إِذا لم ترتقِ… بَلا الفايسبوك… يرحم أبوك
محمود الاحمدية
18 يناير 2017
“وإمّا تعرضنَّ عنهُم ابتغاءَ رَحْمةٍ مِنْ ربّكَ ترجوها فَقُلْ لهم قَوْلاً ميسوراً” (الإسراء: 28).
في مطلع الأَلفية الثالثة وبداية القرن الواحد والعشرين انتشر التواصل الاجتماعي الإلكتروني في كل أنحاء المعمورة انتشار النار في الهشيم وبمختلف السُبُل… ويبقى الفايسبوك أحدها… وكم من ثورة شاهدتها شوارع العالم ضد ظلم ومطالبة بحق للشعب وسمّوها ثورات فايسبوكية نسبة للفايس بوك حيث تلعب الصداقة الافتراضية دورها العملاق وتفرض نفسها عبر أفكار متبادلة يومياً بين الأصدقاء الإفتراضيين وتلقى هذه الصداقة ترجمتها عندما تتجسَّدُ نضالاً مشتركاً في الشارع أو مشاركة في كل أنواع النشاطات الاجتماعية والأدبية والثقافية والفنية والبيئية وتشرقط الصالات والقاعات بمئات وبعض المرات بآلاف الأصدقاء يرتقون إلى مستوى روعة المشاركة بشكل مباشر وبالحضور الفاعل…
عزيزي القارئ… إذا كنت مشاركاً في إحدى نشاطات التواصل الاجتماعي وخاصة الفايس بوك… من خلال أصدقائك ونشاطاتهم على صفحاتهم… أول ما يلفت نظرك المستوى الثقافي والتوعوي للأصدقاء… ومدى الرقي الذي يلون صفحاتهم في كل مشاركة… وبعض الصديقات والأصدقاء ومن خلال المستوى الثقافي الذي يمتلكه يستطيع تحريك مشاعر الملايين… نعم الملايين وليس الآلاف وأقل عملية حسابية لصفحة تشرقط بكل ألوان الطيف من ثقافة وذوق راقي واختيار أرقى للكلمات والذوق السليم والالتزام بقواعد اللغة العربية الجميلة حيث ينزل الحرف حفراً في الكلمة وفي المعنى وتتباهى الجمل بأفكر كاتبيها وتكتشف عمق البُعد الإنساني الذي يصبغ هذه المشاركة… والشيء الأخطر هو وبكل المقاييس المحافظة على قواعد اللغة العربية والابتعاد قدر الممكن عن استعمال الحروف الأجنبية وتحويل الكلمات العربية إلى حروف لاتينية إلا إذا كان جهاز الخليوي نفسه لا يملك خاصية الكتابة باللغة العربية ساعتها لا حول ولا… أما الخطر كل الخطر فيكمن في الانزلاق والبُعد الأخلاقي إلى سرد طرائف ونكات (تحت زنارية) تسيء إلى ملايين العالم وتخترق كل مسارات الذوق الراقي السليم وتصل إلى يد الصغار وتجعلهم يستعملون نفس الكلمات الهابطة والمقززة… فأنا لست ضد سرد بعض الطرائق التي تبعث إلى الضحك من القلب والعقل والوجدان ولكنها يجب أن تحافظ على رقيها وكلماتها العطرة والمناسبة والمختارة بعناية…
ومن الأخطار الفايسبوكية والتي تحول الفايسبوك إلى فاترينة مظاهر تجد فيها كل التفاصيل العائلية الخاصة إلى أي مطعم ذهبوا وفي أي نزهة ذهبوا والحديث وبتعالٍ ممجوج عن إمكانياتهم وسياراتهم وبيوتهم مما يثير ويستفز مشاعر الآخرين ويتحول ساعتها الفايسبوك إلى معرض تجاري ممجوج وترى نفسك بعيداً عن الارتقاء الذي ننشده… وأعطي مثلاً للارتقاء بالفايس بوك وفكرة نستطيع تطبيقها المطالعة والقراءة والتي أصبحت نادرة في عالمنا العربي والتي تجسد الدرك المزري والواقع المريضي لكل العرب على هذا الصعيد من الماء إلى الماء وخاصة بعد احصائية الأمم المتحدة الأخيرة التي تضع العرب في مؤخرة الشعوب بقراءة سنوية لا تتجاوز 16 دقيقة، بينما في أوروبا المعدل الوسطي 300 ساعة قراءة سنوياً يعني أن الأوروبي يقرأ 1200 ضعف زيادة عن العربي رقم فلكي مخيف، وفكرتي التي أطرحها على كل الذين يستعملون الفايسبوك والتي تشكل أحد المداميك الحقيقية لخلق جيلٍ يقرأ، هي أن كل واحد منّا يقرأ كتاباً ويلخصه على صفحته فيصل بسرعة رهيبة إلى كل الناس، وهكذا دواليك فيرتقي العربي إلى مصاف دول العالم وعندها فقط وفقط نستطيع الأمل والارتقاء إلى أمة لها مكان تحت الشمس…
لن أستطرد… وفي أول مقالة لي هذا العام 2017 عسى أن يكون عام بركة وسلام ونجاح للعرب جميعاً.والقراءة هي العامود الأساسي والمدماك الأساسي… ووسائل التواصل الاجتماعي تستطيع إيصالها إلى كل الزوايا وإلى كل الناس… وكل عام وأنتم بخير.
أخيراً… إذا لم ترتقِ… بلا الفايس بوك… يرحم أبوك.
(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود
عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين في بيروت