عن خطورة الإخلال بتوازنات الحياة السياسية اللبنانية

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

في ما يُشبه الإنتفاضة على بعض الطروحات التعجيزية التي تطال موضوع الإنتخابات النيابية القادمة في لبنان؛ قال رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقاء الاربعاء النيابي في عين التينة: فلتجري الانتخابات النيابية على اساس ما نص عليه اتفاق الطائف، اي من دون القيد الطائفي، وليتم إنتخاب ممثلين للطوائف في مجلس الشيوخ، وفقاً لما نص عليه الدستور في المادة 22.

كلام الرئيس بري يُشير الى إنسداد يُخيم على أُفق الحياة السياسية اللبنانية، ويُعبِّر عن إمتعاض واضح من بعض الطروحات الإرتجالية التي تتناول القانون الذي ستجري عليه الانتخابات القادمة. وقال احد النواب الحاضرين للقاء الاربعاء في عين التينة: ان عدم الارتياح كان واضحاً على ملامح الرئيس بري، وواضحٌ اكثر واكثر ما بين سطور كلامه الذي يحمل بعض التهديد الموجَّه نحو مَن يُطلقون حتمياتٍ ثنائية، لا ثالث لها، خصوصاً الذين قالوا بحتمية إجراء الانتخابات في الربيع القادم، وحتمية إجرائها وفقاً لقانونٍ جديد، كأنهم يعرفون مُسبقاً إرادة النواب، او كأنهم يصادرون هذه الإرادة. وما لفت الانظار اكثر في كلام الرئيس بري؛ إشارته الى ان إنتفاضة العام 1958 جاءت بعد الإنتخابات التي جرت عام 1957، وفق قانونٍ تمَّ تفصيله على قياس قوى نافِذة آنذاك. وقد سببت تداعيات تلك الاحداث؛ إنتكاسة للرئيس كميل شمعون رافقته على مدى سنيين حياته السياسية الطويلة، برغم ان صلاحيات الرئيس كانت مُطلقة بموجب الدستور في حينها، وليس كما هو عليه الحال اليوم.

توازنات الحياة السياسية اللبنانية دقيقة، وحساسة، واي حسابات خاطئة، او غير مدروسة؛ قد تؤدي الى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، في ظُلِ ظروفٍ مُعقدة تعيشها المنطقة المُحيطة برمتها. اما تكرار التجارُب المُميتة؛ فهو ضرب من الغباء (حسب توصيف مصدر نيابي بارز). فلبنان لا يُحكم بالثنائيات، ولا بالثلاثيات، والتنوع والتعددية سِمة راسخة في الحياة السياسية اللبنانية، لا يمكن تجاوزها في لحظة من الزمن، يشعرُ فيها  هذا الطرف او ذاك بفائض من القوة.

المصدر النيابي ذاته ( والذي فضل عدم ذكر اسمه ) لم يُخفي إمتعاضه من بعض الإجتماعات التي تُعقد في القصر الجمهوري، الذي يمثل رمزية جامعة لكل اللبنانيين. ولا يجوز حسب الناب ذاته ان يتحول الى مرجعية لأطراف، وفيه تمارس حركة إقصاء لأطراف أُخرى.

وتؤكد بعض التصريحات التي صدرت من على منبر القصر الجمهوري في الايام القليلة الماضية؛ الرغبة الواضحة عند بعض المحسوبين على الرئاسة الاولى، لوضع ثقل الرئاسة ومكانتها الوطنية المُحايدة في سلة إقتراحٍ محدد لقانون إنتخابي يعتمد على النسبية، من دون برنامج اصلاحي، وفي تبني هذه المقاربة مخاطر قد تؤدي الى نتائج معاكسة، وتستهلك من رصيد العهد الواسع حتى الآن.

ويرى المصدر النيابي المذكور اعلاه: ان اعتماد النسبية الشاملة في قانون الإنتخاب؛ مغامرة غير محسوبة في هذه الظروف المتوترة، والتي تشهد شحن طائفي كبير، وتطبيقها وفقاً للتوزيع الطائفي والمذهبي للمقاعد، ومن دون الغاء الطائفية؛ سيُثير إشكالات غير محسوبة النتائج، وقد يؤدي في المُستقبل الى المطالبة بإجراء تغييرات لنظام المناصفة في عدد المقاعد بين المسيحيين والمُسلمين، لأن النسبية ستُبرِز واقعة التفاوت بين الارقام التي سينجح بموجبها كلٌ من نواب الفئتين، نظراً لتفاوت اعداد الناخبين، حيث ابرزت آخر الارقام: ان عدد المُسلمين يساوي ضُعفي عدد المسيحيين، ناهيك عن كون نسبة الإقتراع في الأقلام الاسلامية تتجاوز نسبة الإقتراع في الأقلام المسيحية، كم تبين في اقلام انتخابات العام 2009، من جراء نسبة الهجرة العالية في البيئة الميسحية.

صحيح ان اللقاء الديمقراطي النيابي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط، أعلن جهاراً معارضته لإعتماد النسبية الشاملة في ظل النظام الطائفي، ودعى الى الحوار للإتفاق على قانون جديد، إلا ان العديد من القوى السياسية في لبنان تُعارض اعتماد النسبية ايضاً، والاقليات الطائفية والحزبية المختلِفة تخاف من الذوبان في الأكثريات على جناحي الإجتماع اللبناني؛ المسلم والمسيحي، خصوصاً لكون المقاعد محسوبة حُكماً على الاساس الطائفي، بما في ذلك المقاعد التي قد تحصل عليها الاحزاب العلمانية.

توازنات الحياة السياسية اللبنانية؛ دقيقة ومُعقدة، ومن الصعوبة بمكان تدميرها في لحظة سياسية رمادية، يشعُر فيها بعض المتحمسين بفائض قوة، ولكنهم بالمقابل قد يحصدون خيبة وعدم إستقرار. فقد جرَّبت الوصاية السورية سابقاً سياسة العزل او الإلغاء لصالح قوى حليفة لها وفشلت عند المسيحيين وعند غيرهم.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل