الهجوم على جنبلاط أبعد من الانتخابات: ما بعد الحرب غير ما قبلها

استغرب بعض السياسيين والمتابعين، إستحضار النائب وليد جنبلاط لفلسطين قبل يوم من انعقاد المؤتمر السابع والأربعين للحزب التقدمي الإشتراكي، بإستعادة نشيد موطني. أو حتى بتأكيده خلال كلمته في المؤتمر على الحفاظ على التنوع الذي يمتاز به الحزب التقدمي الإشتراكي وهذا ما تظهّر جلياً من خلال أعضاء مجلس القيادة ونواب الرئيس.

بعد الحرب الأهلية غير ما قبلها بالنسبة إلى جنبلاط. ولذلك سلاحه الوحيد هو الهدوء والحوار بوجه أي عاصفة هوجاء عاتية. وهذا ما منحه إمتياز التحرك بهامش واسع، وبتمرير الرسائل بطريقة سلسلة ومبطّنة. ولذلك، فقد انطوى استحضار أغنية موطني على رسائل موجهة في إتجاهات متعددة، وإن كان عنوانها الأساس التمسك بفلسطين كقضية، فإن هدفها يصبّ في مكان آخر، خاصة في ظل احتدام “الصراع” حول إعداد قانون إنتخابي جديد، وإتجاه البعض إلى منحى “التقوقع” والتحجيم، والطائفية والمذهبية.

وبالتالي فإن جنبلاط أوصل الرسالة عن طريق فلسطين إلى جمهوره أولاً وإلى السياسيين ثانياً، بأن العروبة هي خيار الحزب الإشتراكي، الذي لا يمكن أن يكون في عداد الأطراف الداعية إلى الفرز المذهبي والطائفي، وهذه كانت رسالة واضحة منه لرفض الصيغ الإنتخابية التي تعزز الفرز المذهبي، وتهدف للخروج من منطق “الأقليات وتحالفها”.

الخلاف قديم بين الحزب الإشتراكي، وجنبلاط تحديداً، وما يسمى “حلف الأقليات” الذي برز منذ ستينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت، وفي محاولة تبريرية لوجود الكيان الصهيوني القائم على أساس عنصري، حاول البعض في لبنان إحياء مفهومية حلف الأقليات، بمعنى أن تتشكل كانتونات مذهبية، درزية، وأخرى مسيحية. الأمر الذي رفضه جنبلاط بشكل قاطع، ثابتاً على صموده في الخط الوطني الذي كان يشكل الحركة الوطنية، واكد أكثر من مرة أن الخيار الأفضل هو العروبة.

إلى ذلك الوقت يعود الإشكال مع جنبلاط، من قبل أطراف عادت اليوم محاولة لإحياء ما تم دفنه في الطائف، وذلك من بوابة قانون الإنتخاب، وخصوصاً في تسريب صيغ إنتخابية، تحاول فصل المسيحيين في الجبل أو غيره عن شركائهم في “المواطنية”، وهذا ما يرفضه جنبلاط لأنه يقضي على كل مفاعيل مصالحة الجبل والعيش المشترك فيه، ومن شأنه أن يعيد إحياء بذور التوتر، خاصة في ضوء تصريحات جرى تسريبها عن لسان أحد الأشخاص المعنيين بقانون الإنتخاب بأنه لن يسمح لجنبلاط بتسمية أي نائب مسيحي.

صحيح أن الحزب التقدمي الإشتراكي كان أول من طرح النسبية، لكن ذلك كان في ظل إلغاء الطائفية السياسية، لأن المنطق يفيد بأن لا لقاء بين النسبية والطائفية والمذهبية، ولذلك، بهدف الحفاظ على منطق التعايش، يصرّ جنبلاط على إدخال تعديلات على قانون الستين، تحمي النسيج الإجتماعي اللبناني لا تضعه على فوهة بركان.

في الكواليس وفي العلن، كثيرون يشنّون الهجوم على جنبلاط، متهمينه بعرقلة إقرار قانون جديد للإنتخابات، لكن حقيقة المشكلة لا تكمن هنا، المشكلة الوحيدة، أن جنبلاط لا يزال يقف صدّاً منيعاً أمام تطييف المجتمع أكثر فأكثر، ويصرّ على إستمرار التنوع، وما يؤكد ذلك، هو التصريحات المتعددة لمختلف القيادات التي أكّدت حرصها على موقع جنبلاط، وتفهمها لهواجسه، وبأنها لا ترضى بإقرار أي قانون من شأنه تطويق جنبلاط أو إلغاء توجهه التنوّعي.

لا مجال للمجاملة في السياسة، وحرص هؤلاء الأفرقاء لا ينبع من منطق المجاملة. إنما من مبدأ الحفاظ على العلاقة الجيدة والممتازة مع جنبلاط، الذي استطاع أن يشكّل صمام أمان يحتاجه الجميع.

ربيع سرجون – الانباء