التفاهم التركي – الروسي وطموحات إيران

د. بهاء ابو كروم (الحياة)

نجحت تركيا في إدخال ملف الميليشيات التابعة لإيران في سورية إلى برنامج الحل السياسي، بعدما تم حصر الحديث عن الأجانب بأولئك الذين يقاتلون إلى جانب «داعش، في سورية، وذلك بعد تجاهل إدارة الرئيس باراك أوباما وكل مشاورات مجلس الأمن والتفاهمات السابقة لهذا الأمر. الإنجاز التركي لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى طرح مسألة التغييرات الديموغرافية التي تسعى إيران إلى تكريسها كأمر واقع في الشمال السوري كعائق أمام أي تعاون روسي – تركي، وهذا ما قاد روسيا إلى موقع مواجه للطموحات الإيرانية في سورية، وإلى اتخاذ اجراءات عملية في حلب بعد مرحلة من التغاضي عن ذلك.

من هنا، ازداد الحديث عن تعارض في الرؤى بين روسيا وإيران بدأ يأخذ مكانه في الميدان هذه المرة، ومن هنا انطلق الرهان على إمكان زيادة الشرخ بينهما عبر تعاون تركي أنجع وذي فائدة أكبر للوجود الروسي الطويل الأمد في سورية، بخاصة إذا تلازم مع رعاية دولية وإقليمية لحل سياسي عادل يقوم بين السوريين على غرار الطائف اللبناني.

طبعاً، إذا أحسنّا الظن، فإن روسيا بلغت مرحلة الكفاية المعنوية التي تخوّلها الانتقال الى المرحلة السياسية فعلياً، وإلى القول أن تدخلها العسكري لقي ترجمات مرضية على الأرض وأن الآلة العسكرية الروسية حققت إنجازاً فعلياً، وهذا الأهم بالنسبة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إيران أيضاً تستطيع القول أنها شاركت روسيا الانتصار في حلب لكن يبقى عليها أن تبدي حسن نية تجاه الحل السياسي، وبالتالي فالموضوع بالنسبة الى إيران يتعلق بالقناعة لا أكثر.

ظروف إيران الداخلية مُهيّأة لبناء مثل هذه القناعة التي تقيها تداعيات مواجهة غير مُحصّنة بمواكبة روسية وازنة فيما لو وقعت الفرقة بين الطرفين، بخاصة أن طلائع الإدارة الأميركية توحي بسياسة مختلفة عن تلك التي سلكها أوباما تجاه إيران طيلة الفترة السابقة، إضافة إلى أن وجهة النظر والمقاربة الإسرائيلية لما يجري في المنطقة أخذتا تتغلغلان في إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تبحث عن طريقة لتعويض الخسارة السياسية التي لحقت بإسرائيل نتيجة تبنّي مجلس الأمن القرار 2334 على خلفية الاستيطان غير الشرعي في الأراضي المحتلة. وهذا ما ينبئ بسياسة أميركية تحاول التوفيق بين هواجس إسرائيل ومراضاتها من جهة والتنسيق مع روسيا من جهة ثانية، إضافة إلى دور كبير يعطى لتركيا في كل سورية أو في شمالها في الحد الأدنى.

أضف إلى ذلك، أن محطة الانتخابات الرئاسية في إيران خلال أيار (مايو) المقبل بدأت تضفي سخونة على المشهد الداخلي، على رغم حرص المرشد على أن يمر هذا الاستحقاق بسلاسة، ما يؤشر إلى مرحلة من تحديد الخيارات الداخلية ينبغي أن تُقطع في ظل حد أدنى من الخسائر في السياسة الخارجية.

المشروع الروسي في سورية بدأ يجد نفسه مُنظّماً للتناقضات بين تركيا وإيران، ومُيسّراً للحوار بين الأطراف السورية. هذا طبعاً إذا افترضنا أن روسيا بدأت تبحث جدياً عن حلول للمشكلة وأن الغرب يسلّم معها في إراحة الساحة الداخلية، لكن الرهان على ذهاب روسيا إلى حد التفريط بحلفها مع إيران ربما يكون فيه شيء من المبالغة في ظل عدم حسم أردوغان وجهته نهائياً.

الثابت بالنسبة الى تركيا، تقويض مشروع الكيان الكردي وعرقلة أي تغيير يهدد المسار الذي تكرس في معاهدة لوزان الثانية عام 1923. والتحدي الأهم لها يكمن في نجاحها بتشكيل تقاطع منطقي بين مصالح كل من الحلف الأطلسي وواشنطن من جهة والمصالح الروسية في سورية من جهة ثانية، وهذا لا شك يأخذها إلى مرحلة من تطبيق الوظيفة المتفاهم عليها دولياً بعد ظهور الدور الإيراني معرقلاً للحل السياسي، وتبعثر الجهود الدولية بغياب لاعب إقليمي مقبول. تركيا تقول اليوم أنها تستطيع لعب هذا الدور التوفيقي، لكن شروط نجاحها في ذلك تتوقف أيضاً على قدرتها على تجاوز أزماتها الداخلية وظهورها بمظهر القوي، وهذا يشكل تحدياً إضافياً، إذ لحدّ الآن يندفع أردوغان نحو تعديل مسارات تقليدية راسخة في الداخل التركي كمثل الانتقال إلى النظام الرئاسي، ما يمكن أن يبدد مشهد الوحدة الوطنية التي تجلت عقب الانقلاب. أضف إلى ذلك، أن نموذج أسلمة المجتمع في تركيا بدأ يقود الى مشاعر عدائية تجاه الغرب، بخاصة عقب محاولة الانقلاب وحماية الولايات المتحدة الداعية فتح الله غولن، وهذا الأمر لا يشكل خطراً على أوروبا فحسب إنما يحمل تساؤلات تتعلق بإمكان السيطرة على مآلات هذه الوجهة.

المهم في التفاهم التركي الروسي، فيما إذا تم تحصينه بتفاهم أشمل، أنه يرسم مساراً يضمن لبوتين إقامة هادئة في المنطقة، بينما طموحات إيران المتدحرجة لا تضمن ذلك.