فضل الله: لموازنة خالية من الضرائب على الفقراء

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما دعانا إليه الله عندما قال في الحديث القدسي: “قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد: {بسم الله الرحمن الرحيم}.. قال الله جل جلاله: بدأ عبدي باسمي، وحق علي أن أتمم له أموره، وأبارك له في أحواله. فإذا قال: {الحمدلله رب العالمين}.. قال الله جل جلاله: حمدني عبدي، وعلم أن النعم التي له من عندي… أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا، نعم الآخرة.. وإذا قال: {الرحمن الرحيم}، قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم.. أشهدكم: لأوفرن من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه.. فإذا قال: {مالك يوم الدين}.. قال الله تعالى: أشهدكم، كما اعترف بأني أنا المالك يوم الدين.. لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولأتقبلن حسناته، ولأتجاوزن عن سيئاته. فإذا قال: {إياك نعبد}.. قال الله عز وجل: صدق عبدي، إياي يعبد.. أشهدكم: لأثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي. فإذا قال: {وإياك نستعين}.. قال الله تعالى: بي استعان عبدي، وإلي التجأ.. أشهدكم: لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده. فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين..} قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي، وأعطيته ما أمل، وآمنته مما وجل منه”. بهذه الصورة، أرادنا الله أن نقرأ سورة الفاتحة؛ أم الكتاب وأساسه.. أن لا نكتفي بترداد كلماتها، بل أن نحس بأن الله حاضر معنا، يمنحنا الرحمة والعطاء والحب. ومتى حصلنا على ذلك، فسنشعر بأننا قريبون منه، فهو يقبل توبتنا ويسمع دعاءنا. وعندها، سنكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات.. فمن يشعر بوجود الله معه، لن يكون وحيدا، ولن يهزم”.

وأضاف: “البداية من لبنان، الذي يستمر فيه تبادل الرسائل بين القوى السياسية حول القانون الانتخابي، من خلال الخطابات والمهرجانات ووسائل الإعلام والتواصل، أو عبر اللقاءات الثنائية، من دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم بالجلوس إلى طاولة واحدة، من خلال المؤسسات الدستورية أو غيرها، لإنهاء هذا الجدل والإسراع في تحقيق الاستحقاق الانتخابي في موعده، كما يدعو إلى ذلك الجميع ولا يعملون له. بعدما أصبح واضحا، أسوة بكل التجارب السابقة، أن القانون الانتخابي سيكون نتاج توافق القوى السياسية على صيغة لا غالب ولا مغلوب في لبنان. وبالتالي، فإن ما يجري ليس سوى عرض كل موقع سياسي للقانون الذي يناسبه”.

وتابع: “إننا نخشى أن يؤدي هذا التباطؤ في الوصول إلى قانون جديد، إلى إيقاع البلد في مأزق، وووضعه أمام خيارات مرة، وهي العودة إلى قانون الستين، أو التمديد، أو الفراغ. ومن هنا، فإننا ندعو القيادات السياسية إلى تحمل مسؤولياتها، واستنفار جهودها، والاستفادة من الوقت القليل المتبقي للوصول إلى قانون جامع تتوافق عليه. فهذا الأمر من السهل الوصول إليه إن صدقت النيات، وخرج كل طرف من حساباته الخاصة ومصالحه الذاتية”.

وقال: “في هذا الوقت، يجري العمل على الخروج بموازنة، ونحن نرى أهمية الجهد الذي يبذله مجلس الوزراء للاسراع في إنجازها بعد مرور 12 سنة، كان يعيش البلد فيها من دون موازنة، مع ما استتبع ذلك من فوضى في الإنفاق. ونحن نأمل أن تؤدي إلى رسم سياسة لتحفيز الاقتصاد ووقف الفساد، وأن تراعي متطلبات اللبنانيين من دون فرض الضرائب عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا ندعو إلى أن تقر الموازنة خالية من الضرائب على الفقراء، لتكون مفروضة على أرباح المصارف والشركات الكبرى والعمليات العقارية، وعلى غير ذوي الدخل المحدود”.

وأضاف: “نصل إلى فلسطين، التي تشهد مرحلة من أخطر المراحل، تذكرنا ببداية المؤامرة التي أعدت للسيطرة عليها، من خلال العمل للإجهاز على حلم الشعب الفلسطيني بامتلاك حريته وسيادته، ولو على جزء من بلده، وإنهاء ما كان يسمى بحل الدولتين، بحيث يعيش الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس في ظل الدولة اليهودية. وهو ما خرج به اللقاء الذي جرى بين الرئيس الأميركي الجديد ورئيس وزراء العدو”.

وأسف لأن “كل ذلك يجري في ظل صمت عربي، رغم أن ذلك يتنافى مع قرارات عربية اتخذت في قمم سابقة، ما يستدعي من الفلسطينيين إعادة توحيد جهودهم، لرسم سياسة موحدة في مواجهة ما يجري، ويتطلب من الشعوب العربية إعادة توجيه بوصلتها باتجاه فلسطين، حتى لا تضيع بالكامل، كما ضاعت أجزاء كثيرة منها”.

وقال: “إننا سنبقى نراهن على حيوية الشعب الفلسطيني، وعلى كل الذين يصرون على استعادة فلسطين كلها، من النهر إلى النهر، وعلى الداعمين لهذا الشعب وجهاده؛ هؤلاء الذين لن يسمحوا لهذه القرارات بأن تمر، كما كل المؤامرات السابقة، فكل المؤامرات والاتفاقات والخطط العالمية ستسقط إن لم تسلم الشعوب بها ولم تسكت عليها، وهذا منطق التاريخ ومنطق الحاضر الذي سيثبته المستقبل”.

وختم: “أخيرا، نتوقف في السادس عشر من هذا الشهر عند مناسبتين؛ الأولى هي مرور السنة السادسة على الحراك الشعبي السلمي في البحرين، الذي أكد حيوية الشعب، وحكمة قيادته، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها ولا يزال. لقد كنا نأمل أن يتم إنصاف هذا الشعب، وأن تؤخذ مطالبه الحيوية بعين الاعتبار، وينال حقوقه المشروعة، وتتحقق مطالبه العادلة، ليعود البحرين، كما كان، عنوانا للوحدة والتماسك ضمن التنوع الديني والمذهبي والسياسي. والمناسبة الأخرى هي ذكرى القادة الشهداء للمقاومة الإسلامية. ونحن هنا نحيي تلك النفوس الطاهرة التي عبرت بتضحياتها عن عنفوان الإيمان لديها، وبذلت أرواحها من أجل حماية هذا البلد من عدو كان، ولا يزال، يتربص به وبعزته وسيادته. إننا ندعو إلى أن تكون ذكراهم ذكرى وطنية يتشارك الجميع لإحيائها، لما بذلوه لحساب عزة هذا الوطن وكرامته، لا أن تتحول ذكراهم إلى مناسبة خاصة. إن الوفاء لأصحاب هذه الذكرى يتمثل في الوقوف مع كل الذين يصرون على إبقاء هذا الوطن قويا في وجه العدو الصهيوني الغادر، ويشكلون قوة ردع له، ليبقى حرا عزيزا كريما وثابتا في التصدي له ولأعوانه.