انطلاق التحضيرات لمعركة “الرقة” وثلاثة سيناريوهات لتحريرها

جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تأكيده أن عملية “درع الفرات” في شمالي سوريا ستُستكمل في المرحلة القادمة متجهة نحو مدينة منبج، ومنها إلى محافظة الرقة. وقال أردوغان، “بعد هذه المرحلة سنتجه نحو منبج، وفي حال توصلنا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي والسعودية وقطر سننتقل إلى تطهير الرقة من قطيع القتلة المسمى “داعش”، كلام أردوغان جاء خلال كلمة ألقاها، في مراسم افتتاح مشاريع خدماتية في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، في معرض تقييمه لمستجدات عملية “درع الفرات” التي أوشكت على تحرير مدينة الباب بريف حلب من تنظيم “داعش”.

سبق تصريح أردوغان هذا الذي ربط مشاركة عملية “درع الفرات” في تحرير “الرقة” بموافقة الولايات المتحدة الأميركية، ما نشرته صحيفة “حرييت” التركية، أن تركيا قدمت مقترحين للولايات المتحدة بشأن كيفية تنفيذ عملية عسكرية مشتركة لطرد تنظيم “داعش” من معقله في مدينة الرقة السورية يستبعدان مشاركة الأكراد. مبينة أن تركيا أكدت مرارًا على أن العملية المزمعة يجب أن تشارك فيها قوات عربية محلية بدعم محتمل من قوات تركية بدلا من الاعتماد على “قوات سوريا الديمقراطية” التي تدعمها الولايات المتحدة وتهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية.

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أعلن بدوره أثناء زيارته لألمانيا، إنه “ستكون هناك أمور خطيرة تتصل بالعلاقات مع الولايات المتحدة إذا شاركت واشنطن فصائل كردية في عملية الرقة ضد تنظيم داعش”. وقال للصحافيين: “أبلغناهم بأنه لا يجوز استخدام تنظيم إرهابي في محاربة تنظيم إرهابي آخر”، بحسب وصفه.

s,vdh

وكانت التحضيرات التركية لمعركة الرقة قد بدأت مع انطلاق عملية “درع الفرات” في 24 آب الفائت، لكنها انطلقت فعليا مع بدأ عملية توحيد القسم الأكبر من فصائل المعارضة السورية العاملة في الشمال السوري تحت اسم “الجيش الوطني السوري” بدعم مباشر من أنقرة.

 وفق ما كشف مصدر عسكري معارض في اتصال مع “الأنباء”، عن أن نواة هذا الجيش هي عبارة عن 6 فصائل مسلحة قريبة من تركيا، لافتا إلى “أنه يجري حاليا تعبئة الاستمارات الأمنية للعناصر والقادة”. وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان قد قال قبل نحو أسبوع إن “الجيش السوري الحر” يجب أن يكون نواة الجيش الوطني السوري الذي سيشارك في تحرير الرقة، وألمَّح في ايلول الماضي إلى ضرورة بناء “جيش وطني سوري” من المعارضة السورية يتولى أمن المنطقة الآمنة والمحظورة الطيران التي تعمل أنقرة على إنشائها في شمال سوريا بالقرب من حدودها.

المصادر، قالت إن “الجيش الوطني السوري” الذي يجري العمل على تشكيله، “هو أبعد من كونه طرحا تركيا باعتباره مطلبا دوليا تلقفته أنقرة، لافتة إلى “ضغوط دولية وعربية متزايدة تحث المجموعات المسلحة على التوحد وبخاصة مع الانتقال إلى مرحلة جديدة في مسار الأحداث السورية، وبالتحديد في ظل الاتفاق المستمر على وقف إطلاق النار وانطلاق المفاوضات سواء في آستانة أو جنيف”.

ورأت المصادر أن “الظروف الحالية مواتية تماما للانطلاق بهذا المشروع، وكذلك الأرضية المطلوبة مؤمنة، والأمور حاليا بمرحلة التشاور، وقد طُلب منا إعداد مشروع الجيش الوطني وعرضه على الرعاة الإقليميين والدوليين للسير به”.

US-POLITICS-TRUMP-CONGRESSIONAL LEADERS

في السياق عينه، كشفت تقارير صحفية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس ثلاثة عروض تلقتها من حلفائها وخصومها، لمعركة تحرير الرقة من “داعش”، أحدها يتضمن توغل الجيش التركي دعماً لفصائل الجيش السوري الحر من محورين أو ثلاثة، في حين جاء الثاني من موسكو بدعم تمدد القوات النظامية السورية وحلفائها من محوري تدمر وجنوب شرقي الباب. لكن الجيش الأميركي لا يزال يدعم عرضاً ثالثاً من “قوات سورية الديموقراطية” الكردية- العربية التي بدأت قبل أيام المرحلة الثالثة من عزل الرقة.

