اللبنانيون يتساءلون: هل نعوم على شبر نفط؟

عزت صافي (الحياة)

بذل الرئيس اللبناني ميشال عون جهوداً مثمرة خلال الشهرين الأولين من ولايته لكي يؤكد التزامه كل الوعود التي أطلقها في خطاب القسم، ومن ضمنها مطالب وتوجهات لكتل وأحزاب لم تكن في لائحة مؤيديه قبل التصويت على انتخابه، وقد تلاقت الإيجابيات من الجانبين لتؤكد حسن الظن والنوايا الطيبة لمنع تحلّل مؤسسات الدولة بعد سنتين من الإضراب عن إكمال النصاب القانوني لانتخاب رئيس للجمهورية، إلى درجة أن الممانعين كانوا يتصرفون كأنهم في غنى عن الجمهورية اللبنانية طالما أن لهم هناك «جمهورية» أخرى ، وإن تكن على بُعد.

وما لم يكن مؤكداً، حصل وتحقق، فقد اتخذ الرئيس عون قراره الصائب بالتوجه إلى المملكة العربية السعودية، وبعدها دولة قطر، في زيارتين رسميتين، حيث لقي ترحيباً وتكريماً ووعوداً بنوايا حسنة وطيبة. ذلك أن للبنان، الكيان والشعب، في وجدان المملكة وخادم الحرمين الشريفين مكانة خاصة من الاحترام والمحبة والدعم، أياً كان العهد، والرئيس، وأياً تكن المواقف من بعض الجهات اللبنانية الرسمية، وغير الرسمية، وقد لقي الرئيس ميشال عون من الملك سلمان بن عبدالعزيز الود والتكريم، وسمع منه ما يؤكد الحرص الدائم على سلامة لبنان ومصالح اللبنانيين في شتى الظروف، ولا بدّ من أن الرئيس بعد عودته إلى بيروت قرأ وسمع أصداء زيارته وإيجابياتها، ولا بدّ أنه توقف عند تصريح وحيد معاكس لكل التوجهات الحسنة، وقد جاء من حليفه الأقوى، في الحكم، وعلى الأرض، كأنه تنبيه فحواه: لا داعي للتمادي بالتفاؤل والتنويه!

للأسف، سيواجه الرئيس عون صعوبات في انطلاقته العربية المشكورة والواعدة على أمل أن تأتي نتائجها على قدر ما أبدى من استعداد لإعادة لبنان إلى مساره الطبيعي في مداه العربي والأخوي. فهو مدعو إلى التعامل مع الأخ القريب، ومع الآخر الغريب البعيد، على قدم المساواة. ولا أحد يعرف كيف يمكن أي جهبذي أن يؤلف خطاباً موحداً وموجهاً إلى الأخ القريب، والى الآخر الغريب البعيد، بلغة واحدة وبنص واحد.

وبوضوح: كيف يمكن الرئيس الجنرال ميشال عون أن يساوي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا إذا كان في الإمكان إغفال دور «الجمهورية العربية السورية الديموقراطية الثورية» في معزل عن شعبها المشرّد بين قتيل وجريح ولاجئ وأسير.

في زمن مضى، كان الرئيس اللبناني المنتخب يبدأ زياراته العربية بالقاهرة، والخارجية يبدأها بباريس. وعندما انتخب الرئيس الراحل شارل حلو في عام 1965 كان مدعواً إلى مصر، والى فرنسا. وقد رتّب زيارته إلى القاهرة وباريس في رحلة واحدة. إذ اختار اليوم الأول من أيار (مايو) موعداً للبدء بالقاهرة، وقد وصلها بعد الظهر فاستقبله الرئيس جمال عبدالناصر في المطار، ثم استقل معه سيارة مكشوفة عبرت شوارع القاهرة إلى ميدان التحرير حيث كان ملايين المصريين محتشدين احتفاء بعيد العمال العالمي. وإذ قدّم عبدالناصر ضيفه إلى الجماهير المحتشدة تعالت الهتافات المدوّية للبنان، وشعبه، ووطنيته، وعروبته، ونضاله مع الشعب الفلسطيني. وصباح اليوم التالي، كان عبدالناصر في مطار القاهرة الدولي لوداع ضيفه المغادر مباشرة إلى فرنسا تلبية لدعوة الرئيس الجنرال شارل ديغول.

في القاهرة، كان خطاب شارل حلو (الفرنكوفوني) مفعماً بالأدب وبالقيم وبمثاليات الحضارة العربية. أما في باريس، فقد غرّد أمام الرئيس شارل ديغول بلغة فولتير وراسين، ولامارتين، حتى أن بعض السفراء الذين كانوا يستمعون إليه في حفل الاستقبال الذي أقامه ديغول في قصر الإيليزيه تساءلوا ما إذا كان الرئيس شارل حلو فرنسياً مكتسباً الجنسية اللبنانية!

ذاك زمن مضى، على لبنان، وعلى فرنسا وعلى مصر (ومن الأسف العربي حالياً أن مصر في إجازة من دورها)، لكن الرئاسة تبقى على مسؤولياتها، أياً يكن الرئيس الجالس في صدر قصر بعبدا. وعندما قرر النظام السوري «معاقبة» الجنرال عون على رفضه الأوامر والتصدي للنظام بقوة السلاح، كان القرار إبعاده إلى المنفى الراقي الجميل في فرنسا، وهو عاد ليحقق حلمه، وقد لا يطول الزمن ليجد نفسه ضيفاً مميزاً في «الإيليزيه»، وهناك قد يعيد الرئيس الجنرال عون صياغة خطابه الرئاسي بنص جديد ثابت يجمع بين قيم لبنان التاريخية الممثلة بقيم الحرية، والمدنية، والديموقراطية والعروبة المجاهدة من أجل الحرية، والعدالة، والكرامة بعيداً من الضوضاء وإهدار القوى الوطنية في احتفالات ومهرجانات فوضوية.

يحمل العهد اللبناني الجديد أعباء أربعة عقود من التعطيل المبرمج لكل مفاصل الدولة، ولكل الفرص التي أتيحت للبنان كي يأخذ دوره كدولة مضاربة مدنياً ومتقدمة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والإنمائية. لكنها المؤامرة عينها مستمرة منذ سبعينات القرن الماضي، وقد بدأت باغتيال كمال جنبلاط، اللبناني العروبي المدني الإصلاحي المقاوم، لتجهيل لبنان وتعطيل مقوماته الوطنية والقومية المعبأة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وفي أقطار الشتات، خصوصاً في البلاد العربية.

وهي المؤامرة عينها التي اغتالت رفيق الحريري ورفاقه، وبعدهم كوكبة من أبرز المناضلين اللبنانيين بالفكر والعلم والثقافة والشعر والأدب والفن.

فما هو مخطط العهد الجديد للبدء بخطط الإصلاح والتغير؟ لقد كان خطاب القسم مثالياً. لكن بوادر التنفيذ بدأت ترسم علامات استفهام كبيرة، أولها وأكبرها، حول مخطّط إدارة استخراج النفط والغاز من أعماق البحر اللبناني. أما امتيازات تسويقه فأمر آخر، هذا قبل الأخذ في الحساب أن الإمبراطورية الروسية «استملكت» البحر السوري بقواعدها العسكرية الحربية إلى زمن غير محدد، وهي من الدول الكبرى الغنية بالغاز، ولها حسابات وخطوط تتحكم بها في البحر الأبيض المتوسط، كما في البحر الأسود.

ثم، هل هي مصادفة أن تظهر الخرائط البحرية – البرية اللبنانية وجود بلوكات النفط والغاز قبالة ثلاث قواعد: طرابلس، والبترون، والجنوب؟

السؤال تتبعه تعليقات من نوع كيف أن الطبيعة خصّت ثلاث مناطق وثلاث طوائف لبنانية بنعمة النفط والغاز: السنة في الشمال، والموارنة في الوسط، والشيعة في الجنوب. أما بقية الطوائف الموزعة في الجبال والسهول، فحظّها قليل. لقد ظلمتها الطبيعة، وما على الطوائف المحظوظة إلا أن تأخذ في الحساب الطوائف قليلة الحظ!

