اعتماد النسبية… مدخل الى الاخلال بالتوازنات الداخلية في لحظة احتدام طائفي على مستوى الاقليم

ناجي مصطفى (الأنباء)

قلوبهم مع قانون الستين وسيوفهم عليه، عبارة قالها الرئيس نبيه بري تلخص الى حد كبير واقع المواقف الحقيقية للقوى السياسية المختلفة تجاه قانون الانتخابات النيابية الذي يجري العمل عليه ضمن لجنة الادارة والعدل النيابية المنكبة على درس واختيار قانون جديد للانتخابات سواء من بين مشاريع واقتراحات القوانين السبعة عشر المعروضة امامها، أم من خارجها.

القوى السياسية المختلفة تشعر ربما بحرج إزاء قواعدها وإزاء الرأي العام عموما لا سيما وأن تأجيل الاستحقاق الانتخابي لمرتين متتاليتين كان تحت ذريعة البحث عن قانون جديد للانتخابات أساسه مبدأ التمثيل النسبي بعد إعادة النظر بالدوائر الانتخابية سواء وفق ما نص عليه اتفاق الطائف باعتماد المحافظات كدوائر انتخابية بعد إعادة النظر بنطاق كل منها أم باعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق ما تذهب إليه بعض القوى الممثلة لطوائف كبرى.

والحال أن القانون الحالي الذي ترذله غالبية القوى السياسية صبح مساء هو الذي امن لها تمثيلا وازنا داخل الندوة البرلمانية وأن أي قانون عماده مبدأ التمثيل النسبي مشكوك في قدرته على تأمين مثل هذا التمثيل، ومع ذلك ثمة كلام كثير ينطق به أصحاب نظرية التمثيل النسبي يوحي بحرصهم على السير به فيما هم في قرارة أنفسهم يمنون النفس بالابقاء على الستين بالنظر الى المغانم المؤكدة  والمحققة لهم جراء اعتماده في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة وأن أي قانون جديد قد لا يحقق لهم المكتسبات ذاتها.

وحده وليد جنبلاط كان صادقا وواضحا ازاء انحيازه الى قانون الستين وعلى نحو أدق الى القانون الذي جرى التفاهم عليه في الدوحة عام 2008 أي الستين معدلا، مع افساح المجال أمام امكانية القبول بأي قانون آخر يعتمد مبدأ التمثيل الاكثري في مقابل رفض واضح لأي قانون يعتمد التمثيل النسبي وذلك في إشارة مباشرة الى تراجعه حتى عن مشروع القانون المختلط بين النسبي والاكثري الذي اشترك الحزب التقدمي الاشتراكي في اعداده بالتنسيق والتفاهم مع حزبي المستقبل والقوات اللبنانية.

walid jonblat

 وموقف الزعيم الاشتراكي برفض اي قانون اساسه النسبية يعود الى جملة اسباب أهمها:

– إن اعتماد مبدأ التمثيل النسبي كأساس لأي قانون انتخابي يستوجب إما ان يكون المجتمع المطبق فيه متجانسا طائفيا اي موحد الانتماء الطائفي، فينعدم عندذاك شعور أي طائفة بالغبن في حال خسارة مرشحيها  كون كل الفائزين في الانتخابات ينتمون الى الطائفة ذاتها، وإما أن الاحزاب القائمة في المجتمع هي بمجموعها قوى علمانية غيرطائفية، فيصبح بالتالي المعيار لدى أي حزب منها هو حجم تمثيله في البرلمان بصرف النظر عن الطائفة التي ينتمي اليها مرشحوه.

ولا يخفى أن المعلم الشهيد كمال جنبلاط كان السباق الى طرح النسبية على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة من خلال البرنامج المرحلي للاصلاح الذي قدمته الحركة الوطنية عام 1975 ومعروف يومذاك ان غالبية الاحزاب اللبنانية لا سيما احزاب اليسار كانت قوى علمانية عابرة للطوائف ناهيك عن ان المزاج العام للمجتمع كان نابذا للطائفية والمذهبية بخلاف ما هو عليه واقع الحال اليوم بعد تحكم القوى الطائفية، لا سيما ذات المنطلقات الدينية منها، بواقع العمل العام في البلاد الامر الذي يتعذر معه اعتماد قانون نسبي يحقق غلبة للطوائف الكبرى ما يؤسس لإحداث خلل في التوازنات الداخلية الهشة والدقيقة .

كمال جنبلاط

– إن الداعين الى اعتماد النسبية كونها الوصفة السحرية للتخلص من الطائفية كان يمكن لمنطقهم أن يستقيم فيما لو كان أداؤهم وسلوكهم السياسي منزهين عن لعبة التقاسم والتحاصص الطائفي والمذهبي على مستوى الوزارة والادارة وفي كل مواقع السلطة، أما وان واقع الحال بخلاف ذلك فيصبح عندها التذرع بالنسبية كونها وسيلة للتخلص من الطائفية أمر يجافي الحقيقة وفي غير محله على الاطلاق.

– إن الطائفة الدرزية، وهذا هو الاهم، هي من الطوائف المؤسسة للكيان اللبناني وبالتالي هي ليست طارئة عليه، وعلى هذا الاساس فإن تجاوزها وعدم الإصغاء لهواجسها المشروعة والمحقة يعد إخلالا بالميثاقية التي هي جوهر الديقراطية التوافقية في لبنان المكرسة بالدستور وبالعرف في آن معا.

لقد كان للموقف الذي عبر عنه رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع برفض اي قانون لا يوافق عليه وليد جنبلاط أثره الايجابي على غير مستوى في الجبل، كونه ينم عن فهم عميق للعبة التوازنات الداخلية ولتركيبة منطقة جبل لبنان سياسيا وديمغرافيا، كما بدأت مجمو عة من القوى السياسية تعي أبعاد هذه المسألة وانعكاساتها على الاوضاع العامة في البلاد لأن اغماط حقوق أي فريق لا سيما في هذه اللحظة السياسية الفارقة في تاريخ المنطقة حيث الصراع الطائفي على أشده مع شعور طوائف بأنها تتعرض لحرب إلغاء واقتلاع لا بل وتبديل في الهوية الديمغرافية، لا ادري ما الفائدة من الاصرار على امرار قانون انتخابات نسبي من شأن تطبيقه زيادة السعار الطائفي والمذهبي عند كثير من الطوائف في لبنان. فهل نحن بحاجة فعلا الى اقحام لبنان مجددا بمثل هكذا تجربة؟ ومتى؟ في حمأة احتدام الطائفية والمذهبية على المستوى المحلي وعلى كامل الاقليم.

   إن المطلوب من جميع القوى السياسية ان تعي هذه الهواجس- الوقائع وان لا تقارب مسألة الغاء الطائفية من باب قانون للانتخاب سيزيد بلا شك من هشاشة الواقع الطائفي ، فثمة مداخل كثيرةلإلغاء الطائفية غير قانون الانتخاب والحزب  التقدمي الاشتراكي سيكون في طليعة القوى التي لها المصلحة في النقاش بها وخوضها بلوغا حتى الغاء الطائفية والعلمنة الشاملة حتى .فهل يجرؤ الآخرون؟؟!!

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم ناجي مصطفى (الأنباء)

بين موسكو وطهران: اختلاف استراتيجيات في سوريا… أم أكثر؟!

غياب المشروع العربي فتح قابليات القوى الاقليمية للتوسع والسيطرة

لماذا شيطنة قانون الستين وتقديس النسبية؟

سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!

حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!

وليد جنبلاط المسكون بهاجس التاريخ… قلق من لعبة الأمم!

بعد الانتخاب والتكليف ومساعي التأليف: حكومة الفرصة الأخيرة ما قبل الانهيار والفشل!

سيناريو إفتراضي لما بعد إنتخاب عون!

بعد تجاوز قطوع ترشيح عون… ماذا عن التكليف والتأليف؟!

الاستحقاق الرئاسي: بين سلة بري واستعجال عون!

الاستحقاق الرئاسي: بين ارتباك المستقبل ومناورات حزب الله!

عام على التدخل الروسي في سوريا: اي حصيلة واي نتائج؟

سوريا: قوى تتقدم وأخرى تنكفىء وأشلاء وطن تنزف دما وهجرة!

وليد جنبلاط داعية الوحدة في زمن الانقسام الطائفي والمذهبي

بعد ثورات الربيع… أليس لهذا الليل العربي من أخر؟!

عن الميثاقية المظلومة… ما لها وما عليها!

مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم

في ذكرى مصالحة الجبل: تأكيد الاصرار على العيش الواحد

لبنان في ثلاجة الانتظار… الى متى؟

زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