النسبية الكاملة “ابتلاع” كامل للأقليات والطائفة الأكبر هي “المحدلة”

د. صلاح ابو الحسن

قانون الانتخابات النيابية الذي يُطرح اليوم في “الرباعيات” وفي الكواليس والمطابخ السرية، انما يهدف الى تخيير اللبنانيين بين محدلة “الحيتان” السياسية وبين محدلة “ديناصورات” الطوائف.. والفارق الوحيد والاهم بين “الحيتان” و”الديناصورات”، أن الأول يمكن صدّه او تلافي مخاطره بقوانين صارمة تمنع الناخبين “الكبار” من استعمال المال الإنتخابي في حملاتهم، او استخدام سلاح التحريض الطائفي والمذهبي في خطاباتهم، او سلاح الاعلام الموجّه، خاصة ان وسائل الاعلام المرئية والمسموعة خاضعة لسلطات الناخبين “الكبار”.. دون أن ننسى مواقع التواصل الإجتماعي.. والضبط هنا خاضع للسلطة القضاء، إن شاءت” من خلال القوانين الموجودة اصلا، والتشدد على منع سلطات الأمر الواقع، من انتهاكها أو خرقها.. انها مهمات صعبة لكنها قابلة للمراقبة والضبط بنسبة عالية على الأقل..

اما الثاني، للأسف لا يمكن ضبطه لا من قبل القضاء ولا من قبل الحكومة ولا من قبل الأجهزة الأمنية، الموكل اليها مواكبة العملية الانتخابية.. وحتى لو اقترح البعض الإستعانة بهيئات متخصصة من المجتمع المدني المحلي والدولي، ومن منظمات دولية محايدة..

لا يمكن الضبط والمحاسبة لأن قانون الانتخابات الذي يُروّج له، لا يسمح بأي اجراء قانوني.. فالقانون القائم على النسبية الكاملة او غير الكاملة، لا يسمح لا بالمراقبة ولا بالمحاسبة ولا بالضبط.. ولا في تغيير الأكثريات في بلد ينخره ويتآكله الانقسام الطائفي والمذهبي.. فالأكثريات ستبقى أكثريات والأقليات لن تتغير، لا اليوم ولا مستقبلا.. والنسبية في ظل الطائفية المتأصلة بالشعب اللبناني لا يمكن ان تؤمن لا العدالة ولا الميثاقية ولا التنوع ولا الوحدة الوطنية ولا الإستقرار السياسي والامني.. ومن يحمل هذه العناوين وهذه الشعارات.. انما يهدف الى تجويفها او يهدف الى الغاء الغير او ربما ينفذ سياسات اقليمية او اجنبية مشبوهة..

وفي المحصلة فان كل الطرقات توصل الى النتيجة نفسها.. والتي تدمر صيغة لبنان القائمة على التنوع والمشاركة والرسالة التي يمثلها تاريخ لبنان.. فكل الجداول الصغيرة تصب في بحر الأكثريات الطائفية..

lebanon-election1

الذي “اخترع” النسبية، اخترعها لدول وأنطمة مدنية عصرية غير طائفية، ولدول تقوم على نظام الحزبين أو أكثر، والمواطن فيها يقترع لهذا الحزب أو ذاك استنادا الى برنامجه السياسي والإقتصادي والإجتماعي.. ولذلك اعتمدت “النسبية” لائحة الإقتراع “المقفلة” اي لا يجوز “التشطيب” فيها.. ثم كانت نظرية اللائحة “المعدلة” من خلال الصوت “التفضيلي” الذي يسمح بتفضيل مرشح او اثنين ضمن اللائحة المقفلة..

في لبنان، الناخب لا يصوّت لا للحزب ولا للائحة المقفلة ولا للائحة المعدلة.. الناخب اللبناني يصوّت لطائفته وفي أحسن الحالات للطائفة الحليفة.. ولنتذكر انتخابات بعلبك – الهرمل كيف صوتت الأكثرية المذهبية للمرشح الكاثوليكي آنذاك.. ولذلك فان الطائفة الأكبر عددا في لبنان هي الحزب الأكبر، والطائفة الأصغر الحليفة لهذه الطائفة او تلك، تصبح تابعة او مٌلحقة ولا حيثية سياسية او وطنية لها.. على قاعدة السمك الكبير يأكل السمك الصغير..

الغريب، ان البعض يبني حساباته الانتخابية على تحالفاته الحالية، وهذا قصر نظر سياسي.. فالتحالفات الانتخابية كما السياسية لا تٌبنى على ظروف انية او محلية او اقليمية.. السياسة تتبدل اما قانون الانتخاب فقد يستمر لعقود.. ومن الغباء الإعتقاد ان التحالفات ابدية سرمدية.. ومن لا يؤمن بدوران الأرض فهذا شانه.. وليتسمّر في مكانه!!..

حتما، ليس قانون “الستين” هو المرتجى للمستقبل.. ولكن الذي يؤبّد هذا القانون هو النظام الطائفي.. يوم كنا قاب قوسين أو أدنى لتخطي الانقسامات الطائفية قبل الحرب الأهلية، ويوم طرح كمال جنبلاط البرناج المرحلي للاصلاح السياسي.. ويوم كان العرب يخشون انتقال عدوى الديمقراطية في لبنان الى دولهم التي تهدد أنظمتهم.. المخابراتية الديكتاتورية وأنظمة الحزب الواحد والأبدي.. طرح كمال جنبلاط من ضمن نظرته للإصلاح السياسي، قانون انتخابات نسبي.. فأين نحن اليوم من ذاك الزمان الجميل الى حد ما.. وللتذكير فقط، ان من رفض وبشدة طرح كمال جنبلاط اعتماد “النسبية”.. هو الفريق ذاته الذي ساهم بتأجيج المذهبية والطائفية والذي يرفع اليوم،  لواء “النسبية”، انما لأغراض مشبوهة.. ونذكّر ايضا وأيضا، انكم البارحة في “الدوحة” رأيتم في قانون الستين انتصارا مبينا لفريقكم السياسي..

كمال جنبلاط

التزموا بالطائف والتزموا بالغاء الطائفية السياسة وشكلوا اللجنة الوطنية لإلغائهان واقروا مجلس الشيوخ وانتخبوا مجلسا نيابيا خارج القيد الطائفي.. وسترون حينها ان قانون “الستين” سيسقط حكما ومن تلقاء نفسه.. شرط ان لا تعيدوا انتم احياءه من جديد.. ولكم سوابق كثيرة في ذالك..

نقول لهؤلاء، وننصحهم، ونحن الضنينين بلبنان الرسالة والتنوع ضمن الشراكة، كفّوا عن المراهنات.. مراهناتكم السابقة كانت قاتلة ومدمرة فلا تعيدوا الكرّة من جديد..

حفظ الله لبنان واللبنانيين من اصحاب المشاريع المشبوهة.. وحماه من بعض السياسيين الجهلة الذين لا يرون ابعد من انوفهم.. فاليوم خمر وغدا أمر.. ولكن وقتها قد لا ينفع الندم..

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم د. صلاح ابو الحسن

“الدروز” الى أين؟؟!!

هل “هزة” حماة وحلب تُبدل قواعد اللعبة

الى رفاقنا وأهلنا وأصدقائنا في المتن الأعلى “تجربتكم مع هادي سبقت نيابته”

ترامب ومصير الإنتخابات

الناخب بين “الحاصل” و”المحصول”

قانون الإنتخاب “الإلغائي” و”شفافية” التزوير..

لا تصدّقوا وعود الإنتخابات

لا تستخفوا بالمعترضين

بعد الغوطة.. الإرهاب أرحم

ولماذا الإنتخابات؟!

انقلب باسيل على تفاهم مار مخايل.. وقضي الأمر!!

هكذا صهر يُعفي العهد من الأعداء

مصائر الديكتاتوريات متشابهة!

بين نداء الحريري ونداء “صاحب الزمان”!!

ما أحوجنا اليك

وأخيرا… “طفح الكيل”!

“كأنه حُكم على اللبنانيين أن يحكمهم دائما الجهال”..

رسالتي الى الرفيق تيمور

إنتصار “الأوهام” الكاذبة!

صنّاع الإرهاب هم صنّاع تقسيم سوريا!