لتكن النسبية موضوعية

أجود خداج (الأنباء)

أثناء انعقاد مؤتمر الطائف طرح موضوع التمثيل في لبنان، كان يومها يشكل المسيحيون ما نسبته ٣٦ بالمئة آنذاك ورغم ذلك وافق المؤتمرون على أن يكون التمثيل مناصفة بين المسيحيين والمسلمين مع الإقرار بأن تبقى رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وغيرهم من الوظائف الأساسية من نصيب الطائفة المارونية وذلك من باب التطمين والحفاظ على الصيغة اللبنانية والعيش المشترك وصون التعددية والتنوع حيث يشكلان غنى للبنان.

وبمحصلة ما جرى تم إقرار ما يسمى بوثيقة الطائف والتي أضحت دستورا جديدا للجمهورية. ومن أجل تصحيح الخلل ورفع الغبن اللاحق في بعض الطوائف اتفق على تشكيل مجلس شيوخ ولكن الوجود السوري في لبنان أدى إلى تطبيق بعض البنود بشكل مزاجي واستنسابي.

والآن وبعد مضي حوالي ثمانية وعشرون عاما نسي البعض أو تناسوا ما قدمه الدروز ووليد جنبلاط بالتحديد من تضحيات في سبيل وحدة لبنان وعروبته. وليد جنبلاط هو الذي فتح طريق بيروت نحو الجنوب أمام المقاومة وطريق بيروت نحو الشام خط إمدادها. وليد جنبلاط هو الذي حرر بيروت بمشاركة حركة أمل برئاسة نبيه بري، وهذا غيض من فيض من نضالات الدروز وتضحياتهم. واليوم يتجاهلون بأن الدروز مكون أساسي في بناء لبنان فيطرحون القوانين بقصد إلغائهم والحد من نفوذهم ودورهم السياسي الذي لطالما لعبوه على مر الزمن مع تقديرنا لمواقف العقلاء في الطائفة المسيحية (سليمان بك فرنجية والدكتور سمير جعجع ودوري شمعون وغيرهم) وتجاهلوا أيضا يوم كان وليد جنبلاط صاحب القرار الأول في الجبل بأنه لم يستثني أحدا من التمثيل حفاظا على الصيغة التي قام عليها لبنان فأخذ بعين الاعتبار هذا التمثيل فكان عن القوات اللبنانية جورج عدوان وعن الأحرار دوري كميل شمعون في الشوف وتمثلت الكتائب اللبنانية بفادي الهبر والبطريركية المارونية بفؤاد بك السعد واكتفى بتسمية درزي واحد في منطقة عاليه مع تبني ترشيح العميد أنطوان سعد في قضاء راشيا.

وليد جنبلاط لم يكن يوما فئوياً ولن يكون، هي رسالة الحزب ورسالة المعلم الشهيد كمال جنبلاط. واذا أصر البعض على اعتماد قانون انتخابي يخرج الدروز من اللعبة السياسية ويقوض دورهم في السلطة ملوحين تارة بالنزول إلى الشارع وطورا بطرح الاستفتاء.

إننا نقول لهؤلاء المتهورين تذكروا ما حل بلبنان جراء الحرب الأهلية من قتل وخراب ودمار وننصحهم بالتروي ونناشد العقلاء في جميع الطوائف وتحديدا الطوائف المسيحية الكريمة بوضع حد للصبية في السياسة قبل فوات الأوان، لأننا لن نقبل بأي مشروع يمس وجودنا وأمننا وحقوقنا مهما كلف اﻷمر وليعلم الجميع بأن هذا البلد لا يحكم إلا بالتوافق ولا يظنن أحد باستطاعته اقتلاع أحد أو التفرد بحكم البلاد.

لقد كنا بغنى عن الخوض في هذا الصراع في خضم ما يدور حولنا من مآسي وحروب، علما أننا لا نمانع من صحة التمثيل وتطبيق النظام النسبي الذي أول من نادى به المعلم الشهيد كمال جنبلاط الذي قاد معركة التغيير واﻹصلاح والدفاع عن الحريات ودفع حياته ثمنا من أجل تحقيق القرار الوطني اللبناني المستقل. فالدعوى إلى التأني في طرح موضوع النسبية إلى ظروف أكتر موضوعية وأكثر نضجا نابع من الحرص بألا يطغى فريق على فريق ونعود إلى دوامة الفوضى والفلتان خاصة وأن البلد مشحون بالانقسامات الطائفية والمذهبية. وإذا كان لا بد للمتحمسين للنسبية فإننا لا نمانع شرط تشكيل لجنة وطنية تمهيدًا لاعتماد النسبية وفق الشروط التالية:

١. إلغاء الطائفية السياسية والوظيفية على كل المستويات.

٢. اعتماد العلمنة بتطبيق العلمانية وفصل الدين عن الدولة.

٣. إلغاء كل الصيغ القديمة وإعتماد الكفاءة من الرئيس حتى البوليس حينها مرحى بالنسبية التي يراد بها حق لا باطل.

والسلام…

أجود خداج – “الأنباء”