خطاب الكراهية المقارن ترامب وعبد الناصر

د. قصي الحسين

توصل الباحثون في دراسة أجرتها جامعة في استراليا، إلى أن “المعلومات المغلوطة التي يتلقاها الأشخاص، إنما تلتصق سريعاً بأذهانهم حين تكون متوافقة مع اقتناعاتهم السابقة، ومعتقداتهم السياسية أو الدينية”. وقد استنتج الباحثون من ذلك، “إلى القبول بالأكاذيب المريحة التي تشبه ما نعتقده أسهل كثيراً، وأقل كلفة من رفضها أو البحث لمعرفة الحقيقة المجردة من أي انحياز”.

وعطفاً على ذلك يقول الكاتب في صحيفة “الغارديان” البريطانية، سايمون جينكيز إن “عالم ما بعد الرقمية، دفع بعقولنا إلى الهرولة خلف تغريدات ومنشورات قصيرة لاهثة، فلم نعد نصبر على قراءة جملة طويلة، ناهيك بكتاب أو بحث أو دراسة، أو أية معلومة مركبة أو معقدة”.

ويواجه العالم اليوم سيلاً من الأخبار الكاذبة، ومن بث الأحقاد والضغائن في وسائل الاتصال. وتعمل على تعرية النفوس بالسياسة تماماً كما تعمل على تعرية النفوس  والأجسام، لأجل أهداف معلومة/ تحقيق مكاسب سياسية، وتحقيق فوز رخيص في انتخابات. وتحقيق جماهيرية وشعبية رخيصة لصنع نجومية أو أية أيقونة زائفة.

بهذا المعنى، طالبت المفوضية الأوروبية، كبريات شركات التكنولوجيا، مثل “فايسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، و”غوغل” و”مايكروسوفت” بتسريع حملاتها ضد ضخ الأخبار الكذابة وضد ضخ خطاب الكراهية، وضد التحريض على الإرهاب.

وترى الكاتبة في صحيفة “واشنطن بوست” “آبي أوهليسر” أن دوافع الأخبار المفبركة، ليست حزبية في الغالب، إنما مادية وسياسية وذات أهداف انتهازية. وقد وجدت أن ظاهرة ضخ الأخبار الكذابة وضخ خطابات الكراهية، عادة ما تحقق عائداً مادياً وسياسياً وجماهيرياً للمشتغلين بها”. فعندما تنشر شخصية عامة أو شخصية ذات صفة، خبراً زائفاً أو خطاباً حاقداً، فإن ذلك يضفي مصداقية على المصدر في عين الجمهور تماماً كما يضيف الزائف إلى أرباح المزيف بضعة آلاف من الدولارات.

ويتساءل صلاح حسن، وهو كاتب عراقي: ما إذا كان الرئيس ترامب، قد قدم في خطاب تنصيبه رئيساً جديداً للولايات المتحدة، مفهوماً جديداً للكراهية الدينية. وهو يرى، أن خطابه الشفوي، والذي كان خليطاً من الاشتراكية واللاهوت والشعبوية، إنما أضاف جرعة جديدة من الكراهية إلى العالم.

وهو لهذا يتخوف من أن انتخاب ترامب، ربما يعيدنا بقوة إلى المصائر التي تنتظرنا نحن سكان هذه المنطقة من العالم، التي تزدهر فيها الكراهيات المجنونة مثل الجراثيم. يريد بذلك ما يجري في العراق وسورية بسبب داعش، أو بسبب من يماثلهم من الدواعش في ليبيا والصومال والسودان وإيران واليمن. إذ يصرح عن ذلك فيقول: “لن نبحث عن أمثلة فهي كثيرة. ونعيشها يومياً من المغرب إلى العراق” (الحياة ص 8/ 25 كانون الثاني 2017) .. إنها تجاوزت المرحلة الحيوانية بكثير، وذلك حين نتعرف إلى ما يحدث في العراق مثلاً أو في سورية أو في فلسطين أو في لبنان أو في السودان وحتى في مالي ونيجيريا. وإلى كراهيات يتفنن الكارهون في استنباطها وتقديمها على الأرض كما لو أنها براءة اختراع.

إن انتعاش الكراهيات بين الناس، إنما يستمد قوته من العزلة الجغرافية، يقول صلاح حسن. من الانكفاء والسرية والتقية. وقد وفر الحاقدون والكارهون والمتعصبون من الرؤساء في الدول والأحزاب والتيارات الدينية والسياسية الطرق والسبل والحوافز المنتجة لنمو الكراهيات داخل هذه المجتمعات أو الدول أو الأحزاب أو التيارات أو الجماهير، وجعلت منهم الدهماء التي تناصب العقلاء والمفكرين ودعاة ملاقاة الآخر والتعاون معه، كل سبل العداء.

في منتصف القرن العشرين ظهر الرئيس جمال عبد الناصر، الذي يجمع بين العقل الاختباري في الغربي، الذي أوحى إليه بأفضل الواقعية المطالبة للمجتمع وللقومية والدين والاشتراكية، وبين الحس الشرقي الروحي الأصيل. فنـزع من بصيرته ومن بصره، أي أثر لفكرة التعصب، وأي إثرة للعصبية. وكانت مفاهيم الحق والعدل والخير والإخاء والسلام، تراوده وتتردد على فمه باستمرار، في جميع خطاباته. كان يقدم خطاب الأخوة والتآخي، وخطاب السماحة والتسامح، على خطاب الكراهية، للأغيار. كان يقول لكمال جنبلاط: “نحن لا نميز ولا نفرق بين أرباب هذا الدين أو ذاك”. ويضيف كمال جنبلاط في إحدى شهاداته: “كان يشكو له بعض الحكام السوريين في دمشق، وطابعهم العلوي المزعوم في نظرهم” فيقول بصوت قوي وحاسم، وبنبرة عصبية متفهمة ورادعة في آن واحد: “يقولون لي إن حكام سوريا هم علويون.. أنا لا يهمني ذلك. ولا يهمني أن يكونوا شيعة أو دروزاً أو مسيحيين.. الذي يهمني هو أن يكونوا وطنيين وقوميين وعرب مخلصين”. ويضيف الشهيد كمال جنبلاط: “في أيام الرئيس جمال عبد الناصر، فتح الأزهر الشريف أبوابه أمام طلاب الشيعة وأتباع التوحيد الدرزي”. وفي عهده صدرت فتوى الأزهر المشهورة في اعتبار جميع المذاهب الإسلاميّة (من شيعة ودرزية واسماعيلية وسواها) مسلمة في حقيقتها” (كمال جنبلاط: مختارات، ص 140).

فهل خطاب الكراهية، خطاب ناقص. بمعنى أنه ينقصه الآخر الذي أقصاه وأبعده عنه. حذار إذن الأخذ بخطاب ترامب، لما يؤذي الآخر فيثور ولا نعرف كيف تنتهي بنا وبه ثورته؟

(*) أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث