لقاء لـ “الشباب التقدمي” مع ناصر الدين حول القوانين الإنتخابية

وطى المصيطبة- “الأنباء”

نظمت منظمة الشباب التقدمي لقاءً سياسياً حوارياً مع  القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي هشام ناصر الدين  لمناقشة موضوع القوانين الانتخابية المطروحة، بحضور نائب رئيس الحزب الدكتور كمال معوض، أمين السر العام ظافر ناصر، مفوض العدل نشأت الحسنية، مفوض الشباب والرياضة صالح حديفة، أمين عام منظمة الشباب التقدمي سلام عبد الصمد، ممثل جبهة التحرر العمالي اكرم العربي، وكيل داخلية الشمال جوزيف القزي، مدير المركز التقدمي للتمكين احمد مهدي، وفد من مفوضية العدل والتشريع وعدد من القيادات والكوادر الحزبية.

في البداية، قال ناصر الدين: “قبل المباشرة بطرح الموضوع الإنتخابي ومحاولة شرح وتفسير المسألة الأساسية المتعلقة بإجتماعنا اليوم ألا وهو قانون الإنتخابات النيابية، والمشاريع المقترحة لأي قانون إنتخابي جديد والنظام الإنتخابي الممكن اعتماده في العملية الانتخابية، أود التـأكيد أن هناك استحالة لفصل الأمور التقنية عن الأمور السياسية. فالسياسة هي الأساس والمنطلق الحقيقي والفعلي لأي قانون أو أي نظام مهما كان نوعه، وقانون الإنتخاب يخضع حكماً لهذه المسلمة”.

اضاف: “إن التقنية مهما كانت ماهرة ومتمكنة وقادرة على وضع القوانين والأنظمة الإنتخابية، تبقى قاصرة عن إيجاد حل فعلي أو حقيقي للمسألة الإنتخابية والأنظمة التي تجري على أساسها، مهما كانت مثالية وعلمية ومحترفة، أو تدعي ذلك، دون وجود خلفية سياسية ما، لها، ولهذا القانون أو ذاك الذي تضعه لأن جوهر المسألة الإنتخابية سياسي وليس تقني. فالرؤية السياسية والخلفية السياسية والأهداف السياسية هي الأساس لوضع قانون الإنتخابات، أي قانون إنتخابات ومن أية جهة أتى ذلك القانون”.

تابع: “كما أسارع إلى القول، بألا يخدع أحد ببعض إقتراحات القوانين المطروحة، التي تتضمن بعض الأفكار المتقدمة أو التحررية أو العصرية إلى آخر المواصفات الوطنية وغيرها، والتي يدَعي أصحابها التركيز عليها والإنطلاق منها في طروحاتهم، لأن الأهداف الحقيقية المخفية خلف تلك القوانين هي سياسية محضة، وتخدم أهداف سياسية محددة لأصحابها وكل من يقول أو يدعي غير ذلك، يقوله من باب الدجل السياسي والدهاء الإعلامي. وما الترويج الإعلامي المكثف لأي مشروع إنتخابي، سوى محاولة من مرجعيته السياسية لإقناع الآخرين، على أنه المشروع الأفضل للبنان وللشعب اللبناني، ولكنه في حقيقة الأمر الأفضل لمشروعه السياسي الذي يحاول تنفيذه في لبنان وكسب الرأي العام حوله”.

أضاف: “وبكل أسف أقول أن هناك العديد من الناس وبالأخص من فئة الشباب ــ الذين كنا نحن مثلهم ــ تستهويهم الشعارات البراقة والمفاهيم الجديدة أو الثورية أو الوطنية العامة أو التقدمية أو العصرية، التي توضع قصداً لتزين تلك المشاريع، بهدف استمالة تلك الشرائح الاجتماعية التي تريد التغيير وتسعى إليه بأي ثمن، للخروج من الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي السيء الذي يعيشه البلد، والتطلع للوصول إلى حياة ومستقبل أفضل”.

 IMG-20170128-WA0075

 وأردف ناصر الدين: “أقول هذا الكلام ليس إنتقاصاً من وعي وإدراك أي فئة أو شريحة في هذا المجتمع، بل لكثرة ما نشاهد ونسمع ونقرأ يومياً من التحليلات والمناظرات والمقالات، في الصحف والتلفزيونات والإذاعات، من بعض القوى السياسية والأحزاب  ومن يلوذ لهم من المحللين السياسين والخبراء الإنتخابيين وأصحاب المكاتب الإحصائية، الذين أصبح همهم الأول وشغلهم الشاغل الترويج المستميت لمفهوم النسبية والانتخاب وفق النظام النسبي، وأن لا خلاص للبنان إلا بهكذا نظام إنتخابي، وكأنهم اكتشفوا الترياق لشفاء النظام السياسي المريض بعد خمسة وأربعين سنة على طرحه من قبل المعلم كمال جنبلاط، الذي كان أول من طرح النسبية في لبنان، واستماتت تلك القوى السياسية ذاتها لرفضه آنذاك بنفس القوة والمنهجية التي تحاول الترويج له اليوم”.

وقال ناصر الدين: “إنطلاقاً مما تقدم، وفي خضم النقاشات التي تدور حول الانتخابات النيابية والأنظمة الانتخابية، ترتسم بعض الأسئلة التي لا مجال إلا وأن نطرحها لإغناء النقاش الداخلي من جهة وللنقاش مع الآخرين من جهة ثانية”.

وسأل: “لماذا تستحوذ الإنتخابات النيابية هذه المساحة الواسعة من الإهتمام في لبنان؟ ولماذا تحتدم النقاشات والسجالات حول قانون الانتخابات وطبيعة النظام الانتخابي الذي يجب أن يطبق؟ هل يجب أن يطبق النظام الانتخابي الأكثري أو النسبي أو المختلط بين الأكثري والنسبي؟ ولماذا تنخرط في هذه العملية كل الأحزاب والطوائف والقوى السياسية والاجتماعية والهيئات المؤثرة والفاعلة في المجتمع اللبناني؟

– هل لأن الانتخابات النيابية هي التعبير الأمثل لمشاركة المواطنين في الحياة السياسية؟ هل لأن المجلس النيابي هو المؤسسة المخول لها التعبير عن إرادة الشعب وطموحاته ومتطلباته؟

– أم لأن البرلمان له الدور الأكبر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وله التأثير الأكبر على باقي مؤسسات النظام السياسي وصناعة السياسات العامة للدولة بأسرها؟

– وهل العبارات والشعارات التي تستخدمها بعض الأوساط السياسية والمحللون والسياسيون والخبراء الانتخابيون في طرح ضرورة وضع قانون جديد للإنتخابات ورفض القانون الحالي، تُعبر فعلاً عن خلفية إصلاح حقيقية لهذا الطرح؟

– فهل عدالة التمثيل، ورفع الهيمنة، وسرقة الأصوات، وسلب المقاعد، وتحقيق الإرادة الشعبية، وصحة التمثيل، والمشاركة، وتطوير النظام، والإصلاح، ورفع الغبن، والحفاظ على الصيغة اللبنانية، والميثاقية، وشرعية التمثيل، وغيرها من العبارات والشعارات الطنانة الرنانة، هي شعارات حق يراد تحقيقها فعلياً؟ أم أنها مجرد شعارات تستخدم لأغراض وأهداف سياسية ؟ وضد فئة سياسية معينة؟ وتستهدف جماعة محددة بذاتها؟”.

– إذا كل ذلك هو في حقيقته، مسألة سياسية خلفيتها ودوافعها صراع على السلطة بكل ما في السلطة من أنماط للتحكم والتفرد والنفوذ والسيطرة على مفاصل الحكم في لبنان. وما قانون الانتخاب سوى إحدى الوسائل الرئيسية التي تحاول بعض القوى من خلاله، الإستحواذ على السلطة السياسية العليا في البلاد، أو المشاركة بفعالية أكبر فيها، ولما لهذا القانون من تأثيرات فاعلة في التركيبة السياسية اللبنانية، وبالحياة السياسية بشكلٍ عام في لبنان”.

 وأكد نصر الدين ان “هذه القوى تريد وضع قانون إنتخابات يؤدي إلى النتيجة التي تريدها قبل إجراء الانتخابات، لأن شكل القانون والنظام الانتخابي الذي سيعتمد فيه والدوائر الانتخابية التي سيقسم على أساسها لبنان، يؤدي حتماً إلى حسم النتائج سلفاً لصالحها…”

 IMG-20170128-WA0076

وقال: “على هذه الأمور تكمن الخلافات الحقيقية وحولها تخاض السجالات لأن الهدف الأساسي لأي قوة سياسية هو كسب أكبر عدد من المقاعد في المجلس النيابي، من أجل تعزيز سلطتها ودورها في النظام السياسي القائم، على حساب القوى السياسية الأخرى”.

أضاف: “من هذا المنطلق، وعلى مدى عقود طويلة، نرى أن مسألة تبوء السلطة السياسية في لبنان تتخبط في صراع تاريخي طويل، وتسير في مدار بحث وجدل وسجال لا يتوقف عن الدوران حول هذه المسألة المركزية، ألا وهي أحقية السلطة السياسية ولمن يجب أن تكون..”.

واشار نصر الدين الى أنه “في كل موسم إنتخابات نيابية، وكلما طرح موضوع الانتخابات للبحث، يتكرر المشهد نفسه، لأن الانتخابات هي الوسيلة الأساسية إلى السلطة التي تسعى إليها تلك القوى السياسية ذاتها.. متناسية أن التركيبة السياسية اللبنانية تختلف في تكوينها عن التركيبة السياسية في أية دولة أخرى. لأنها تركيبة فسيفسائية متنوعة تقوم على التعددية ومن الصعب الإخلال أو المس بها. وأي مسٍ بها سوف يؤدي إلى تداعيات خطيرة قد تعيد إنتاج أشكال مختلفة من السلبيات والإنقسامات والتوترات التي لا تخلو من العنف كما حصل في فترات سابقة…ومنها الحروب الأهلية التي كانت إحدى أهم أسبابها هذه المسألة بالذات”.

ولفت إلى أن “هذا المشهد التاريخي يكاد يكون محكوماً بثقافة صراع سياسي ــ إجتماعي، تستمد عناصرها من تاريخ عميق الجذور حول تركيبة السلطة السياسية الحاكمة في هذا الكيان ـ الوطن، ومدى صحة التمثيل الشعبي فيه… منذ قيام “نظام القائمقاميتن” (1842)، مروراً “بنظام شكيب أفندي” (1845)، وبإنشــاء ” متصرفية جبل لبنان” وإقرار نظامها (1864)، وإعلان دولة “لبنان الكبير” (1920)، وإقرار الدستور اللبناني (1926)، وإعلان “الإستقلال” (1943) و”الميثاق الوطني” الذي لازمه، وصولاً إلى “إتفاق الطائف” (1989) وإقرار “وثيقة الوفاق الوطني” وإدخال بنودها في صلب الدستور اللبناني الجديد الذي نعيش في كنفه اليوم وخلال هذه الفترات والمحطات التاريخية وما بينها، ما مر على الوطن من حروب وويلات ومآسي، يبدو، أن بعض اللبنانيين لم يتعظوا منها حتى الآن…”.

اضاف: “الصراع السياسي على الحكم في لبنان، إرتبط تاريخياً بمفهوم “الأكثرية” و “الأقلية” عددياً. ويبدو الأمر كذلك، من خلال بحث موضوع قانون الإنتخابات، ولو اختلفت الطائفة أو الجهة السياسية التي تتمرس خلفها المسألة العددية. فالخلاف هو حول تحديد هذا المفهوم وكيفية تطبيقه في المجتمع اللبناني التعددي والمركب من جماعات سياسية وطوائف ومذاهب مختلفة. وهل تتحدد “الأكثرية” و “الأقلية” على أساس العد فقط لهذه الطائفة أو ذاك المذهب، أم على أسس سياسة وطنية جامعة تحترم دورها وتضمن وجودها ومشاركتها في الإدارة السياسية وتضمن شعورها بالمشاركة الحقيقية في السلطة العامة؟”

IMG-20170128-WA0078

واكد أن الطائفيــة السياسية هي التي تتحكم بمفاصل الحكم والنظام السياسي في لبنان، ونظريـــة  “العددية” هي النظرية السائدة مع الأسف، ويحاول أصحاب تلك النظرية استخدامها في كل الاستحقاقات السياسية المصيرية في البلد، سلباً أو إيجاباً، حسب مصالحها السياسية، ومنها قانون الانتخاب، لكي تستفيد منه في تعزيز وضعها قدر الإمكان”.

وقال: “أصبحت هذه “النظرية” عقدة مغروسة في ذهنية وعقلية بعض الطوائف وبعض القوى السياسية، وأصبح  من الصعب، بل شبه المستحيل إزالتها أو حتى تعديلها  وأصبح لها انعكاسات سلبية وردود فعل خطيرة من الطوائف الصغرى أو  التي تسيطر عليها بعض القوى السياسية وتتمترس خلفها وتستخدمها في صراعها السياسي مع القوى السياسية الأخرى”.

واشار الى إن “ذهنيات جامدة وعقليات متحجرة كهذه، كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى مختلف التوترات التي كان يشهدها لبنان بإنعكاساتها السلبية على فئاته وشرائحه الإجتماعية وطوائفه والتي واجهتها التركيبات الطائفية والسياسية الأخرى، بالسعي الدائم إلى حماية ذاتها وكيانها وحقوقها من تسلط أية أكثرية حاكمة خصوصاً عندما يتقاطع نظام الحكم في لبنان مع أنظمة خارجية بهدف حمايتها”.

واكد أن “إستمرار هكذا وضع في لبنان، يثير جملة من التساؤلات المصيرية والعديد من الأسئلة الحياتية، منها: من المسؤول عن معانات هذا الشعب؟ من يتحمل تبعات التوترات التي شهدها ويشهدها لبنان؟ ما هي الرهانات على المستقبل؟ هل بالإمكان التغيير؟ وهل المشكلة في النفوس أم في النصوص؟ إلى غيرها من الأسئلة التي قد يطول تعدادها؟”.

تابع: “لكن لطالما كان هذا الخلاف هو جوهر الصراع القائم منذ أن تكّون لبنان ككيان ودولة حتى اليوم وللدلالة على صحة ما نقول، نورد ما جاء في احدى الأسباب الموجبة لمشروع القانون الإنتخابي الذي تقدم به النائبان آلان عون ونعمة الله أبي نصر بإسم التيار الوطني الحر، والمعروف بالقانون الأرثوذكسي، الآيل إلى إعتماد مبدأ أن كل طائفة تتفرد بإنتخاب نوابها فيقول: “بما أن هذا المبدأ سبق واعتمد في النظام الأساسي لمتصرفية جبل لبنان عام 1864 المادة الثانية منه، حيث كانت كل طائفة تنتخب أعضاءها في مجلس الإدارة الكبير المؤلف من 12 عضواً موزعين بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين (موارنة2، روم كاثوليك 2، روم ارثوذكس 2، دروز 2، شيعة2، سنة2)، ودام هذا النظام معمولاً به في عهد المتصرفية أكثر من خمسين عاماً” للتأكيد أن هذا النظام الطائفي كان ناجحاً. ولكن عند التدقيق في النظام الأساسي للمتصرفية نكتشف التزوير الكبير للوقائع التاريخية التي عرضها هذا الإقتراح هلى هواه وخدمة لمآرب واضعيه ليس إلا…”.

أضاف: “والحقيقة هي أن نظام متصرفية جبل لبنان نص على أن مجلس الإدارة مكون من: 4 موارنة و3 دروز و2 روم أرثوذكس و1 روم كاثوليك و1 سنة و1 شيعة، لأن الموارنة رفضوا المناصفة ورفضوا مساواتهم بالطوائف الأخرى، وقد استمر هذا النظام معمولاً به لأكثر من خمسين عاماً فعلاً”.

تابع: “والمغالطة الثانية، وهي الأهم، مفادها أن الإقتراع كان يحصل على درجتين، بحيث كان أهالي كل بلدة ينتخبون مشايخ الصلح الذين يتولون من ثم إنتخاب أعضاء مجلس الإدارة، علماً أن هؤلاء المشايخ كانوا من طوائف مختلفة. ولا شك في أن تزوير التاريخ على هذا النحو يهدف إلى تسخيره لخدمة مشاريع سياسية واضحة مع العلم أن هذا ليس العيب الوحيد لهذا المشروع”.

وسأل ناصر الدين: “حالياً كيف يمكن القبول بطرح النسبية كنظام إنتخابي يهدف إلى تصحيح التمثيل السياسي، كما يدعي مروجو هذا النظام، في ظل هذا التفاوت العددي الكبير بين الطوائف والإستقطاب المذهبي الواسع وتراجع المواطنة”، مشيرا إن “النظام النسبي معمول به في بعض الدول الديمقراطية، التي تعتمد النظام الحزبي، وتكون اللائحة مقفلة، حيث الحزب المعني يرشح أعضاء لائحته والمواطن يقترع للائحة ــ اي لحزب ــ وليس لفرد أو لطائفة”.

وقال: “عندما إقترح كمال جنبلاط والأحزاب التقدمية والوطنية، قبل الحرب الأهلية في لبنان، النظام النسبي ولبنان دائرة إنتخابية واحدة، كان الوضع في أوج ازدهار الحياة الحزبية والحركة النقابية، وتراجع كبير للحالة الطائفية والمذهبية لصالح الأحزاب بالإضافة، إلا أن هذا الإقتراح لم يكن منفصلاً عن برنامج سياسي إصلاحي متكامل للنظام السياسي في لبنان، من خلال البرنامج المرحلي الذي طرح آنذاك .. فأين نحن من ذلك الوضع؟”

واشار ناصر الدين الى  إن “اعتماد النسبية يتطلب مجموعة عناصر، أهمها:

أ –  وجود أحزاب على المستوى الوطني ليتم الترشيح عن طريقهم.

ب-  إلغاء  الطائفية السياسية على جميع المستويات.

ج – إلغاء الذهنية الطائفية، فلا يعود غياب طائفة عن التمثيل يشكل خرقاً لوثيقة الوفاق الوطني.

IMG-20170128-WA0077

لذلك من غير المعقول، اعتماد النسبية في بلدٍ لا يتوفر فيه النظام الحزبي، كما هو الحال في لبنان، بالإضافة إلى أن الميثاق الوطني يعترف بوجود 17 طائفة، تشكل النسيج الوطني اللبناني، والذي يفرض الدستور اللبناني تمثيلها في السلطة التشريعية وغياب أي طائفة عن هذا التمثيل يشكل خللاً في التركيبة  اللبنانية التي أقرها إتفاق الطائف، إضافة إلى طغيان الأكثرية العددية التي تشوه صحة التمثيل ومبدأ حرية الإختيار”.

اضاف: “إن أي نظام إنتخابي يستهدف إعادة رسم الخريطة للقوى السياسية، لإضعاف البعض وتقوية البعض الآخر على حسابها، في بلد ما زال يتصف نظامه السياسي بالتوزيع الطائفي للسلطة، يثير الريبة ويخلق الهواجس لدى بعض القوى السياسية وبعض الطوائف ويدفعها للمطالبة بصون شخصيتها ورفض المس بجوهر الكيان التي هي جزء أساسي فيه”.

وقال: “من المعروف أن إتفاق الطائف قد أعاد تركيب التوازنات السياسية والإدارية بين المسلمين والمسيحيين من خلال المناصفة رغم التفاوت العددي بينهما وأبقى على جوهر النظام الطائفي بشكلٍ كرس الأعراف الدستورية الماضية وثبت المواقع الطائفية على رأس السلطات الدستورية الأساسية، وفي الوظائف العليا في الدولة، وجعل مجلس الوزراء السلطة الإجرائية في البلاد”.

ولفت الى أن “تكريس الطائفية في النصوص والممارسة جعل الحياة السياسية تتجه إلى مزيد من التكريس للطائفية، ليس على المستوى السياسي وحسب، بل على مستويات عديدة أخرى، وصولاً إلى الإعتراف بالطوائف ككيانات سياسية واجتماعية وحتى ثقافية، وما منح تراخيص لإنشاء جامعات ومعاهد دينية سوى الدليل القاطع على ذلك. رغم أن اتفاق الطائف لحظ إلغاء الطائفية السياسية كما نص على ذلك الدستور في المادة 95 منه، إلا أن الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية لم تتشكل بعد، ولم يتخذ أي إجراء يوحي بأن هناك أية نية فعلية للسير بهذا الإتجاه”.

اضاف: “إن الروحية التطبيقية لما نص عليه الطائف، يؤكد بأن للأقليات الطائفية حقوقها المشروعة في التمثيل السياسي، وفي أحقيتها بإختيار نوعية ممثليها إلى السلطة التشريعية والسلطة الإجرائية بما ينسجم مع طبيعة وجودها وطبيعة دورها، وفي أحقيتها للمشاركة الفعلية والصحيحة في صنع القرار السياسي”.

واكد أن “اعتماد قانون إنتخاب ونظام إنتخابي ودوائر إنتخابية لا تمكن الأقليات من اختيار الممثلين السياسيين الحقيقين لها، يمس بجوهر حقوق تلك الأقليات ويمنع مشاركتهم الفعلية في السلطة السياسية ويقلص من دورهم في الحياة السياسية ويتعارض مع روحية وثيقة الوفاق الوطني”.

اضاف: “إلى حين إلغاء الطائفية السياسية من خلال تشكيل الهيئة الوطنية العليا التي نص عليها الدستور، أو إنشاء مجلس الشيوخ، لا يجوز بل ويستحيل السماح يتذويب الطوائف الصغيرة في الأطر الطائفية الكبرى… ومثل هذه المشاريع، لا يمكن فهمها إلا في إطار مقصود يساهدف وجودها، ويهدف إلى إقصاء بل إلى القضاء على الدور السياسي لتلك الطوائف، التي لعبت دوراً سياسياً  ووطنياً وتأسيسياً في تاريخ لبنان، وما زالت حتى اليوم يشكل وجودها إحدى خصائص الكيان اللبناني المتنوع الذي لا يمكن ومن غير المسموح المس بجوهره”.

تابع: “عندما نتحدث عن الأقليات، لا نقصد طائفة محددة بعينها، فالطائفية ذات الأكثرية العددية في منطقة ما من لبنان، هي أقلية في مناطق أخرى، وبالتالي كل الطوائف اللبنانية قد يصيبها الوصف بأنها أقلية في التوزيع الجغرافي للبنان، ويجب مراعاة تواجدها في كل الحالات”.

واشار الى إن “إختيار التمثيل السياسي إلى المجلس النيابي أو السلطة التشريعية، يقوم في المجتمعات التي تتكون من عدة أقليات، على مبدأ حرية الاختيار ومبدأ صون الشخصية السياسية، وهذان المبدآن يجب احترامهما على مستوى التمثيل السياسي والشعبي الصحيح، وعلى مستوى الشخصية الذاتية وعدم الذوبان في الأطر الكبرى التي أقلعت عنها معظم الدول لأنها اثبتت تناقضها مع المفاهيم التي يتأسس عليها مبدأ حرية الاختيار، ومبدأ صون الشخصية وصحة التمثيل”.

ولفت الى  إن “تطور الفكر الاجتماعي وتقدم الفكر السياسي، أثبت أن التقسيم الطبقي والتمايز بين الجماعات والأفراد  والتمييز بين الفئات البشرية  والتفرد بالحكم  والتسلط على المحكومين هو الذي خلق العلاقات الظالمة بين البشر وأدى إلى التمرد والإنتفاضات والثورات… لرفض تلك الإختلالات والسعي إلى تصحيحها من خلال السلطة التي يجب أن تكون ومن خلال النظام السياسي الذي يتبع في الدولة”.

وفي الختام، قال ناصر الدين: “الحزب التقدمي الإشتراكي، منذ تأسيسه سنة 1949، تبنى السعي إلى تحقيق أوسع المبادىء والأفكار التي لو تحققت، أو على الأقل تحقق البعض منها، لإستطاع هذا المجتمع الوصول إلى أكبر قسط من العدالة والمساواة والديمقراطية التي يسعى اللبنانيون إلى تحقيقها اليوم ولكان توفر على العديد من الأحزاب والقوى السياسية التي تدعي الحرص على لبنان واللبنانيين، عناء البحث والسعي إلى وضع قانون إنتخاب جديد، لم يتركوا صفة من الصفات الحسنى إلا ووصفوه به، مع العلم أن الحزب التقدمي الإشتراكي قد نادى بأوسع وأفضل منها، من خلال ميثاقه، ولكن الطائفية والطائفيين، حرموا أنفسهم وحرمونا وحرموا لبنان من ذلك، وما زالت هذه الآفة تفعل فعلها في هذا المجتمع حتى اليوم”.

وفي الختام، دار نقاش مع الحاضرين.

(الأنباء)