لبنان: من عضو مؤسّس للأمم المتحدة إلى قاتل للطيور

محمود الاحمدية

قبل أربعة شهور كتبت مقالة في مجلتكم الغرّاء بعنوان «طائر النورس والطائرات والخطر الداهم» استناداً إلى حديث خطير خلال زيارة عائلية قاله لي صديقي وقريبي صاحب الثلاثين عاماً خبرة في قيادة الطائرات: «أخي محمود أنا اليوم مرعوب… البارحة و،ا في طريقي للهبوط في مطار بيروت مر طائر النورس أمام ناظري بسرعة أفقية كالسهم… وللمرة الأولى أشعر بالرعب الحقيقي بالرغم من خبرة السنين… واستطرد قائلاً: قبل فترة الطائرة الأردنية دخل طائر إلى محركها والحمدلله نه كانت ما تزال على أرض المطار وتخلصت من كارثة…

وكانت مقالتي، وبكل تواضع وأنا لا أشخص الأمور، ناقوس خطر حقيقي لو أنها كُتِبَتْ في وطن يحترم نفسه لَتَحَوّلَتْ كلُّ زوايا المطار إلى ورشة عمل حقيقي هاجسها: كيفية إنقاذ المطار والطيران من مشكلة طيور النورس وصولاً إلى معالجة السبب أولاً وقبل كل شيء!! ولأَصَبَحَتْ الوزارات المعنية أيضاً خلية نحل وصولاً إلى حلٍّ جذري لسبب تكاثر هذه الطيور!! ولكان الجميع وصل إلى نتيجة واحدة لا مَفَرّ من نكرانها وباختصار شديد: الطيور عامّة وطائر النورس خاصة موجودة منذ زمن بعيد ومرة واحدة حصلت منذ عقدين عندما عترضت أسراب الحمام إحدى الطائرات فجاء الحل سريعاً بأمر واضح وقاطع لكل الذين يربّون الحمام في منطقة حرم المطار أن يكفّوا بشكل نهائي عن تطيير الحمام في الاجواء… ومنذ ذلك الزمن لم نسمع بحادثة واحدة لأن التصرف الحكومي المسؤول والصارم كن واضحاً وفاعلاً… أما اليوم ومع تكاثر طائر النورس السبب الأوحد لهذا التكاثر هو وجود النفايات أي مطمر الكوستابراڤا!! وعن قصد وعن سابق عمد وتصميم أسمح لنفسي بالقول إن السبب الأوحد هو الكوستابراڤا لأنه وبكل المقاييس الدولية والنظم الدولية، وجود المطمر على بُعد 700 سبعماية متر من المطار خطأ فادح ومناقض لمبادئ (تقييم الأثر البيئي لمطلب أي مشروع) والقوانين الدولية تمنع وجود مطامر النفايات بقرب المطارات وتؤكد على تأمين مسافة لا تقل عن 60 كيلومتراً بعيداً عن المطارات…

nawras

والمأساة الكبرى أنّ موقع الكوستابراڤا يضرب المعاهدات الدولية التي مضى عليها لبنان وأهمها (اتفاقية برشلونة) للمحافظة على نظافة مياه البحر الأبيض المتوسط… والحمدلله طوّقنا هذه الاتفاقية بمكب برج حمود سابقاً وما يزال خازوقاً حقيقياً في قلب البحر ومكب صيدا والذي أُزيل وتحول إلى حديقة عامة والمطمر المستحدث في الكوستابراڤا وهو اختراع مجنون أقول وأكرر مجنون لا علاقة له بكل مقاييس البيئة ولا علاقة له بالمحافظة على البيئة البحرية ونظافة مياه البحر المتوسط وتعدٍّ صارخ على الأملاك البحرية وظلم وقهر يومي لسكان المنطقة المحيطة والبعيدة من خلال تلويث الهواء وروائح لا يمكن تحمّلها وإذا لا سمح الله بقي المطمر في مكانه فحدّث بلاحرج عن غاز الميثان وإثارة المدمرة على الهواء وعلى الطيران بشكل خاص عدا عن المياه الملوثة السائلة التي ستنتج عنه وتلوث الشاطئ والبحر… عدا عن الحدث الأهم وهو تكاثر الطيور من خلال وجوده على هذه المسافة من المطار…

ومع احترامي للخبير الفرنسي والذي قدم خلال 48 ساعة تقريراً يبرئ مطمر الكوستابراڤا ويضع اللوم على مصب الغدير فأقولها بكل ثقة: نهر الغدير الآتي من وادي شحرور والذي يزين ضفتيه والحمدلله حوالي الماية وخمسون مصنعاً والمزارع والدباغات والتي تصبغ ماءه تارة بالأبيض وبعد الأحمر وبعدها كل الألوان في منظر يجعلنا نخجل من أنفسنا على هذه الجاهلية في التعاطي مع النهر وصولاً إلى البحر في منطقة الشويفات. ومع كل هذا الواقع المتردي للغدير لم نشاهد يوماً ومنذ خمسة عشر عاماً تخوفاً واحداً من الطيور ومسألة السمك على الغدير ومصب الغدير فاليسمحوا لنا هذا السمك هو منطقة جذب لطيور نورس معينة أصبحت من النوع المعرض للانقراض وليست مثل طيور النورس الأخرى ولم نشاهد يوماً تكاثراً بسبب السمك! أما الحفريات في البحر للرمول وضمن حرم المطار والبرك أيضاً وأيضاً جزء من تحديد للمطمر أقولها بجرأة وبعلم وبثقة…

النورس

في هذه الدوامة، عبثاً تحاولون، الحل الوحيد الأوحد: نقل مطمر الكوستابراڤا وفقاً للمعايير الدولية واحترام تقييم الأثر البيئي للمطمر الجديد حيث سيقام ويجب أن يكون مؤقتاً وأعيدها مؤقتاً لأن الحل الأساسي الموازي لمشكلة النفايات والذي نادينا به هو فرز النفايات من المصدر وكلما تطورت هذه الطريقة كلما خفت النفايات عن المطمر وصولاً إلى نسبة تجعل المطمر غير ذي حاجة أي أن النفايات العضوية والصلبة تتحول من نقمة إلى نعمة وتدرّ أموالاً وتحقق فرص عمل بدل أن ندفنها في باطن الأرض…

فخامة الرئيس دولة الرئيس في بداية هذا العهد الناس تنتظر وتراقب التصرفات والقرارات  وإرساء وتطبيق القوانين وفرض سلطة الدولة كسيف قاطع  وبشكل حازم… الناس اشتاقت لمنطق الدولة ولوقار الدولة ولسياسة العدل في الدولة وللشفافية في الدولة والابتعاد عن النهب والسرقة في الدولة.

فخامة الرئيس دولة الرئيس من المستحيل والمؤلف أن نتصور دور لبنان كأحد مؤسسي الأمم لمتحدة واحدة واضعي شرعة حقوق الإنسان إلى لبنان الذي يأمر مجموعة ضالة بقتل الطيور كحل داهم لحماية الطيران… مجزرة ومنظر لا يليق ببداية عهد… كلنا أمل ونتكلم ونكتب بخلفية نظيفة من خلال حبنا وشغفنا بالوطن المعافى…

فخامة الرئيس دولة الرئيس… الإحباط سيكون كبيراً إذا لا سمح الله تدهورت الأمور وسنجد جميعاً شعباً بأكمله يفكّر بالرحيل…

فخامة الرئيس دولة الرئيس الشعب يائس ومنهار والوجوه مكفهرّة والقلوب منقبضة والنفوس تتعذب… فرصتكم التاريخية لإنقاذ شعب!.

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين

 

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة