هل المطلوب هو صحة التمثيل النيابي ام تغيير الخريطة السياسية؟

تقترب المهل العائدة لإجراء الانتخابات النيابية من نهايتها، فيما يتصاعد السجال السياسي بين الأطراف كافة على خلفية المبادئ التي يجب ان يبنى عليها القانون الجديد، لا سيما لجهة التقسيمات المتعلقة بالدوائر الانتخابية ونمط الاقتراع. بمعنى آخر هل يتبنى القانون قاعدة النسبية، أم القاعدتين معاً النسبية والاكثرية؟ أم هل يتم الاحتفاظ بالنمط الأكثري مع بعض التعديلات في تقسيمات الدوائر التي يلحظها قانون ١٩٦٠ وتعديلاته؟ وانطلاقاً من هذا السجال ومن الرهانات التي تبنى على قانون الانتخابات تطرح الأسئلة التالية: لماذا رفض وليد جنبلاط قاعدة النسبية وطالب بضم قضائي الشوف وعاليه الى دائرة واحدة؟ هل الرفض هذا هو امر مشروع؟ وهل يهدف الفرقاء الذين يتمسكون بالنسبية إصلاح التمثيل النيابي، أم ان الهدف الأساسي هو تعزيز مواقعهم السياسية في النظام على حساب الآخرين؟

تفترض الإجابة على هذه الأسئلة مقاربة الموضوع من زوايا مختلفة، لاسيما وان اَي قانون جديد للانتخابات النيابية من المفترض ان يعيد رسم الخريطة السياسية، وهذا الامر بالغ التعقيد في بلد كلبنان نظامه السياسي قائم على توازنات دقيقة ومعقدة في الوقت عينه. لذللك، فان اَي قانون لا يراعي هذه التعقيدات من الممكن ان يتسبب اذا تم إقراره بالإخلال بالتوازنات، وبالتالي التأسيس لضرب الاستقرار خصوصاً اذا استهدف هذا الاخلال بالتوازنات طائفة مؤسسة كطائفة الموحدين الدروز. ولا يخفى على احد ان الشعور السائد لدى الدروز في هذه الأيام لا يدفع الى الارتياح، حيث ان استبعادهم عن الوزارات السيادية، وعن المواقع الإدارية ذات النفوذ القوي، والمحاولات المتكررة لاضعاف المواقع التي يشغلونها في مختلف الأسلاك المدنية والعسكرية والأمنية، يترافق الْيَوْمَ مع سعي حثيث لاسهتدافهم في حجم التمثيل السياسي الذي يشكل احد اهم قواعد الاستقرار لجبل لبنان القائم على جغرافية سياسية معقدة وشائكة.

من هنا، يسود الاعتقاد لدى غالبية أبناء طائفة الموحدين الدروز ان المشاريع المطروحة تحت شعار التمثيل الصحيح، لا تمت لهذا الامر بأية صلة وإنما تستهدف اعادة رسم خريطة سياسية يحتل فيها الدروز دوراً هامشياً، وإلا لماذا لم تتم مقاربة الموضوع في سياق تطبيق اتفاق الطائف؟. هذا الاتفاق الذي نص في محور الإصلاح السياسي على تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، وعلى قانون انتخابي على أساس وطني بعد اعادة النظر في التقسيمات الإدارية، وكذلك انشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف بصورة عادلة. لذلك ينظر الدروز لهذا الامر بعين الريبة، لا سيما وان نصف عدد نوابهم ينتخبون بتأثير غير درزي، وان التوازن الديموغرافي القائم في جبل لبنان الجنوبي خصوصاً في قضاء الشوف يغذي هذه المخاوف حيث ان اَي ائتلاف بين اثنين من اطراف المعادلة الثلاث يطيح بصحة تمثيل الطرف الثالث. ويتساءل الدروز أيضأ، كيف يستقيم طرح النسبية كقاعدة لتصحيح التمثيل السياسي لعدد من الفرقاء، في ظل تراجع أية إمكانية لتحقيق المواطنة التي تفترض المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، كما تفترض ان يبني الناخب خياره على أساس حر بعيداً عن الاستقطاب المذهبي، والفتاوى التي تصادر إرادة الناخب في الاختيار. وكيف يستقيم أيضاً، طرح صحة التمثيل السياسي لطوائف تحتكر لنفسها في السلطة الإجرائية ما يسمى بالوزارات السيادية وكبرى وزارات الخدمات، وتمنع على الدروز مجرد التفكير بهذا الامر. كما تحتكر لنفسها، مواقع هامة في الأسلاك كافة وتخالف ما جاء في اتفاق الطائف حول اعتماد مبدأ الكفاءة في الوظائف ما دون الفئة الاولى بحجة التوازن، وتفرض في إطار الحجة نفسها اعتماد التوازن حتى في المناصب والوظائف ذات الطابع الأكاديمي.

لذلك، فإن التفكير بتعزيز المواقع السياسية لبعض الطوائف بحجة تصحيح التمثيل السياسي خارج السياق الذي رسمه اتفاق الطائف، سيكون على حساب الطائف نفسه وكذلك على حساب الطوائف الاخرى لا سيما الدروز. علماً ان الدخول في لعبة تعزيز المواقع على حساب الآخرين، يقابله أيضاً حق طائفة الموحدين الدروز بان لا يكون ذلك على حساب حجمها السياسي الذي لم يرتبط يوماً في مستوى حجمها الديموغرافي، وكذلك الحق بالمطالبة بتصحيح تمثيلها في السلطة الإجرائية وفِي الأسلاك المدنية والعسكرية والأمنية. وعليه فان الموحدين الدروز بصفتهم طائفة مؤسسة للكيان، ليسوا على استعداد للتخلي عن دورهم السياسي والقبول باي قانون يستهدف أضعافهم في مركز قوتهم السياسية، كما انهم ليسوا على استعداد للقبول بمنطق تعزيز النفوذ على قاعدة تصنيفهم فئة ثانية أو ثالثة. ويرى اكثرية الدروز، ان محاولة البعض اللعب على وتر الاحجام الديموغرافية لا يستقيم أيضأ مع التوازن الذي اعتمده اتفاق الطائف، لا سيما في قاعدة المناصفة التي كرست بشكل توافقي، دون العودة الى الاحجام الديموغرافية لأي من الطوائف وخصوصاً المسيحيين منهم. لذلك القول ان الحجم الديموغرافي للدروز لآ يسمح لمن يمثل الغالبية فيهم ان يتمثل بكتلة نيابية وازنة، يعزز الاعتقاد السائد لدى الأكثرية منهم ان الهدف الحقيقي من طرح تصحيح التمثيل السياسي هو اعادة رسم خريطة سياسية للبلاد تتوافق مع بعض الخيارات الإقليمية التي عجزت بكل الوسائل عن تحجيم زعامة الدروز الأكثر تمثيلاً. ثم ان الدروز كما يتساءلون عن مخاطر هذه الطروحات التي تستهدف دورهم، يراقبون باهتمام كبير المحاولات التي تهدف الى الانقضاض على التقليد السياسي الذي يسود في جبل لبنان منذ القرن التاسع عشر وهو ان زعامة آل جنبلاط تمتد في جذورها الى كل الطوائف اللبنانية، فما هو المقصود بصحة التمثيل في هذه اللعبة؟ هل فقد النواب فؤاد السعد وهنري الحلو وايلي عون صفتهم التمثيلية لأنهم أعضاء في لائحة اللقاء الديمقراطي؟ هل يتقدم تعزيز الاستقرار والتعايش وحماية التنوع في جبل لبنان على غيره من الطروحات؟ أم ان كل طائفة يجب ان تنتخب نوابها بمعزل عن الآخرين، وبالتالي فتح الطريق امام اللعبة المذهبية وتكريس الانقسامات العاموديّة؟

تقضي المسؤولية الوطنية التبصر بمخاطر ما يطرحه البعض، والاستفادة من الدروس الكبيرة التي تعلمناها من التاريخ السياسي لجبل لبنان، وعدم تكرار الأخطاء التي كانت كلفتها عالية على الجميع.

في النهاية، ليس للدروز في لبنان اَي مشروع خارج إطار الدولة والشرعية، كل ما يطلبون اليوم هو الحفاظ على التقليد السياسي الراقي في جبل لبنان والقائم على التنوع السياسي. لذلك فان الدعوة لعدم الانجرار الى لعبة تعزيز النفوذ على حساب الآخرين والعمل عَلى اسقاطها بالوسائل السلمية هو امر مشروع لوليد جنبلاط ولمؤيديه ومناصريه من الطوائف كافة.

واخيراً، يظهر التاريخ ان المغامرين دفعوا العالم الى الهاوية مرات عديدة وإن العقلاء لم يندموا يوماً على قرار عقلاني اتخذوه.

(*) وليد صافي “الأنباء”