإلغاء الجديدة وبالأساليب الملتوية، هو فقط النائب وليد جنبلاط، وهذا بشهادة كثيرين وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري. كما أن إصرار أقطاب الثنائية على الحرص ببعض مواقفها على النائب وليد جنبلاط في إطار صحة التمثيل، يدلّ على أن ليس جنبلاط هو المتضرر من الطروحات المتداولة. والدليل الدامغ هنا، أنه حين أبلغ رئيس اللقاء الديمقراطي رئيس مجلس النواب بأنه منفتح بإيجابية على القانون المختلط أو القانون النسبي وفق الثلاث عشرة دائرة، فإن رفض هذا الإقتراح جاء من القوات اللبنانية علناً ومن التيار الوطني الحرّ ضمناً، إذ اضطر الوزير جبران باسيل إلى إعادة طرح صيغة مختلطة جديدة.

في الموقف الذي أعلنه الدكتور سمير جعجع رفضاً للنسبية الكاملة، أن هذا القانون من شأنه أن يخفّض عدد النواب المسيحيين الذين سيحصل عليهم هذا التحالف، بمعنى أن القانون المختلط يمنحهم حوالى الخمسين نائباً، بينما النسبية تؤدي إلى تضاؤل هذا العدد.

الثابت الوحيد، أن كل طرف يريد تفصيل قانون يلائم مصلحته ويعزز حضوره وموقعه. خصوصاً في ظل تنامي مفهوم الطرف الأقوى، والمنطق يقول أن بناء القوة يستند إلى ممارسة فعل القوة على الآخرين، وإذا كان هذا بالعسكر لا يستقيم إلا بشن الحروب، فإنه في السياسة أيضاً لا يستقيم إلا بمنطق إلغاء الآخرين. والنماذج على ذلك كثيرة تاريخياً، سواء في النازية او الفاشية، أو نماذج أخرى من “الفاشية الإشتراكية أو السوفييتية”. اليوم ثمة فاشية لبنانية جديدة تتصاعد قواها، وتريد فرض نفسها من بوابة قانون الإنتخاب.

وعملياً، فإن التركيبة اللبنانية التي تحافظ بتكورها الإجتماعي على كل الأطراف والأطياف، فإن حرب الإلغاء تطورت بشكل تحوّلت فيه نية الإلغاء من قبل طائفة ضد طائفة اخرى، أو من مذهب تجاه مذهب آخر، لتنحصر داخل كل طائفة ومذهب، وهذا ما تريد إرساءه وتكريسه الثنائية المسيحية، وهي لم تبدأ بالعمل عليه الآن، بل ذلك يعود إلى أشهر عديدة خلت، وتحديداً في جلسات سابقة لمجلس النواب إبان حكومة الرئيس تمام سلام، في حينها خرج باسيل وجعجع يعلنان مقاطعتهما لعقد جلسة تشريعية في مجلس النواب، واعتبرا في موقفيهما أن القوى المسيحية الأخرى لا تتمتع بالصفة التمثيلية.

من هذا المبدأ تنطلق حرب الإلغاء الجديدة، وهذا ما حاول الثنائي المسيحي تكريسه في الإنتخابات البلدية الأخيرة عبر التحالف بوجه كل البيوت السياسية أو القوى المسيحية الأخرى، سواء ضد تيار المردة في بعض المناطق، وضد النائب بطرس حرب في تنورين، وضد حزب الوطنيين الأحرار في دير القمر، وضد حزب الكتائب في أكثر من منطقة. وعلى هذا الأساس تجري مقاربة إستحقاق الإنتخابات النيابية، وفق ما يؤكد باسيل في مواقف متكررة بأنه يريد إلغاء الإقطاع السياسي. وما يقصده في الإقطاع ليس القوى السياسية من الطوائف الأخرى، إنما يريد إقفال بيوت سياسية في البيئة المسيحية وإلغاء أحزاب وشخصيات.

وهذا جوهر الإتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، اللذين يريدان قانوناً إنتخابياً يصب في مصلحتهما ويكرسهما القوتين الأقوى على الساحة المسيحية، مقابل إضعاف القوى الأخرى، عبر تحالفات تطوّقها وتفصيل قوانين تحرّم وصولها إلى الندوة البرلمانية. لكن منطق القوّة هذا، لا يستقيم أو يستمرّ بالتقاسم ما بين فريقين، خصوصاً أن هناك معركة رئاسية مقبلة وإستحقاقات أخرى في السنوات الآتية، وحينها لا بد من أن التاريخ سيعيد نفسه، وتعود حرب الإلغاء بين الطرفين ليثبت كل منهما أنه الأجدر والأقوى.

ربيع سرجون – الانباء