والتساؤلات والتعليقات أيضاً تثير علامات استفهام، ومنها عمليات التلزيم، بدءاً من الاستكشاف، إلى الاستخراج، إلى التسويق، تسبق ذلك وتتبعه عمليات التوظيف، والمخصصات، وتمييز منطقة عن منطقة، وطائفة عن طائفة.

… ذلك كله ولا يزال النفط والغاز في خضم الألغاز، حتى صار يقال: إن اللبنانيين يعومون على شبر نفط وغاز.

ومن يدري ماذا سيطرأ خلال ست سنوات. فهل يكون لبنان عضواً في أسرة عالم النفط والغاز؟؟ هذا التمني يحكم قطاعاً كبيراً في إدارة الرئيس الجنرال ميشال عون، بحيث تبدو الآمال أكبر بكثير من حجم لبنان براً وبحراً، بما فيه من ثروات طبيعية لا تزال قيد التقدير.

وإذا كان التفاؤل، في كل الحالات، أفضل من العكس، فإن الواقع، كما هو على الأرض، قبل الغوص في أعماق البحر، يدعو إلى التروي والتأني في تقدير الأمور بالتفاصيل والأرقام.

كما أن الوضع اللبناني يدعو إلى التساؤل: هل صحيح أن الدولة اللبنانية، بجميع مؤسساتها السياسية، والمدنية، والإدارية، والاقتصادية، والثقافية، والتربوية، والقضائية، مؤهلة للقيام بدور التنقيب عن النفط والغاز في أعماق البحار وهي، الآن، عاجزة عن إدارة قطاع المياه والكهرباء، وسوكلين، ومطامر النفايات على الشواطئ وعلى أعالي الجبال؟

الذين يطرحون هذه التساؤلات ليسوا من خصوم العهد وحكومته الأولى. بل هم من الهيئات المدنية المعنية بالإصلاح الإداري والمحاسبة، ومن الداعين إلى الاستعانة بالمؤهلات والطاقات اللبنانية العلمية، والعصرية المعطلة عن المشاركة في خدمة القطاع العام، خصوصاً في «الطبقات العليا». هذا من دون إنكار كفايات بارزة مشاركة في حكومة العهد الجديد.

اقرأ أيضاً بقلم عزت صافي (الحياة)

العهد اللبناني «الجديد» لم يبدأ بعد

«حماس» × «فتح» = إسرائيل «فتح» + «حماس» = فلسطين

وثيقة برنامج رئاسي لبناني للاطلاع

جمهورية سوريّة ديموقراطية تولد في الخارج

لبنان «الطائف» على شبر ماء

فلسطين الثالثة في عالم عربي آخر

هـل أخطأ سعد الحريري؟

الديموقراطية على الطريقة اللبنانية

«حماس» ترمي نكبة غزة في ساحة رام الله والمهمة الأولى إعادة الإعمار

رؤساء الجمهورية اللبنانية وعلاقاتهم بفرنسا منذ الاستقلال

بوتين «القيصر» غير المتوّج على … سورية!

لبنان: لكل عاصمة وَفدٌ … و «دولة» وخطاب!

ما بين جمهورية ماكرون وجمهورية ديغول

هل بدأ ترسيم سورية «المفيدة لإسرائيل» ؟

صيف لبنان من دون عرب… ووعود السياسيين المتوارثة لا تتحقق

أي دور لإيران في المنطقة بعد تغيّـر كل شيء في سورية ؟

كمال جنبلاط مُستعاداً في مئويته

الجزائري حين يكون ناخباً فرنسياً

ترامب على أبواب القدس وعباس على باب البيت الأبيض!

سبعون سنة تحت الحكم العسكري: أي معجزة يمكن أن تنقذ سورية؟