لقاء ترامب-نتنياهو: هل ستتحول الوعود الإنتخابية إلى سياسات عملية؟

يترقب الفلسطينيون والإسرائيليون نتائج الاجتماع الأول للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، وفيما بدا ترامب متريثاً في مسألة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، يبدو نتنياهو مهتماً أكثر بموقف أميركي داعم لاستمرار الاستيطان.

ويحاول نتنياهو الحصول من ترامب على موقف داعم لاتجاهاته، بحيث أن الأخير وخلال حملته الانتخابية أعلن عدة مواقف مؤيد لإسرائيل دون مواربة، فتعهد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واختار ديفيد فريدمان الداعم للمستوطنات سفيراً في إسرائيل وقال إنه لن يضغط من أجل إجراء محادثات مع الفلسطينيين، دون أن يذكر مسألة حل الدولتين، التي شكلت حجر الأساس في الديبلوماسية الأميركية لمدة عشرين عاماً منذ توقيع اتفاقية أوسلو.

منذ تنصيب ترامب قبل ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع زعلى الرغم من الضجيج الذي أثارته قراراته المختلفة فإن تحولاً حصل في مواقفه تجاه المسألة الفلسطينية، فعُلقت خطط نقل السفارة بعدما تم توضيح عواقب مثل هذه الخطوة. وعن المستوطنات التي يطمح نتنياهو تأييد البيت الأبيض لها، يقول ترامب “أنه لا يعتبرها عقبة أمام السلام، فإن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة أمر ليس جيداً”، وبدلاً من الضغط من أجل إجراء محادثات سلام، قال ترامب إنه يريد أن يبدأ النقاش في شأن اتفاق نهائي وحض إسرائيل على التصرف بعقلانية تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط.

IMG-20170215-WA0038

بعد مواقف ترامب تلك، لم يجد نتنياهو ما يحتفل به غير إسقاط خيار الدولتين ليتم تسجيل هذا الإنجاز في سجله الذهبي كما يريد، لأن عدم تمكنه من تأدية هذه المهمة، سيبقى إسحاق رابين متقدماً على نتنياهو في الحياة السياسية الإسرائيلية، حيث ما زال المغدور حي يرزق لطالما استمرت مفاعيل اتفاق أوسلو وقوانينه الناظمة للعلاقة الإسرائيلية – الفلسطينية، وفي القانون الدولي ومسرح السياسة العالمية بما فيها داخل الإدارة الأميركية.

يدرك نتنياهو ورفاقه في حكومة الاستيطان والتهويد، أن نشوء الدولة الفلسطينية غير ممكن الآن حتى لو أراد ترامب ذلك، لكن ما يعني نتنياهو الآن هو انسحاب الإدارة الأميركية من هذا الخيار حتى تتمكن إسرائيل من الإجهاز عليه، والتنصل من مفاعيله مع الفلسطينيين، ليس على مساحة الوطن الفلسطيني فحسب بل في المسرح الدولي بشكل رئيس.

مصادر متابعة لمسار المواقف الأميركية المتحولة وارتباطها بالمصالح الإسرائيلية، رأت لـ “الأنباء”، أن “نتنياهو لن يستطيع الوصول إلى خياره هذا، على الرغم من التصريحات المسربة من مسؤولين مجهولين في إدارة ترامب، تفيد بتخليهم عن خيار حل الدولتين”، واعتبرت أن مثل هذا الخيار “يبقى في دائرة التشكير ويبقى هو الإنجاز الفعلي إذا استطاع نتنياهو الحصول عليه، وهو الخيبة إذا لم يستطع”.

المصادر اعتبرت أن “ظهور  ريش الطاووس على نتنياهو مع وصول دونالد ترامب الى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، لن يغيِّب من حنكته السياسية، فهو يعرف أنه لن يستطيع قيادة الدفة في العلاقة الإسرائيلية – الأميركية على هواه، كما وعد رجاله في الحكومة المصغرة، فهو يعرف أيضاً أن فريق الرئيس ترامب يواجه استفزازاً استثنائياً، يشمل مؤسسات صناعة القرار الأميركي كافة”.

IMG-20170215-WA0040

وترى المصادر أن محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي “الإيحاء بأنه جزء من القوى المؤثرة في الداخل الأميركي، وأنه يستطيع الاستمرار في لعبة تحوله إلى طرف داخلي في الحياة السياسية الأميركية، غير مضمونة النتائج”، فالربط بما حصل يوم استعمله الجناح الجمهوري في الكونغرس، ومكنه من إلقاء خطاب أغاض الرئيس السابق باراك أوباما حينها، غير متوفر الآن بسبب بسيط، “الكونغرس الجمهوري متحفز لمصالحه الأساسية في مواجهة إدارة جمهورية غير تقليدية، وتحتاج لإعادة ضبط وتقويم”. فهل يختار نتنياهو موقعا يتبع الإدارة الجديدة مباشرة، وهي في طور التشكيل، أم يواصل تموضعه ضمن كراسي لاعب الاحتياط لدى زعماء الكونغرس الجمهوري؟ هذه الحيثية المسكوت عنها إسرائيلياً لن تمر في واشنطن اليوم دون مراجعة وتدقيق، لأن ترامب لديه ميزان للربح والخسارة قصير الأجل، بينما زعماء الكونغرس لديهم الوقت الكافي لممارسة ألاعيبهم السياسية، بعيداً عن ضغط الوقت والمحاسبة المباشرة لطالما أنهم خارج دائرة الضوء الموجه على ترامب وفريقه. فرئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك أن طباع دونالد ترامب وأسلوبه ليسا من الطراز المفضل لديه، وعليه أن يكون حذراً حتى يستطيع إقناع الرئيس الجديد بما يريد دون خسارة مواقعه مع خصومه في قيادة الحزب الجمهوري، وهم الأكثر رسوخا وتأثيراً في صناعة القرار الأميركي.

تعتقد المصادر أن زيارة نتنياهو الى الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة، تنصب على إبراز صورة وموقع نتنياهو إلى جانب الرئيس ترامب، بصفته زعيم دولي وإقليمي، ولا عب أساسي على المسرح العالمي وفي الشرق الأوسط، لا بصفته كلاعب رئيسي في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني فقط،  ما يحتم على أن يكون لدى الخبراء من الطرفين الأميركي والإسرائيلي الذين حضروا لهذه الزيارة، الدراية الكافية في إدراج عناوين عامة، غير مكلفة لترامب ومربحة بدرجة ما لنتنياهو، وترجح أن تتضمن هذه العناوين، “مقاربة الملف النووي الإيراني، ومقاربة موضوع الإرهاب والتطرف الإسلامي، ومقاربة موضوع الهجرة، ما يجعل الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي جزء من الصورة الشاملة، وليست مسألة راهنة، ما يبين تراجع الملف الفلسطيني إلى درجة غير ملزمة للإدارة الأميركية بالتخلي عن حل الدولتين، كما هي غير ملزمة لنتنياهو بأن يرى محاذير السياسة الأميركية السابقة التي اتبعها الرئيس أوباما، لا سيما مسألة توسيع المستوطنات”.

*فوزي ابو ذياب