الرئيس الحَكًم

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

منذ توليه سدَّة الرئاسة قبل حوالي الشهرين؛ تصرَّف العماد ميشال عون على أنه رئيس لكل اللبنانيين، وحكماَ بينهم، وبدا مؤسساتياً في إدائه مع دوائر الدولة الرسمية، كما تعاطى مع القوى السياسية المُختلفة، بما فيها الاحزاب التي لم تؤيد انتخابه. وعلى الضفة الخارجية؛ كان موضوعياً، وصادقاً مع نفسه، ومنسجماً مع التوجهات التي تخدُم مصالح اللبنانيين، وكانت إطلالته الاولى الى المملكة العربية السعودية وقطر، حيث تربط لبنان مع المملكة والخليج اواصر الصداقة منذ القِدم، وللدولة ومواطنيها مصالح مُتعدِدة معهم، تزيد عن اي مصلحة مع اي دولة خارجية أُخرى.

في الملفات الداخلية؛ كان للرئيس عون ملامح سياسة مُستقلِّة واضحة، فهو لم يتصرَّف على انه محسوب على محور معين. لا الى ما كان يسمى قوى 14 آذار، ولا الى ما كان يسمى محور 8 آذار المُقابل. تموضع في الوسط بين التباينات التي تفرِّق تيار المُستقبل عن حزب الله، او ما يُطلق عليه: (الانقسام السني- الشيعي ) ولا يعني إنحيازه الواضح إبان تشكيل الحكومة الى التيار الوطني الحر الذي كان يرأسه؛ انه يتبنى التوجهات الحزبية للتيار، خصوصاً بعد ان تسلَّم مسؤولية الرئاسة الاولى.

رئيس الجمهورية اللبنانية وفقاً للدستور؛ هو حَكَم بين اللبنانيين، ورئيس لكل البلاد، ومهامه التنفيذي تُعطيه صلاحية ترؤوس مجلس الوزراء حيثما يشاء، من دون ان يكون له حق التصويت على قراراته. وهذه الناحية بالذات؛ وضِعت في تعديلات الطائف في العام 1990، لكي تحمي الرئيس من تبِعة الإنحياز الى هذا الطرف السياسي او ذاك، ولكي يبقى على مسافة واحدة من الجميع، ومواقفه لا تتأثر إلا بما تمليه مصلحة الدولة العليا.

ومنذ بدء الولاية الرئاسية في 31/11/2016، تحاول بعض الجهات الحزبية، وكذلك بعض الشخصيات السياسية؛ الإيحاء بأنها فريق عمل الرئيس، وقد ظهرت بعض البيانات الصحافية في اوقاتٍ مختلفة تحت تسميات غريبة؛ منها مصادر مقرَّبة من الرئيس، ومنها مراجع وزارية موالية للعهد…. الخ. حاولت هذه المصادر ان توحي انها تُمثل وجهة نظر الرئيس، من دون ان يكون هناك اي تبني لها من الدوائر الرسمية لقصر بعبدا. وقد خلقت هذه التسريبات بعض الإمتعاض عند مجموعة من القوى السياسية، وكادت تُخرَّب بعض التعاطف الجامع مع الرئيس منذ توليه سدَّة الرئاسة حتى اليوم.

لا يمكن القول حتى الآن؛ ان الرئيس خرج عن ثوابت خطاب القسم الذي تلاه عقب إنتخابه امام في مجلس النواب. وعلى عكس ما يحاول البعض الإيحاء به؛ لم يلتزِم الرئيس موقفاً واحدا ومُحدداً إتجاه اي من الإقتراحات المُتعدِدة المتوافرة في امانة سر مجلس النواب فيما يتعلَّق بقانون الإنتخاب، وكلامه عن اهمية النسبية؛ كان عاماً، وخلفيته الحفاظ على الميثاقية وصحة الثمثيل. لكن الرئيس التزم جِهاراً بإجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري في شهر ايار/ مايو القادم، بصرف النظر عن القانون النافذ في حينه.

امام وفد اللقاء الديمقراطي النيابي الذي ضمَّ النواب وائل ابو فاعور وهنري حلو وعلاء ترو وغازي العريضي واكرم شهيب، اكد الرئيس عون على دوره الجامع، وعلى حرصهِ على تمثيل كل شرائح المجتمع اللبناني، واعداً الوفد ببذل جهد لكي تُؤخذ الهواجس التي عبر عنها رئيس اللقاء وليد جنبلاط بعين الإعتبار، عند الشروع بمناقشة اي من إقتراحات القوانيين النيابية المرفوعه امام مجلس النواب، وأنه – اي الرئيس – حريص على تمثيل كل المكونات اللبنانية – لا سيما طائفة الموحدين المُسلمين الدروز – تمثيلاً صحيحاً.

يبدو ان الإنتخابات النيابية ستجري في موعدها في الربيع القادم، والنقاش الواسع الذي يدور حول القانون؛ جزء منه للإستهلاك السياسي والدعاية الإنتخابية، والجزء الآخر محاولات لزيادة حصة كل طرف من النواب. ولكن بعض الإقتراحات الارتجالية لتعديل القانون؛ قد تتحول الى قفز في المجهول، وربما تؤدي الى نتائج عكسية خطرة في هذه اللحظة السياسية المتوترة في الداخل والخارج.

 

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل