الموقع… شهوة للسلطة والمال…؟ أم رغبة بالمسؤولية والخدمة…؟

كمال الحلاني (الأنباء)

يقول الكاتب والفيلسوف الفرنسي الشهير مونتسكيو: «ضع رجلاً في موقع وراقب خلقه وعمله».

كذلك…أبدع أبراهام لنكولن – الرئيس الأميريكي الّذي نجح في إنهاء الحرب الأهلية الأميريكية– عندما قال: «إن أردت اختبار معدن رجل… فاجعل له سلطة…!».

لأن الموقع… يكشف جوهر الإنسان… ويصقل معدنه الحقيقي…
فالنحاس لا يمكن أن يصير ذهباً… لا بالعلم… ولا بالمناصب… ولا بالألقاب…!
والإنسان النقي المتوازن… يبقى محباً… متواضعاً…
فالتواضع أقله هو جوهر الأخلاق وذروة الإنسانية…!
وعن صفات أصحاب المواقع، قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: نحن الى قليل من الأدب أحوج… منا الى كثير من العلم!!!

0910-Montesquieu

وليت الأخلاق والهدي يعلمان… كما يُعلَّمُ العلمُ…!
وهنا يأتي السؤال: لماذا ندُرَ الرجال الّذين زهدوا بالمواقع العامة وفي الخدمة العامة في مجتمعنا…؟
وهل الزهد مستحيلٌ… عندما يتقلّد الإنسان منصباً عاماً…؟
وفي هذا الإطار، يقول بول فاليري وهو فيلسوف فرنسي أيضاً:
«Le pouvoir sans abus perd le charme!»

فهل هذا صحيح…؟
خاصة وأنّ المواطن العادي المسكين… يتطلع الى أن يكون أصحاب السلطة والمواقع قدوة في مواقعهم وأن يسهروا على ممارسة الخدمة العامة بمهارة… وكفاءة… ونبل… وأخلاقية…!!!

ومن أين تؤتى الصحراء بماء…!
ألعلنا نقيم صلاة استسقاء في صحراء بلادي… حتى يتوفر لنا من هو نبيل الى حد الخوف من الفشل ومن يزهد ناسكاً في خدمة الشعب… ومن يجمع بآن الكفاءة والأخلاق في كفّه… غير ما يجمع المسؤولون في أكفّهم عندنا!!!
للأسف… إن أحد أكبر مشاكل المسؤولين أنهم يبحثون ويفتشون عن الفساد في مكاتب الموظفين والإدارات… ويفوتهم أن يبحثوا عن الفساد في نفوسهم وذواتهم وبين جدران مكاتبهم….!
كما وأن الجميع يتهم الجميع… لكن أحداً لا يتهم نفسه…!!
كما وأنه… ويا للأسف أيضاً… يعجّ مجتمعنا بأشخاص مسؤولين وفي سلطة القرار… تبدو مناصبهم فضفاضة عليهم كطفل لبس عباءة أبيه… أو انتعل حذاءه…!

وفي هذا المجال، نورد قصة عن إمرأة جاءت الى السلطان سليمان القانوني… تشكو له سرقة مواشيها…

0222
فقال لها: ولما لم تسهرِ على غنمِكِ؟

فقالت له: ظننتكَ ساهراً عليها… فنمتُ…!

وا أسفاه على زمن أصبحت الذئاب ترعى القطعان… وتقلّدَ الجزارون مواقع المسؤولية…!

وننهي هذه السطور بالنصيحة التي طلبها الخليفة عمر بن عبد العزيز عن مسؤولية الموقع حيث كتب إلى الحسن البصري يقول: أما بعد، فإذا وصلك كتابي هذا فاكتُب لي موعظة وأوجز… فرد عليه الحسن:أما بعد: اِعصِ هواك، والسلام…!

فهل من مسؤول في بلادي يعصي هواه…؟؟؟
والسلام…

(الأنباء)