آستانة وجنيف سورياً

د. قصي الحسين

التأمت في آستانة عاصمة كازاخستان يوم الإثنين 23/1/2017 مفاوضات الوفد الموحد عن المعارضة السورية المسلحة، ووفد النظام السوري. وتعود مبادرة محادثات آستانة في الأساس لروسيا. وحظيت بدعم وترحيب الدولتين: تركيا وكازاخستان، بعد تنسيق استغرق أشهراً طويلة، بين الرؤساء: بوتين ورجب طيب أردوغان ونور سلطان نزاربايف. وقد خلصت هذه المبادرة إلى إعلان مفاوضات: سورية – سورية برعاية روسية – تركية – إيرانية، تستبق العودة إلى مفاوضات جنيف ومقرراتها السابقة لتسوية المسألة السورية، بمقررات لاحقة حكماً.

وبالرغم من تصريح بهرام قاسمي باسم الخارجية الإيرانية، الذي عبر عن رغبة بلاده، بأنه ينبغي الإبقاء على المفاوضات السورية – السورية في آستانة، في ألإطار الثلاثي: الروسي – التركي – الإيراني، فإن موسكو وجهت دعوة إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مفاوضات آستانة، ما ساهم في تظهير الخلاف العلني، بشكل أو بآخر بين موسكو وطهران عشية آستانة.

وسارعت واشنطن إلى المساهمة في تضييق رقعة الخلاف بين موسكو وطهران، بحيث قبلت المشاركة ولكن ليس بوفد أميركي يماثل وفود الدول الثلاثة المشاركة، وإنما تكون مشاركتها من خلال تمثيل واشنطن بالسفير الأميركي لدى كازاخستان جورج كرول، كما صرح مارك تونر القائم بأعمال الناطق باسم الخارجية الأميركية.

مضافاً إلى هذا الإخراج الأميركي بخفض التمثيل، بحجة واهية: “عملية التنصيب الرئاسي ونقل السلطة في واشنطن”، يصرح مستشار الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة، لا تريد أن تظهر كمزاحمة لروسيا في سورية التي حمت نظامها ورعته طيلة السنوات الماضية، وهذا إقرار أميركي مسبق من الرئيس الجديد ترامب بحق روسيا في الإشراف حصرياً على مفاوضات آستانة ونتائجها وكذلك على الحل السياسي والعسكري في سورية.

الاستانة

بعيداً عن تعقيدات المفاوضات السابقة التي اشتغلت عليها الإدارة الأميركية السابقة طيلة السنوات السابقة للثورة السورية في جنيف وغيرها، تسارع الإدارة الجديدة بخفض التمثيل في آستانة من جهة وبالتصريح الذي يبارك لروسيا بجعل سورية من الدول الواقعة تحت حمياتها. وكلمة السر، التسليم بروسيا كدولة عظمى راعية لسورية، تماماً بصيغة رعايتها لدول الجوار الاقليمي لها: في أرمينيا من خلال قاعدة غيماري، وفي إيران من خلال قاعدة همذان، وفي إبخازيا بجورجيا من خلال قاعدة غوداوتا، وفي البحر الأسود من خلال أسطولها وغواصاتها النووية التي تجوبه. فسورية بعد آستانة، وبموافقة أميركية من العهد الجديد، هي مجموعة قواعد عسكرية في اللاذقية “قاعدة حميميم” وفي دير الزور ودمشق وتدمر لاحقاً، بعد إرساء نتائج آستانة المتوقعة.

أما السلوك إلى جنيف، فهو شأن آخر. فهناك الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وفي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية. وأما الملفات التي ستحضر في جنيف، ليست سورية بحتة، بل هي سورية وإيرانية وفلسطينية وخليجية وتركية وصينية. وربما حضرت ملفات أخرى مثل القرم وأوكرانيا  إلى جانبها، إنها مجموعة ملفات دولية في مواجهة روسيا.

ففي الغرب، من بات يطلق تعبير “الإمبرياليات الجديدة” على روسيا وتركيا وإيران والصين. وسوف تكون الطاقة وحقولها وممراتها، وخطوط وأنابيب الغاز، وخطوط التجارة، وحجم الميزان التجاري، بالإضافة إلى القواعد العسكرية والمواقع والممرات الإستراتيجية في العالم أجمع، هي جميعها على طاولات جنيف وبين اروقتها وليست المسألة السورية بعد ذلك سوى تفصيل بسيط.

اردوغان وبوتين

ووفق قواعد اللعبة الجديدة في جنيف، سوف تكون تركيا وكيل سياسات الغرب واستراتيجيته. وسوف تناور مع أوروبا، تماماً كما هي تناور في آستانة، على إعادة ماضيها التليد بما في ذلك: الإرث العثماني الضائع اليوم بين أروقة العالم في المفاوضات بين آستانة اليوم وجنيف غداً، وإعادة بناء مجد الإمبراطورية العثمانية. ولهذا يصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه يجب إبعاد “اللورنسات العرب” الجدد من المنطقة، مستحضراً “الخيانة” التي تعرضت لها الدولة العثمانية من طرف الغرب.

حتماً إن جنيف، لها قواعد، كما لها شروط مختلفة عن آستانة. ويعي الرئيس الروسي بوتين ذلك، ومعه الرئيس التركي اردوغان، ومعه أيضاً الرئيس الإيراني روحاني. ولهذا نراه يرتب الملف السوري في آستانة، لأنه الآن تحت سيطرته. وحين يخرج به إلى جنيف، يكون قد ذلل عقداً مسبقاً قبل أن يذهب إلى جنيف السوري ويحتاج إلى نتش تلك العقد بأسنانه.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث