أي نتائج لمؤتمر الأستانة وسط التباين الروسي – الإيراني؟

تنطلق مطلع الأسبوع القادم أعمال مؤتمر (آستانة) برعاية روسية تركية، لبحث سبل وقف إطلاق النار في سوريا، وسط تباين واضح في المواقف بين روسيا وإيران، فروسيا تعتبر أنها هي من أنقذ النظام السوري وثبت معادلة توازنه مع المعارضة قبل ان يحقق الانتصار في حلب، وبالتالي من حقها الإمساك بمفاصل الأزمة والدفع باتجاه حلها وفق ما يلبي مصالحها، حيث ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن “بلاده تدخلت في سوريا حين وجدت أن العاصمة دمشق كانت على شفير السقوط بيد (الإرهابيين)، فقررت دخول الحرب من أجل إنقاذها”، فيما تعتبر إيران أنها هي من حقق الانتصار.

التباين الروسي الإيراني الذي انفجر على خلفية الدعوة التي وجهها لافروف للولايات المتحدة الأميركية المشاركة في أعمال مؤتمر استانة، ليس الوحيد فإيران تتوجس من التقارب الروسي – التركي، ومن عدم اعتراض روسيا على مطالبة تركيا سحب المسلحين غير السوريين من سوريا في إشارة الى الميليشيات المدعومة من إيران، حيث تحاول إيران وضع العراقيل أمام هذا الاستحقاق، فيما يبدو الجانب الروسي متمسكا بإيجاد حل واقعي للأزمة، ويدرك جيدا أن ذلك لن ينجح دون الأخذ في الاعتبار مواقف الدول الإقليمية والدولية. وبالتالي فإن موسكو تستند في إنجاح آستانة إلى الدور التركي باعتباره الممسك بالفصائل المسلحة على الأرض.

دعوة لافروف للإدارة الأميركية الجديدة حضور المؤتمر، لاقت ترحيبا ودعما تركيا من وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي قال إن مشاركة الأمم المتحدة، وتركيا، وروسيا، وإيران، والولايات المتحدة الأميركية، باتت شبه مؤكدة في محادثات أستانة، وسيتم توجيه الدعوة للدول المذكورة من قبل كازاخستان الدولة المستضيفة، لكنها أثارت ردود فعل إيرانية معارضة، فقال وزير خارجيتها محمد جواد ظريف “نحن نعارض مشاركة أميركا في اجتماع أستانة ولم نوجه دعوة لها”، فيما قال رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي: “مفاوضات أستانة هي نتيجة انتصار الحكومة السورية والشعب السوري وحلفاء سوريا، ويجب عدم السماح لحماة الإرهابيين ومن جهزوهم والذين هُزموا في ساحة الحرب أن يدخلوا من باب السياسة وينهوا الأمور لصالحهم”. وتخشى طهران من أن يكون توسيع دائرة المشاركين بأطراف مناوئة لحضورها في المشهد السوري، الغاية منه محاصرتها وفرض جملة من الشروط عليها لعل في مقدمتها إخراج ميليشياتها من سوريا.

Free Syrian Army fighters fire from a tank during what they said was an offensive against the forces of Syria's President Assad in the southern city of Deraa, Syria

في المقابل، وافقت معظم فصائل المعارضة السورية المسلحة المشاركة في المؤتمر، فيما اتخذت “حركة أحرار الشام” قرارا بعدم المشاركة في المفاوضات، مع تأكيدها على “دعم موقف الفصائل المشاركة أن توصلت إلى نتائج طيبة فيها مصلحة الأمة”، بحسب ما جاء في بيان لها، وبررت الحركة قرارها، “لأسباب مرتبطة باستمرار خرق وقف إطلاق النار في وادي بردى بريف دمشق، وتسويق روسيا نفسها كضامن في الاتفاق في حين لا تزال طائراتها تقصف الشعب السوري”.

وفيما يزداد قلق المعارضة السورية مما قد تؤول إليه خفايا المباحثات في العاصمة الكازاخية، علمت “الأنباء” الفصائل المعارضة ستشارك عبر وفد عسكري يرأسه محمد علوش، القيادي في “جيش الإسلام”، كبير مفاوضي محادثات جنيف 3. ويعاونه فريق تقني يضم مستشارين سياسيين وقانونيين من “الهيئة العليا للمفاوضات” الممثلة لأطياف واسعة في المعارضة السورية، وقد بلغ عديد الوفد المفاوض 25 شخصية معارضة، فيما يمثل النظام وفداً سياسياً رسمياً يرأسه سفير روسيا في الأمم المتحدة بشار الجعفري.

مصادر مقربة من المعارضة السورية أوضحت لـ “الأنباء”، أن الغموض الذي يلف جدول أعمال المؤتمر، والمواقف المتضاربة بشأنه، يطرح علامة استفهام حول الهدف الأساسي من المؤتمر وقال: “تخشى المعارضة أن يؤدي إلى اتفاق سياسي يبقي رئيس النظام بشار الأسد في السلطة. حيث كان لافتا إبقاء النظام على الوفد الذي شارك في مفاوضات “جنيف”، ما يعطي انطباعا أن طاولة آستانة ستبحث في الحلّ السياسي وليس فقط في وقف إطلاق النار كما سبق لموسكو أن أعلنت وأكّدت أيضا أن وفد النظام سيكون عسكريا”، وأوضحت المصادر أن إصرار روسيا على تجاوز الهيئة العليا التفاوضية وعدم دعوتها للمشاركة في المؤتمر، والضغوط التي تعرضت لها الفصائل العسكرية، أثارت الريبة والقلق من وجود أي اتفاق يسري على حساب المعارضة، موضحا “الضغط على الفصائل أكبر وأسهل مما قد يكون على القوى السياسية، خاصة من جهة تركيا، التي لوحت بإيقاف خطوط الإمداد وإقفال الحدود إذا لم نقبل بحضور مؤتمر آستانة، وهو الأمر الذي قد يستمر في هذا الاجتماع حال وجود اتفاق جاهز بين تركيا وروسيا يتخطّى اتفاق “جنيف” وينص على خريطة طريق جديدة لاستمرار الأسد بالسلطة”.
وعما إذا كان هناك اتفاق بين المعارضة السياسية والفصائل على عدم إقدام الأخيرة على التوقيع على أي اتفاق لحلّ سياسي، قال المصدر: “ما نجحنا به هو حضور المعارضة السياسية عبر مستشارين لها إنما لا أحد يمكنه التنبؤ بما قد يحصل في كازاخستان، ولا نعرف ما هي الضغوط التي قد تجد الفصائل نفسها أمامها، خاصة أنها لا تملك خبرة في العمل السياسي”.

بدوره، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وفي إشارة إلى مؤتمر أستانة المقرر عقده في 23 كانون الثاني في كازاخستان رأى “إنه يجب الاعتراف بالجهود المبذولة حالياً ودعمها بقوة. وصرح للصحافيين في الأمم المتحدة “هناك اجتماع مقرر في آستانة آمل في أن يفضي إلى ترسيخ وقف إطلاق النار ووقف النزاع”». وأعرب عن الأمل في أن يساهم الاجتماع أيضاً في “إيجاد الظروف ليتوصل الحوار السياسي الذي سيستأنف في جنيف في شباط إلى نتائج ملموسة”.

وأوضح “عندما نرى ما عاناه الشعب السوري والدمار الذي لحق بالبلاد والآثار المدمرة على استقرار المنطقة وعندما نشهد اليوم التهديد الإرهابي في العالم الناجم من النزاع السوري على الدول كافة التي لها تأثير على أطراف النزاع لا بد أن تدرك الآن أنه بات من الضروري أن تضع خلافاتها جانباً”.

syria

مؤتمر استانة وما يجتمع به وحوله من تناقضات، بما في ذلك أسباب انعقاده وظروفها المأساوية، قد يحتمل الكثير من التمنيات والرغبات، لكن نتائجه الفعلية لم ترق لوزير الخارجية الإيراني مجمد جواد ظريف في كلمة له أمام منتدى دافوس: “علينا عدم انتظار اختراق في أستانة، يجب أن نكون متواضعين في ما نتوقعه، لكننا نأمل في الحصول على تثبيت نظام وقف إطلاق النار وجعله يشمل جميع الأراضي السورية”، ولعل هذا ما تريده ايران اليوم حتى تتبين لها خارطة طريق الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب.

فوزي ابو ذياب- “الأنباء”