الأميركيون والأوروبيون يشاهدون “روسيا اليوم” رغم عدم اقتناعهم بمضمونها

ينفق الكرملين أكثر من بليون دولار سنوياً على الدعاية الموجهة ضد الغرب. وبأشراف مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين يقوم طاقم من خبراء الإعلام والاتصالات والعلاقات العامة بإطلاق وإصدار مئات المواقع الإلكترونية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وتمويلها لتتولى مهمة تقويض النظام الديموقراطي الليبرالي وتحريض المجتمعات ضد الأنظمة الحاكمة، ومنح زخم ودعم للتيارات الشعبوية واليسارية المتطرفة والنازية الجديدة ومساعدتها في تحقيق هدفها في الوصول إلى الحكم.

هل تكسب روسيا الحرب الإعلامية مع الغرب؟ في تعليق لها على الحرب المعلوماتية الروسية، أشارت إذاعة «صوت أميركا» إلى أن الحلف الأطلسي نبه محذراً من «أن الغرب يخسر الحرب المعلوماتية ضد روسيا»، وطلب من الحكومات الغربية «أن تضاعف من جهودها في هذه الحرب التي تستخدم فيها موسكو حرية التعبير في الغرب لنشر معلومات كاذبة ومفبركة في المجتمعات الغربية».

حققت وسائل الإعلام الروسية الموجَّهة إلى الغرب نجاحات ملموسة، انعكست في قدرتها على الانتشار عالمياً، وما يميز الوكالة الروسية للإعلام (روسيا سيفودنيا) أنها تضم وكالتي أنباء عالمية توفر محتوى إعلامياً بلغات عديدة. الوكالة الأولى هي «روسيا اليوم» التي مقرها روسيا وتقدم أخباراً بلغات ثلاث هي: الإنكليزية والعربية والإسبانية، إضافة إلى الروسية، والثانية هي وكالة (سبوتنيك)، التي تقدم أيضاً خدمة إذاعية، كما تعرض محتواها الإعلامي بثلاثين لغة، أبرزها الإنكليزية والعربية والفرنسية والصينية والإسبانية والروسية. ووفقاً لصحيفة «واشنطن بوست»، فإن «أكثر من 200 موقع إعلامي روسي لعبت دوراً في الدعاية السياسية خلال فترة الانتخابات الرئاسية، ونجحت في استقطاب 15 مليون مشاهد على الأقل». وأشارت الصحيفة نقلاً عن دراسة أعدها باحثون أميركيون، إلى «أن الدعاية الروسية قدمت معلومات خاطئة، ولكن تمت مشاهدتها على فايسبوك أكثر من 213 مليون مرة». وكشفت دراسة أعدتها جامعة واشنطن، أن «قناة روسيا اليوم حصلت على أكثر من مليون مشاهدة على يوتيوب، محققة نسبة متابعة أكبر من سي أن أن».

يستثمر الكرملين مبلغاً يصل إلى 270 مليون دولار سنوياً في تمويل قناة «روسيا اليوم» بالإنكليزية فقط، وأعدت East StratCom TaskForce دراسة عن التضليل الإعلامي الروسي في أوروبا والعالم ركزت فيها على نتائج استطلاع أجرته الوكالة الإلكترونية المستقلة Coda Story عن الشرائح والفئات الاجتماعية التي تتابع قناة «روسيا اليوم» التي تقدم وجهات النظر الروسية حول ما يجري من أحداث وتطورات سياسية في العالم والدوافع التي تقف وراء ما تقدمه من محتوى دعائي وإعلامي. وكانت مجلة «إيكونوميست» لفتت (في تحقيق نشرته عن الدور الذي تلعبه هذه القناة التي يصل عدد مشاهديها وفق ما أعلنته إدارتها إلى 550 مليون شخص) إلى «أن هذا الرقم يتحدث عن العدد المفترض لمشاهدي القناة وليس العدد المتحقق فعلاً». وبحسب المجلة، فإن «دراسة أجريت العام 2015 تشير إلى أن عدد مشاهدي هذه القناة بعيد جداً عن لائحة القنوات التلفزيونية الـ94 الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة التي تبث بواسطة شبكات الكابلات». وفي بريطانيا، يتضح من أرقام نشرتها شركات رصد عدد مشاهدي محطات التلفزيون يومياً في بريطانيا، أن «نسبة مشاهدي هذه القناة بالكاد تصل إلى 0,04 في المئة من مجموع مشاهدي المحطات التلفزيونية المتبقية». إلا أنه عند البحث في محرك «غوغل» عن عدد مشاهدي القناة يمكن العثور على أرقام نشرتها إدارتها تتحدث عن 70 مليون مشاهد منتظم في الأسبوع». في المقابل يعترف الخبراء بأن هذه القناة التي تبث برامجها في 38 دولة في العالم لديها ملايين من المشاهدين المسجلين في يوتيوب، وغالبيتهم من الولايات المتحدة وأوروبا».

ولكن لنر ما الذي توصلت إليه دراسة Coda Story عن تأثير القناة الروسية والأسباب التي تدفع المواطن الغربي إلى مشاهدتها. تستند الدراسة إلى نتائج استطلاع شارك فيه أكثر من 100 مشاهد منتظم للقناة أجابوا بأسمائهم الحقيقية على سؤال هو «لماذا تفضل مشاهدة هذه القناة بالتحديد؟». ويصف معدو الاستطلاع نتائجه بالمثيرة للفضول. وتتوزع الإجابات إلى أربعة اتجاهات أو مجموعات، كل واحدة منها مدعمة بنموذج، وتوجد أيضا ميزات عامة مشتركة تجمع بين المشاهدين، وبشكل خاص الرجال من أعمار مختلفة وشرائح اجتماعية متعددة، وغالبيتهم من ذوي التوجهات السياسية اليسارية، أو من المعجبين بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويتضح من تحليل اتجاهات ومؤشرات الاستطلاع وبياناته، أن «روسيا اليوم» تمكنت من جذب تلك الفئات من مواطني الدول الغربية الذين يمتلكون بالأساس مشاعر ومواقف سلبية حيال الصحف الكبرى واسعة الانتشار في بلدانهم أو في الخارج، أو مناهضين لدور الولايات المتحدة في السياسة الدولية، وأيضا الفئات والشرائح المتوجسة من الاستقطاب والصراع المحتدم بين الغرب وروسيا. ولاحظ التحليل أن القناة تقوم عبر برامجها ومنتوجها الإعلامي بتكريس هذه المشاعر والمواقف وليس تبديدها. وأوردت الدراسة عينات من مواقف وآراء مشاهدي القناة، الذين اعتبروها وبشكل قاطع موضوعية وتقول الحقيقة. إلا أن المشاهد سيمين وود من مانشستر ببريطانيا، رأى أن «القناة غير موضوعية وكاذبة في تقديمها وجهات النظر الرسمية الروسية»، لكنه يعتقد أن مشاهديها الغربيين على وعي كامل بدوافع القناة العدوانية وأخبارها المسمومة،غير أنه في المقابل يجد أن الميديا الغربية تشبه القناة الروسية في طريقة عملها، على الرغم من تأكيداتها أنها «متوازنة ونزيهة» في طريقة تناولها الأحداث في العالم». وقال مشاهد آخر من ولاية ألاباما بالولايات المتحدة، بأنه واثق من أن الأخبار التي توردها القناة عن الأحداث في روسيا كاذبة ولا تعكس الحقيقة وتنقصها الأدلة والبراهين، إلا أنه يصدّقها أكثر من القنوات الأميركية في ما يتعلق بأخبار القتال ضد داعش والحرب في سورية». هذا فيما قال مشاهد شاب من ولاية أريزونا الأميركية، إنه «يشاهد القناة الروسية بالإنكليزية كل يوم وبعد عام من المشاهدة توصل إلى استنتاج أن الرئيس بوتين ليس مسخاً كما يصوره مسؤولو بلدنا». وقال مشاهد من سولي هيل بإنكلترا إنه لم يكن يعرف إي شيء عن بوتين قبل أن يبدأ بمشاهدة نشرات أخبار روسيا اليوم، وإنه توصل إلى استنتاج أن الميديا البريطانية لا تنقل حرفياً وبدقة كلمات الرئيس الروسي، ولكنها تروي للبريطانيين ما يقوله بتفسيرات خاطئة»!. وحول شخصية بوتين أجابت إحدى النساء الأميركيات المشاركات في الاستطلاع على أسئلة Coda Story بأنها «معجبة بالرئيس الروسي»، وأضافت أن «العلاقات المميزة بينه وبين ترامب توحي بالأمل».

 

روسيا اليوم ذراع بوتين الدعائي

أطلق الكرملين قناة «روسيا اليوم»، وتُلفظ بالإنكليزية «آر تي» RT، وهي قناة أخبارية فضائية روسية تبث برامجها باللغة العربية والإنكليزية منذ 4 أيار 2007 بموازنة قدرها 30 مليون دولار، ثم رفعت لاحقاً إلى 80 مليون دولار، ثم إلى 380 مليون دولار، خفضت في العام 2012 إلى 300 مليون دولار، وترتبط القناة بمؤسسة «تي في– نوفوستي» غير التجارية. وافتتحت لها استديوات في واشنطن عام 2010، ومكاتب في لندن.

تبث القناة على مدار الـ24 ساعة يومياً وسبعة أيام في الأسبوع، كما يتم بث برامجها من موسكو بواسطة عدد من الأقمار الصناعية، وبطريقة أون لاين على الموقع الإلكتروني، ويستطيع زوار YouTube متابعتها عبر قناتها الخاصة، وبمقدور أكثر من 350 مليون مشاهد في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا تلقي البث التلفزيوني للقناة. ويتألف فريقها من صحافيين ومترجمين ومستشرقين من الروس والعرب المحترفين.

ترصد مؤسسات وهيئات متخصصة غربية التأثير المتزايد لوسائل الإعلام الروسية بالإنكليزية على توجهات الرأي العام الغربي، وتتزايد الاتهامات الموجهة إلى الكرملين بالتدخل عبر روسيا اليوم وسبوتنيك وغيرها من وسائل الإعلام الناطقة بالإنكليزية واللغات المحلية في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في الانتخابات العامة، واستخدام هذه المواقع والمنصات والقنوات لتمرير مشاريع وتوجهات تخدم روسيا وأهدافها في الغرب، حتى أن الكثير من المراقبين وصفوها بأنها «الذراع الدعائي للرئيس بوتين». وكان الاتحاد الأوروبي أنشأ وحدة متابعة للإعلام الروسي الموجه للغرب تحمل اسم East Stratcom في نيسان 2016، لكن عملها تميز بالضعف بسبب التمويل المحدود والانقسامات السياسية بين الدول الأعضاء حول الموقف من روسيا.

محمد خلف – “الحياة”