وكان الرئيس ترامب قد كلف وزارة الدفاع الأميركية وضع خطة في بداية الشهر المقبل تستهدف محاربة “داعش”. ولا يزال أركان الوزارة والمبعوث الأميركي للتحالف الدولي بريت ماغورك يميلون إلى دعم “قوات سورية الديموقراطية” ويقدمون لها أسلحة ثقيلة وتدريباً عسكرياً وغطاء جوياً عبر التحالف الدولي.

يتضمن العرض الأول تصعيد البنتاغون تدريب ودعم حوالى ثلاثين ألفاً من المقاتلين العرب والأكراد استعداداً لبدء معركة تحرير الرقة وسط اعتقاد واشنطن بأن الأكراد هم “الأكفأ في قتال داعش وأن تقدم درع الفرات بدعم الجيش التركي في تحرير الباب كان بطيئاً”، إضافة إلى عدم رضاها عن التنسيق بين الجيشين التركي والروسي في الباب.

وظهر خلاف بين واشنطن من جهة وأنقرة ودول عربية من جهة ثانية، حول دور “وحدات حماية الشعب” الكردي في عملية تحرير الرقة وحول من يتسلم إدارة المدينة بعد تحريرها، إذ إن أنقرة ترفض أي دور لقوات كردية في اي منطقة غرب الفرات، وتؤكد أهمية تحرير الرقة بواسطة مقاتلين عرب وتسليمها إلى أهلها، كما حصل في مدينة الباب لدى دعم تركيا فصائل الجيش الحر في “درع الفرات”.

turkey_army

العرض الثاني جاء من تركيا، حيث قدمت أنقرة إلى واشنطن خطة عسكرية لتحرير الرقة بمشاركة دول عربية منضوية في التحالف الدولي ومنها السعودية وقطر، وأن الخطة قُدمت بدايةً خلال زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي أي” مايك بومبيو الاسبوع الماضي الى تركيا، ثم بُحثت تفصيلاً في قاعدة أنجرليك، بين قائد الجيش التركي خلوصي آكار ونظيره الأميركي جوزيف دانفورد. وأفادت صحيفة “حرييت” التركية، بأن أنقرة تفضل خطة تدخل بموجبها قوات تركية وأميركية خاصة و الجيش الحر إما من تل أبيض الحدودية بفتح طريق بعرض 20 كيلومتراً وطول مئة كيلومتر من تل أبيض إلى “الرقة”، أو من مدينة الباب إلى الرقة بعملية تمتد أكثر من مئتي كيلومتر. لكن مصادر أخرى أشارت إلى وجود طريق ثالث للتوغل التركي من جرابلس إلى الرقة بعمق يزيد على مئة كيلومتر.

وأوضحت أن أنقرة بدأت عملية تدريب عناصر من “الجيش الحر” لتشكيل قوة يتجاوز عددها عشرين ألف عنصر، بينهم خمسة آلاف من “درع الفرات” وعدد كبير من الضباط المنشقين عن الجيش النظامي ويقيمون في تركيا وعددهم يقارب ألفي ضابط، إضافة إلى الاعتماد على العناصر المحلية في الرقة.

russian-army

وتقابل هذه الخطة بتحفظ روسي واعتراض طهران والنظام السوري. وقدمت هذه الأطراف عبر موسكو عرضاً ثالثاً، بتقديم دعم للقوات النظامية وحلفائها بالانتقال من جنوب شرقي الباب ومن تدمر بغطاء جوي روسي إلى معقل “داعش”، إضافة إلى تقدم هذه القوات من دير الزور بعد تحريرها. لكن الذي يعيق هذا الخيار إلى الآن، هو موقف إدارة الرئيس ترامب من التعاون مع روسيا في الحرب على الإرهاب.

من المتوقع أن تكون الأسابيع القادمة حاسمة في تبيان الموقف الفعلي لإدارة ترامب تجاه سوريا وتجاه الدور الروسي والايراني فيها وعمق التنسيق الاميركي – الروسي في الحرب على الارهاب، كما تبين عم العلاقة التي تربط البيت الابيض وإدارة ترامب بكل من تركيا وبحلفائها العرب التقليديين، الأسابيع القادمة تنتهي مهلة الشهر التي منحها ترامب لوزارة الدفاع الاميركية لتحديد خطة عسكرية لإقامة مناطق امنة في سوريا، وتحديد خطة عسكرية لهزيمة “داعش”، ما قد يبين استراتيجية الإدارة الجديدة تجاه المنطقة بعد أن خلطت إدارة أوباما الأوراق من خلال خطتها “اللعب من الخلف”.

فوزي ابو ذياب – “الأنباء”