عن الرئيس ترامب محاصراً

د. قصي الحسين

العشرون من كانون الثاني 2017، يشهد العالم لأول مرة، الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، المدعوم من المخابرات الروسية والرئيس بوتين، يدخل إلى البيت الأبيض، على حصان أبيض، محاصراً من المخابرات الأميركية والشعب الأميركي الذي هتف ضده منذ إعلان فوزه في الانتخابات الأميركية الرئاسية، وقبل أن يتسلم الرئاسة من الإدارة الآفلة والرئيس الآفل، بل المغادر، “أبو حسين أوباما”.

لا شك أن ذلك يعني كثيراً: مشهد الرئيس ترامب محاصراً، يدخل إلى القفص الذهبي في البيت الأبيض، بجدران من الملفات المرتفعة، هي إرث الإدارات الأميركية السابقة السيئة السمعة، وإرث الانتخابات الروسية في الولايات المتحدة الأميركية، التي لم يسمع بمثلها في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية القديم والحديث.

أولاً: وهذا هو الأهم وغير المألوف وغير المقبول من الشعب الأميركي الحر، أن يأتي رأس خصوم الشعب الأميركي، برئيس لهم، كما ظهّرت اللافتات والكتابات والشاشات والمظاهرات، التي غصت بها المدن الأميركية في معظم الولايات. وكذلك كما ظهرت المخابرات الأميركية، في تصاريح المسؤولين في الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، بعيد إعلان النتائج، بفوز ترامب وهزيمة السيدة كلينتون أمامه، لا بل سقوطها المروع أمامه بالضربة الروسية القاضية.

ثانياً: يرى العالم أجمع لأول مرة، إلى سقوط حصون الرئاسة الأميركية من الداخل. الرئاسة الأميركية تأتي على حصان روسي، لم يخرج من روسيا في تاريخها كلها، وهو يخرج لأول مرة إلى الرئيس الأميركي ترامب. وهذا ما اعتبره الأميركيون حصاراً لترامب لا نصراً له. وثار في إثر الشعب أجهزة المخابرات الأميركية، تمسك بأذيال المخابرات الروسية المتخفية داخل دوائر الأجهزة الأميركية، والمموهة بعناية ودقة، حتّى بات فوز ترامب أشبه ما يكون بعمل استخباراتي روسي، اعتاده الروس في أوكرانيا وفي جورجيا وفي شبه جزيرة القرم، وفي شبه الجزيرة السورية، وفي إيران العظمى، وفي كثيرٍ غيرها من البلدان.

Trump rallies with supporters at Orlando Melbourne International Airport in Melbourne, Florida, U.S.

ثالثاً: ترامب محاصراً أيضاً، لا من الداخل الأميركي وحسب، بل من الخارج، بفعل الملفات المتراكمة، داخل أقبية البيت الأبيض. ولندع الحاسوب يحسب:

أ- ملف الحرب العراقية، حيث التورط قديم منذ العام 2003، وحيث اللاحل الحديث، بعد الإعلان الأميركي، عن حقوق النفط في العراق، واعتبارها، تكاد بكل انتاجها، لا تسد مسدّ الحروب التي خاضتها أميركا في الخليج (1)، والخليج (2)، والعراق (1)، والعراق (2)، خصوصاً بعد وصول داعش واقتطاع دولتها بين الموصل والرقة، وحرب الائتلاف الدولي والعربي عليها.

ب- ملف الحرب السورية، حيث التورط الأميركي مع النظام بالكيماوي، وبالإبقاء على الأسد في السلطة، وبالحرب على النصرة وأطياف المعارضة المشبوهة بداعش، وبالانخراط في تجهيز معارضة سورية مدعومة أميركياً، وتسيير مقاتلين مدعومين من أميركا، لتحرير سورية من الأسد والإرهاب على حدّ سواء.

ج- حرب اليمن، التي تحاصر الخليج كله وتحاصر إيران كلها، وتحاصر البر والبحر والمنافذ البحرية والمضائق الاستراتيجية، ذات الصلة بتسيير السفن الحربية والتجارية على حدّ سواء، في إطار توازن الرعب بين دول الإقليم والدول القطبية.

هـ- الحرب الإسرائيلية/ الفلسطينية،بكل تداعياتها، في غزة والقطاع و(حماس) وفي أراضي الضفة والمستوطنات والقدس و(السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس أبو مازن). وهي لا تكاد تهدأ في مكان، حتّى تشتعل في مكان، وهي لا تكاد تخبو في زمان، حتّى تعود إلى الانفجار كالبركان، في زمان. حرب إسرائيلية خبيثة في أراضي فلسطين التاريخية، تجري في السر والعلن على جميع المستويات، وبشراكة سرية أو علنية، وبموافقة أو غير موافقة من قبل الإدارة الأميركية.

و- الحرب الروسية، بكل تاريخها وأطماعها في أوكرانيا وفي إقليم القرم، وفي حلب وفي مناطق الأكراد، وفي تركيا نفسها، وصولاً إلى أفغانستان وتركستان وإيران وطاجكستان، وسائر المناطق المستقلة عن الاتحاد السوفياتي، والجاذبة للاتحاد الروسي الجديد.

ز- الملف النووي الإيراني، بكل جناياته الدولية، على المنطقة العربيّة، وعلى أوضاع الدول كلها في العالم. وهو ملف متفلت من كل الأنظمة المرعية الإجراء في العالم، وهو أيضاً مفروض بقوة الحديد والنار والصواريخ الإيرانية، على جميع نقاط الضعف والقوة في العالم العربي وجواره الإقليمي. وهذا الملف الأخير، حاصر ترامب نفسه به، قبل وصوله إلى السلطة، فكيف يرى ترامب نفسه محاصراً به بعد وصوله إلى القفص الذهبي/”البيت الأبيض”.

 

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث